تم إيقاف أقسام اللغات الأجنبية مؤقتا على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

المسار التفاوضي بين الحكومة السورية وقسد.. إلى أين؟

01/10/2025 - العقيد عبدالجبار العكيدي

أعيدوا لنا العلم

18/09/2025 - أحمد أبازيد

عودة روسية قوية إلى سوريا

17/09/2025 - بكر صدقي

لعبة إسرائيل في سوريا

10/09/2025 - غازي العريضي

من التهميش إلى الفاشية

10/09/2025 - انس حمدون

الوطنية السورية وبدائلها

04/09/2025 - ياسين الحاج صالح


نساء أستانبول الصغرى .....حكاية أم تركية في قلب برلين تعلم الثقة بالنفس للأمهات الأجنبيات




برلين - اوريكا ليستسينكي - جول هي الوحيدة التى تتمتع بسرعة البديهة والتلقائية أمام الميكروفون، إنها سيدة أنيقة في منتصف الثلاثينيات. وتألقت لهذا اليوم بوشاح من الحرير وتنورة سوداء طويلة وبلوزة أجمل. وتقول جول في الميكروفون: " كنت اعتقد أنني اعرف حي كرويتسبرج جيدا ، لكني علمت أن هذا ليس صحيحا".


امهات الحي بالشارة الحمراء وابتسامة الثقة
امهات الحي بالشارة الحمراء وابتسامة الثقة
إنه يوم خاص بالنسبة لها، يوم تسوده أجواء احتفالية إلى حد ما، ارتدت فيه جول شالا أحمر حول رقبتها وأمسكت حقيبة بيضاء تدلت من كتفها. إنها رموز يمكن التعرف ببساطة من خلالها على تلك السيدات اللاتي يقمن بدور "أمهات الحي" في حي كرويتسبرج الكلاسيكي القديم للمهاجرين في العاصمة برلين.

هيرانور جول تركية ألمانية ولدت وترعرعت في برلين والآن أصبحت إحدى "أمهات الحي".
وحصلت جول لدى الدياكون (الشماس الإنجيلي) على دورة تدريبية مدتها نصف سنة عن تربية الأطفال والصحة وتعزيز اللغة. وفي أثناء هذه الدورة القوية تعرفت على كيفية تقديم خدمات المساعدة المتعددة للعائلات في كرويتسبرج.

وهي الآن تريد أن تتوجه للأمهات التركيات الشابات اللاتي لا يشعرن مثلها في برلين وكأنهن في وطنهن، واللاتي لا يتقن التحدث بالألمانية وبالتالي أيضا ربما لا يستطعن منح أبنائهن ما تعتبر جول الأهم في إنجاح الاندماج، ألا وهو التعليم والاحترام والتسامح.

وجول هي واحدة من "أمهات الحي" الـ20 اللاتي يحصلن اليوم على شهادة مزاولة المهنة، مهنة والدة الحي، في هذا الاحتفال، وجميع هؤلاء الأمهات ذوات جذور أجنبية. وكثيرات منهن نمت وسط ثقافتين ويعلمون ماذا يعنى هذا المزيج الثقافي. و الآن تعتلي عضوة المجلس البلدي للشباب مونيكا هيرمان المنبر، وهي عضو بحزب الخضر الألماني، وجاءت إلى حفل تسليم الشهادات راكبة دراجة و مرتدية بنطلون جينز وبلوفر.

لم ترسم مونيكا هيرمان صورة وردية لشيء غير وردي في حي كرويتسبرج الذي تقطنه أغلبية من أصول أجنبية فهي تعلم أن حي كرويتسبرج من الأحياء ذات المشكلات الاجتماعية حيث لون في الأطلس الاجتماعي والثقافي لمدينة برلين باللون البرتقالي. ودرجة البرتقالي هي ثاني أسوأ درجة في الأطلس وليس هناك أسوأ منها سوى درجة اللون الأحمر.

وتعني درجة البرتقالي ارتفاع معدلات الجرائم والفقر والبطالة التي تزيد عن 13% وهو متوسط البطالة في مدينة برلين.
كما تعني درجة البرتقالي أن نسبة الشباب ذوي الأصول الأجنبية في الحي تتراوح بين 60 إلى 80% من إجمالي سكان الحي. بالإضافة إلى ارتفاع نسبة الذين يتلقون مساعدة "هارتس 4" الاجتماعية وذوى الدخل المنخفض الذين يعملون ولا يكسبون ما يكفيهم للحياة.

و تبلغ نسبة الفقر في حي كرويتسبرج 18 في المئة، بل إن واحدا من كل اثنين من أطفال بعض مناطق الحي يعيشون على معونات الدولة.
والسيدة هيرمان مقتنعة بعمل أمهات الحي في مثل هذه المناطق الصعبة داخل الحي وتعتبر "أمهات الحي" بمثابة جسر بين الدولة وعائلات المهاجرين.

فعندما لا يتمكن مكتب رعاية الشباب من الوصول إلى عائلات لها مشاكل ربما تنجح أمهات الحي في ذلك، من سيدة لسيدة. فـ"أمهات الحي" يتحدثن نفس لغة الأمهات الأجانب وعلى علم بالعادات والفروق الثقافية. وربما كان ذلك مجرد حلم جميل، على كل حال فإن هذا النموذج في حي كرويتسبرج له نماذج مشابهة في كل أنحاء المدن الألمانية التي ترتفع فيها نسبة السكان ذات الأصول الأجنبية.

وينتشر الجيل الجديد من "أمهات الحي" الآن في مدارس كرويتسبرج ورياض الأطفال ذات اليوم والمقاهي العائلية لإلقاء محاضرات هناك والدخول في مناقشات فردية وتقديم المشورة والنصيحة للألمان ذوي الأصول الأجنبية، نصائح عن أهمية مدارس اليوم الكامل على مدى ثلاث سنوات وأهمية مجالس الآباء في المدارس و أهمية حضور اجتماعات هذه المجالس، وأهمية نوم الأطفال مبكرا قبل منتصف الليل وأهمية صرامة الآباء في هذه المسألة.

وهناك قائمة طويلة من القضايا التي ينبغي على أمهات الحي معالجتها بحساسية وحذر مثل: لماذا يمكن أن تؤدى مشاهدة الأطفال التلفزيون باستمرار إلى التبلد، وما هي الطريقة الصحيحة للعب مع الأطفال وأهمية المكتبات، ولماذا من الأفضل أن يظهر المرء مشاعره وان يتحدث عن قلقه ومخاوفه بدلا من أن يخفي نفسه بعيدا، وأن باستطاعة الآباء أن يفعلن لأسرهم أكثر من مجرد العمل أو مشاهدة مباريات كرة القدم.

وتعمل في مشروع "أمهات الحي" حاليا 60 أما في حي كرويتسبرج وحده. وتدفع المنطقة من اجل تعليمهن. وليس من السهل أن تجد سيدة تناسب هذا المشروع تماما، سيدة متفتحة وقادرة على العمل في الفريق وعلى علم جيد باللغة الألمانية، ويجب أن يكون لديها أطفال ومسجلة ضمن العاطلين عن العمل أو من الحاصلات على مساعدة اجتماعية المسماة بـ "هارتس 4". كما أن الحافز المادي للعمل كأمهات الحي ضئيل حيث لا يزيد أجر الواحدة منهن في الساعة عن 1.5 يورو.

ولا يمكن تقدير قيمة ما تعلمه أمهات الحي للأمهات الأجانب وأبنائهن بمال.
إنها أدوات تستطيع أن تغير ايجابيا مسار العائلات التى تقبل المساعدة.

والمشروع محاولة راشدة تنقذ جزءا من الجيل القادم من الضياع من أن يصبح فاشلا في المدرسة أو من المعتمدين بشكل دائم على المساعدات الاجتماعية أو والدا مستبدا أو مجرما. إنها محاولة للرد البناء على الصعوبات التي تطرح في المناقشات الجارية حاليا حول الاندماج.

تجلس هيرانور جول بعد أسابيع قليلة من بدء عملها كإحدى أمهات الحي في مقهى مدرسة هونسرويك الابتدائية التى لا تبعد عن محطة قطار جورليتس.
ويتحدث اللغة الألمانية هنا 62 في المئة من الأطفال ولكن ليس كلغة الأم.

ويطلق بعض سكان برلين على هذا الجزء من حي كرويتسبرج اسم " استانبول الصغيرة" بمحلاته التركية الصغيرة ومحلات بيع وجبات الطعام الخفيفة، والتي تفتح في الصباح الباكر بعيد الثامنة.
وتنتظر هيرانور وأمهات الحي الأخريات ومعهن المحاضرات المعدة مسبقا في هذا المقهى الأمهات العربية والتركية اللاتي يرافقن أطفالهن إلى المدرسة، ولكن لم يأت أحد.

وأخيرا أطلت سيدتان ألمانيتان برأسيهما من باب المقهى، إنهن اثنتان من الألمانيات المقتنعات بأن يكون في حي كرويتسبرج تنوع ثقافي لا يقتصر فقط على الثقافة الألمانية، سيدتان من اللاتي لسن بحاجة لمعرفة ما يحتاجه أطفال المدرسة الابتدائية من ساندويتش خلال فترة الراحة أو حتى موعد ذهاب الأطفال إلى النوم. وهما يستمعان باهتمام إلى محاضرات أمهات الحي. ويكتبان بتلقائية ما يدخل إلي عقلهما منذ أن يذهب أطفالهما هنا إلى المدرسة.

تقول إحدى السيدات في المقهى: "ابني يتحدث الآن اللهجة الألمانية الخاصة بالأحياء المجاورة. وتضيف :"لا يستطيع الأطفال هنا تبادل تعليم اللغة بعضهم البعض فهذا يزيد الطين بلة. انضمت فتاة تركية مؤخرا إلى الفصل الأول الابتدائي بعد عامين ونصف في دار الحضانة ذات اليوم الكامل. ولم تكن هذه الفتاة تعرف أي كلمة ألمانية قبل الانضمام لحضانة اليوم الكامل.
ولم تجد الخطابات التي أرسلها الأخصائي الاجتماعي في الحضانة إلى الأم".

وتقول جول: "ربما لا تستطيع أمها قراءة الألمانية" فتنظر الأمان الألمانيتان إلى جول فجأة وهي تقول ذلك، فهما لم يفكرا في هذا الأمر أبدا.
ثم طرحت قضية ابن ثان ليس من ذوي أصول مهاجرة، من تلاميذ الصف الثاني واحتفل من وقت قصير بعيد ميلاده. وفي قائمة الدعوات تظهر فقط أسماء ألمانية. وتسأله والدته:إلا تريد أن تدعو أيضا أطفالا أتراك؟ ويجيب الطفل ذو السبعة أعوام :"ماما! لا أدعو أي أطفال أتراك " وتكمل السيدة :" عندها سألت نفسي بالطبع: لماذا يفعل الصبي ذلك؟"، وحاولت السيدة نفسها أن تقيم علاقات مع جارتها العربية التى لم ترد ذلك. إنهما عالمان متوازيان لا احد يرغب في إقامة علاقة مع الآخر وكل شخص يعيش في بالوناته.

ولم تستسلم جول لأية أوهام فيما يتعلق بتعدد الثقافات. فعندما كانت صغيرة كانت هي التركية الوحيدة في الفصل، وكان والدها يعمل في تنظيف حافلات شركات المواصلات العامة في برلين. وكانت أمها ترعى الأطفال. وكان والداها يتحدثان اللغة التركية فقط في البيت. وفي اليوم الدراسي الأول كانت جول تكاد لا تتقن كلمة ألمانية واحدة. إلا أن كان وراءها معلمة نشطة انتشلتها سريعا، وبعد فترة قصيرة أصبحت جول من أفضل تلاميذ الفصل. ولكن جول لم تكن تتصل بأي من تلاميذ الفصل خارج المدرسة.

و في نهاية الصف السادس نصحتها معلمتها بدخول مدرسة ألمانية مندمجة في أحد أحياء الطبقة المتوسطة في برلين. فألحت جول التى كانت وقتذاك 12 عاما على والدها وأجبرته على مرافقتها للتسجيل في هذه المدرسة رغم عدم ترحيبه.
وكانت هذه المرة الأولى التى يدخل فيها والدها مدرسة ألمانية.

واليوم لا تذكر جوال والدها بشيء سيئ، وتقول "لم يكن لديه وقت تماما. كان يعمل في أوقات مختلفة من اليوم بالتناوب طوال 35 عاما. ولم يحتج إلى سنت واحد من الدولة".
وأصبحت اليوم جول الوحيدة في عائلتها الكبيرة التى استطاعت إنهاء تعليمها. وكادت ألا توفق في الصف العاشر و لكن ليس بسبب درجاتها، بل بسبب قيام والدتها بتزويجها في عامها السادس عشر من رجل تركي يكبرها باثني عشر عاما.

كان زوجها قد قدم ألمانيا قبل وقت قصير فقط من زواجه بها، ورشحه الأصدقاء لوالدتها ليكون زوجا لابنتها هيرانور التي لم ترغب في الزواج منه إلا أنها تزوجته احتراما لرغبة والديها وتحت شرط أن تنهي تعليمها. و لم يرحب زوجها بهذا إلا إنها انتصرت وأكملت تعليمها.

وعندما تذهب جول اليوم بصفتها إحدى أمهات الحي إلى أسرتها، تذكر دائما قصتها الخاصة. وتقول جول بصوت غليظ إلى الأمهات التركيات: "إذا لم تتعلمن أى كلمة ألمانية فستوصفن بالغباء حتى وان لم تكن أغبياء" وتضيف :" يجب عليكن أن تكن طموحات، اذهبن إلى دورات اللغة، إلى المكتبات"، وأحيانا تحذر قائلة: "يجب عليكن أن تستطعن الدفاع عن أنفسكن، عندما يتهمونكن بالسرقة في محلات السوبر ماركت، وكيف ستستطعن ذلك بدون كلمة ألمانية؟".

وتعتزم جول المشاركة في تقديم النصائح والمشورات للسياسيين المعنيين بوضوع الاندماج مثلا: عليهم الوصول إلى الرجال العرب والأتراك بصفة خاصة إذا ما أرادوا التغيير سريعا " وتضيف:"نحن بحاجة إلى تقديم دورات يتعلم من خلالها الرجال الأتراك أصول التربية الحديثة للأطفال"، وتضيف: "نحتاج إلى أباء الحي، وعلى الرجال أن يشاركونا وإلا سيتشتت شمل العائلات.

ومن وقت قصير تقدمت بابنتيها 9 و11 عاما إلى إحدى المدارس التركية الخاصة، فهي ترى أن اللعب في المدرسة الألمانية أكثر من اللازم وأن الأطفال يتعلمون هناك قليلا جدا من القواعد الثابتة ولا تعجبها وجبة الغذاء في المدرس الألمانية.

وجول سيدة متدينة تولي اهتماما كبيرا للطعام الموافق للشريعة الإسلامية.
ويتم التعليم باللغة الألمانية في مدرسة بناتها الجديدة. وترى جول أن الطهي في هذه المدرسة يتم بالشكل الصحيح، الا أنها تتحدث التركية مع بناتها وتقول "عليهن إتقان كلتا اللغتين".

اوريكا ليستسينكي
السبت 11 ديسمبر 2010