
لكن رغم ذلك كانت حادثة إغلاق "البوردرز" مناسبة مهمة ليتذكر العمانيون أن عاصمتهم بدون مكتبة وطنية، بل حتى بدون متجر محترم يبيع الكتب العربية والأجنبية، ويمكن منه الحصول على آخر الإصدارات في سوق النشر العربي. وكتبت العشرات من المقالات، وأفرد ملحق شرفات الثقافي الذي يصدر مع جريدة عمان الرسمية ملفا خاصا عن إغلاق المتجر شارك فيه مجموعة من كتاب ومثقفي عمان.
يقول الشاعر العماني عبد الله حبيب "حسرتنا على إغلاق بوردرز لا تكمن في فقد مصدر للكتب فحسب، بل كذلك في افتقاد مكان وحالة ثقافيين مميزين" ويضيف حبيب " لا يمكن فصل موضوع إغلاق مكتبة عن سياقه الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والثقافي وجذوره المتشابكة على أرض الواقع. هنا لا بد أن يعمل القلب والعقل معاً، طاقة قصيدة النثر مع شيء من مباضع التحليل".
ويقول حبيب " تُغلق «بوردرز» في مدينة صغيرة لا توجد فيها مكتبة عامة أصلاً كي نصاب بهذا النكال المضاعف لإنهاء ذلك المتنفَّس، والمؤسف حقاً أن الكارثة أكبر، حيث إن إغلاق "بوردرز" ليس إلا "أول الغيث"، فمكتبات أخرى أصغر ستغلق بدورها قريباً، والحبل على الجرار..أسعار الكتب الجديدة في الولايات المتحدة مرتفعة للغاية، وأغلى بكثير مما هو لدينا في الوطن العربي مثلاً (ولا ننسَ أن بوردرز هو فرع لمتجر كتب أمريكي، وبالتالي فهو مرهون باعتبارات الأصل)، ولكن توجد هناك قنوات تفاوضية أخرى لصالح القارئ لا نتوافر عليها في بلاد صغيرة مثل عمان، وذلك من قبيل المكتبات الأكاديمية والعامة العملاقة، ووجود محلات ومواقع الكترونية لبيع الكتب المستعملة وغيرها.. لذلك فإني لا أرى بوجاهة عامل غلاء الأسعار".ويطرح عبدالله حبيب موضوعا مهما حيث يقول "الجالية الأجنبية لدينا غير معنية بالثقافة والفكر والإبداع في بلادنا لا من قريب ولا من بعيد. لقد جاءوا إلينا تاريخياً بوصفهم مستعمرين، وعساكر، ومرتزقة، وباحثين عن ثروة ومغامرين..، والحال هذه فإنه إذا كان سبب إغلاق "بوردرز" هو الخسارة المالية فإن الجالية الأجنبية الناطقة بالإنجليزية المقيمة لدينا هنا في عمان (والعاصمة مسقط تحديداً) هي من يستحق توجيه أحد أصابع الاتهام إليه. لا شيء يمكن تقديمه باعتباره مبرراً لإغلاق "بوردرز"، ولا عذر يمكن قبوله. لكن ألا يمكن أن يكون صعود ظاهرة الكتاب الإلكتروني والثقافة الإلكترونية عموماً سببا ولو من بعيد في ذلك الإغلاق؟. إنني أتساءل بصوت عال فحسب".
أما القاص سليمان المعمري فإنه يتذكر في سياق إغلاق مكتبة البوردرز مكتبة ركن الكتاب التي أغلقت مطلع الألفية الجديدة مشيرا في حديثه "لاحظوا أننا لم نعد نشرك الحكومة في تذمراتنا، ربما لأننا قنطنا من المكتبة الوطنية التي مُنِّينا بها. الفارق الوحيد بينهما هو أن بوردرز لديها فروع كثيرة في دول العالم المختلفة، ولذا فإنها لم تضطر عند إغلاقها لبيع كتبها في مزاد غير علني بنصف ريال للكتاب الواحد مهما بلغتْ أهميته وأهمية مؤلفه!".
أما شذى البلوشي فكانت تقف حائرة أمام ما كان قبل شهور متجرا لبيع الكتب، ومكانا هادئا لممارسة هواية القراءة، وتتساءل في حزن " ماذا يحدث في هذا العالم، تغلق مكتبة وحيدة في هذه المدينة ليفتح مكانها مطعم؟! إلى هذا الحد وصلت بنا الأمور في الابتعاد عن الكتاب". وردا على سؤال حول ما إذا كان أحد أسباب إغلاق المتجر هو انتصار الكتاب الإلكتروني على الكتاب الورقي تقول شذى " هذا أمر يمكن أن يحدث في الغرب، ولكن في العالم العربي عامة لا يمكن الحديث عن تفوق حقيقي للكتاب الإلكتروني على الكتاب الورقي .. حتى الآن هنا مدن عربية لا توجد بها مكتبات ومنها مدينة مسقط". تتوقف شذى قليلا عن الحديث لتعود وتقول " إن كنت تزور معرض مسقط السنوي للكتاب ستعرف أن الناس هنا يقرؤون كثيرا .. الأرقام التي تعلنها الجهات المنظمة للمعرض تؤكد ان العمانيون شعب قارئ وأنهم يعودون من عواصم مثل القاهرة وبيروت محملين بحقائب كبيرة مليئة بالكتب .. ثم أن العارضين في معرض الشارقة يؤكدون سنويا أن العمانيين هم من ينجحون معرض الشارقة".
وكان متجر البوردرز يمثل حالة ثقافية فريدة في عُمان. نساء كبار في السن كن يأتين إلى المتجر ويجلسن الساعات الطويلة وهن يقران في كتب مختلفة، أطفال من مختلف الأعمار يأتون مع أمهاتهم ويجلسون يقرؤون ويقلبون صفحات الكتب، إضافة إلى العديد من الفعاليات الثقافية التي كانت تقام في المتجر.
الكاتب نبهانا الحنشي ورغم أنه يتذكر الكثير مما كان يقدمه متجر البوردرز إلا أنه يتساءل أيضا حينما يقول: "تبالغ بوردرز في تسعيرها، بل حتى القرطاسيات وما تبعها، هل هذه سياسية لتعمير ثقافة؟ خاصة إذا ما نظرنا للجانب الماديّ لأغلب المهتمين بالثقافة، والقراءة، لذلك كان من الطبيعيّ جدا أن تشهد بوردرز إقبالا مرتفعا من جهة الناس يتوزعون على كافة أركانها، ولكن مجموع الناس الذين يصلون لركن المحاسبة ضئيل جدا مقارنة بالزوّار!!!" ثم يعود للقول " خسرنا بوردرز، وخسرنا الجوّ الثقافي الكلاسيكي الراقي، وخسرنا فرصة الانعزال الثقافي الجميل، فحتى مسألة التسعيرة المرتفعة، تشفع لها كل الخدمات السالفة الذكر، ويشفع لها غياب البديل المتاح".
أما الكاتب خالد عثمان فيقول في مستهل حديثه عن أزمة قلة المكتبات في عُمان " كنتُ فيما مضى في أواخر الثمانينيات وبداية التسعينيات أسعى من مسقط العتيقة حتى روي، وفي مكتبة ابن كثير أفتش عن كتب قرأت عنها في هوامش الكتب الدراسية فكنتُ أبتاع كتبا أكبر من سني الصغير يومها (في المنطق وكتب أبو حامد الغزالي..الخ)، وأنا ما زلت في الصف الأول الإعدادي. كانت مكتبة ابن كثير ملاذي الحنون والوحيدقبل أن يخرج للنور معرض الكتاب السنوي.. إلى أن جاء اليوم المر فأغلقت المكتبة، واستبدلت بمحل للملابس والأدوات الرياضية.. هذه من ذكرياتي المرة، وما لبثنا بضع سنين وإلا أطفئت الشمعة التي أضاءها إقبال الحبيب حينما أنار ركنه الصغير مساحة والعظيم شأنا، الأمل في من يحب أن يقرأ. كان ركنه مشروعا ثقافيا نهضويا على مستوى أرضنا، ولكن ماتت مكتبته بموته. لقد شهدت موت مكتبات طليعية عديدة، وبموتها الطويل نسيت أسماءها وأماكن وجودها".
ويستطرد خالد عثمان في حديثه بالقول " إنّ إغلاق هذه المكتبات أو تحويلها إلى قرطاسيات أو محل تجميل أو محلات لعب أطفال كما حصل لمكتبة "بوردرز"، لمؤشر خطير وناقوس ينذر بخطر كبير .. علينا جميعا أن نكون نبضًا واحدًا في وجه هذه المأساة وكلنا نتحمل هذا المنزلق الجارف نحو الهاوية وما أدراك ماهي".
لن يكون ما قاله العمانيون في هذه الزاوية آخر ما سيقولونه عن عدم وجود مكتبات في عاصمة عريقة بحجم مسقط، ولكن الأمر سيستمر طويلا .. وربما طويلا جدا.
يقول الشاعر العماني عبد الله حبيب "حسرتنا على إغلاق بوردرز لا تكمن في فقد مصدر للكتب فحسب، بل كذلك في افتقاد مكان وحالة ثقافيين مميزين" ويضيف حبيب " لا يمكن فصل موضوع إغلاق مكتبة عن سياقه الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والثقافي وجذوره المتشابكة على أرض الواقع. هنا لا بد أن يعمل القلب والعقل معاً، طاقة قصيدة النثر مع شيء من مباضع التحليل".
ويقول حبيب " تُغلق «بوردرز» في مدينة صغيرة لا توجد فيها مكتبة عامة أصلاً كي نصاب بهذا النكال المضاعف لإنهاء ذلك المتنفَّس، والمؤسف حقاً أن الكارثة أكبر، حيث إن إغلاق "بوردرز" ليس إلا "أول الغيث"، فمكتبات أخرى أصغر ستغلق بدورها قريباً، والحبل على الجرار..أسعار الكتب الجديدة في الولايات المتحدة مرتفعة للغاية، وأغلى بكثير مما هو لدينا في الوطن العربي مثلاً (ولا ننسَ أن بوردرز هو فرع لمتجر كتب أمريكي، وبالتالي فهو مرهون باعتبارات الأصل)، ولكن توجد هناك قنوات تفاوضية أخرى لصالح القارئ لا نتوافر عليها في بلاد صغيرة مثل عمان، وذلك من قبيل المكتبات الأكاديمية والعامة العملاقة، ووجود محلات ومواقع الكترونية لبيع الكتب المستعملة وغيرها.. لذلك فإني لا أرى بوجاهة عامل غلاء الأسعار".ويطرح عبدالله حبيب موضوعا مهما حيث يقول "الجالية الأجنبية لدينا غير معنية بالثقافة والفكر والإبداع في بلادنا لا من قريب ولا من بعيد. لقد جاءوا إلينا تاريخياً بوصفهم مستعمرين، وعساكر، ومرتزقة، وباحثين عن ثروة ومغامرين..، والحال هذه فإنه إذا كان سبب إغلاق "بوردرز" هو الخسارة المالية فإن الجالية الأجنبية الناطقة بالإنجليزية المقيمة لدينا هنا في عمان (والعاصمة مسقط تحديداً) هي من يستحق توجيه أحد أصابع الاتهام إليه. لا شيء يمكن تقديمه باعتباره مبرراً لإغلاق "بوردرز"، ولا عذر يمكن قبوله. لكن ألا يمكن أن يكون صعود ظاهرة الكتاب الإلكتروني والثقافة الإلكترونية عموماً سببا ولو من بعيد في ذلك الإغلاق؟. إنني أتساءل بصوت عال فحسب".
أما القاص سليمان المعمري فإنه يتذكر في سياق إغلاق مكتبة البوردرز مكتبة ركن الكتاب التي أغلقت مطلع الألفية الجديدة مشيرا في حديثه "لاحظوا أننا لم نعد نشرك الحكومة في تذمراتنا، ربما لأننا قنطنا من المكتبة الوطنية التي مُنِّينا بها. الفارق الوحيد بينهما هو أن بوردرز لديها فروع كثيرة في دول العالم المختلفة، ولذا فإنها لم تضطر عند إغلاقها لبيع كتبها في مزاد غير علني بنصف ريال للكتاب الواحد مهما بلغتْ أهميته وأهمية مؤلفه!".
أما شذى البلوشي فكانت تقف حائرة أمام ما كان قبل شهور متجرا لبيع الكتب، ومكانا هادئا لممارسة هواية القراءة، وتتساءل في حزن " ماذا يحدث في هذا العالم، تغلق مكتبة وحيدة في هذه المدينة ليفتح مكانها مطعم؟! إلى هذا الحد وصلت بنا الأمور في الابتعاد عن الكتاب". وردا على سؤال حول ما إذا كان أحد أسباب إغلاق المتجر هو انتصار الكتاب الإلكتروني على الكتاب الورقي تقول شذى " هذا أمر يمكن أن يحدث في الغرب، ولكن في العالم العربي عامة لا يمكن الحديث عن تفوق حقيقي للكتاب الإلكتروني على الكتاب الورقي .. حتى الآن هنا مدن عربية لا توجد بها مكتبات ومنها مدينة مسقط". تتوقف شذى قليلا عن الحديث لتعود وتقول " إن كنت تزور معرض مسقط السنوي للكتاب ستعرف أن الناس هنا يقرؤون كثيرا .. الأرقام التي تعلنها الجهات المنظمة للمعرض تؤكد ان العمانيون شعب قارئ وأنهم يعودون من عواصم مثل القاهرة وبيروت محملين بحقائب كبيرة مليئة بالكتب .. ثم أن العارضين في معرض الشارقة يؤكدون سنويا أن العمانيين هم من ينجحون معرض الشارقة".
وكان متجر البوردرز يمثل حالة ثقافية فريدة في عُمان. نساء كبار في السن كن يأتين إلى المتجر ويجلسن الساعات الطويلة وهن يقران في كتب مختلفة، أطفال من مختلف الأعمار يأتون مع أمهاتهم ويجلسون يقرؤون ويقلبون صفحات الكتب، إضافة إلى العديد من الفعاليات الثقافية التي كانت تقام في المتجر.
الكاتب نبهانا الحنشي ورغم أنه يتذكر الكثير مما كان يقدمه متجر البوردرز إلا أنه يتساءل أيضا حينما يقول: "تبالغ بوردرز في تسعيرها، بل حتى القرطاسيات وما تبعها، هل هذه سياسية لتعمير ثقافة؟ خاصة إذا ما نظرنا للجانب الماديّ لأغلب المهتمين بالثقافة، والقراءة، لذلك كان من الطبيعيّ جدا أن تشهد بوردرز إقبالا مرتفعا من جهة الناس يتوزعون على كافة أركانها، ولكن مجموع الناس الذين يصلون لركن المحاسبة ضئيل جدا مقارنة بالزوّار!!!" ثم يعود للقول " خسرنا بوردرز، وخسرنا الجوّ الثقافي الكلاسيكي الراقي، وخسرنا فرصة الانعزال الثقافي الجميل، فحتى مسألة التسعيرة المرتفعة، تشفع لها كل الخدمات السالفة الذكر، ويشفع لها غياب البديل المتاح".
أما الكاتب خالد عثمان فيقول في مستهل حديثه عن أزمة قلة المكتبات في عُمان " كنتُ فيما مضى في أواخر الثمانينيات وبداية التسعينيات أسعى من مسقط العتيقة حتى روي، وفي مكتبة ابن كثير أفتش عن كتب قرأت عنها في هوامش الكتب الدراسية فكنتُ أبتاع كتبا أكبر من سني الصغير يومها (في المنطق وكتب أبو حامد الغزالي..الخ)، وأنا ما زلت في الصف الأول الإعدادي. كانت مكتبة ابن كثير ملاذي الحنون والوحيدقبل أن يخرج للنور معرض الكتاب السنوي.. إلى أن جاء اليوم المر فأغلقت المكتبة، واستبدلت بمحل للملابس والأدوات الرياضية.. هذه من ذكرياتي المرة، وما لبثنا بضع سنين وإلا أطفئت الشمعة التي أضاءها إقبال الحبيب حينما أنار ركنه الصغير مساحة والعظيم شأنا، الأمل في من يحب أن يقرأ. كان ركنه مشروعا ثقافيا نهضويا على مستوى أرضنا، ولكن ماتت مكتبته بموته. لقد شهدت موت مكتبات طليعية عديدة، وبموتها الطويل نسيت أسماءها وأماكن وجودها".
ويستطرد خالد عثمان في حديثه بالقول " إنّ إغلاق هذه المكتبات أو تحويلها إلى قرطاسيات أو محل تجميل أو محلات لعب أطفال كما حصل لمكتبة "بوردرز"، لمؤشر خطير وناقوس ينذر بخطر كبير .. علينا جميعا أن نكون نبضًا واحدًا في وجه هذه المأساة وكلنا نتحمل هذا المنزلق الجارف نحو الهاوية وما أدراك ماهي".
لن يكون ما قاله العمانيون في هذه الزاوية آخر ما سيقولونه عن عدم وجود مكتبات في عاصمة عريقة بحجم مسقط، ولكن الأمر سيستمر طويلا .. وربما طويلا جدا.