وتعريف الإتصال السياسي*2 حسب ماكنير*3 هو كل مستويات الاتصال التي يستخدمها الساسة المنشغلون بها للوصول إلى غاية محددة وأهداف مقصودة وهو إعلام موجه يهدف للتأثير على الرأي العام.
يعتقد ساجان*4 أن الإعلام والاتصال هما وسيلتان قويتان لتعزيز التواصل والفهم بين الناس. يعتقد أن الإعلام يمكن أن يكون أداة قوية لتبادل المعرفة والثقافة والعلوم، ويجب أن يتم استخدامه بشكل إيجابي لتعزيز التعليم والتواصل العالمي.
وبالنظر لتاريخ ظهور كل منهما نجد أن هناك علاقة وثيقة متبادلة بين الإعلام بشكله العام والإتصال بكل فروعه بمافيه الاتصال السياسي, والذي نتج عنه الإعلام السياسي.
وهو استخدام وسائل الإعلام لإيصال الرأي أو الفكر أو ايديولوجيا يرغب السياسي في إيصالها للجمهور, والذي هو الطرف المستهدف في عملية الإعلام.
مشكلة البحث:
ايضاح ماهية الإعلام السياسي ومفهوم الإعلام ووظيفة السياسي ولمن الاسبقية بينهما.
أهمية البحث:
تأتي أهميته من التمييز بين أشكال الإعلام ومعرفة دور الإعلام السياسي وقدرته على تحقيق التواصل والاتصال مع الجماهير
أهداف البحث:
معرفة القاعدة النظرية للإعلام ووسائل الاتصال, ومدى تأثير كل منهما بالآخر.
فرضية البحث:
تقوم فرضية البحث على أن هناك تداخل وظيفي بين الإعلام بمفهومه النظري والاتصال السياسي ما ينتج إعلام سياسي يخدم السياسات التي تعتمدها السلطات, ومعرفة مدى تأثير كل منهما بالأخر.
منهج البحث وحدوده الزمانية والمكانية:
منهج البحث وصفي استقرائي وتاريخي يبحث في الحالة من خلال استقراء الواقع وتحليله.
الحدود الزمانية والمكانية مفتوحة وغير مقيدة.
الدراسة وتقسيماتها:
الاتصال السياسي:
تاريخياً يسبق الإتصال ظهور الإعلام فقد بدأت مجموعات البشر الأولى الاتصال بشكله البدائي والذي أخذ أشكالاً مختلفة تطورت مع تطور البشر, ومع تطور عمليات الاتصال والإعلام بدأت تظهر أشكال من تنظيم المجموعات البشرية, فكان لابد من تنسيق عمليات الاتصال فيما بينها ومن ثم وبعد الفرز الطبيعي لهذه المجموعات بين قيادات لها وتابعين, كان لابد من ايجاد طريقة للتواصل وهي بدايات الاتصال السياسي بين القيادة والجمهور, بدأت تظهر بشكل واضح مع ظهور شكل الدولة عند الرومان وتطورت لاحقاً لتصل إلى الخطاب السياسي الذي بدأ باستخدام الإعلام ووسائله التي أيضاً بدأت بالتطور لتحقيق أكبر فائدة من هذا الاتصال.
وبالتالي كان لابد من ظهور مستويات لهذا الاتصال تتمثل
بالمستوى المعلوماتي الذي يعمل على إيصال المعلومة بشكل مباشر للمتلقي
المستوى الاقناعي والذي يهدف لاقناع المتلقي وهي وظيفة السياسي لذلك كان لابد من اختيار من لديهم القدرة على الاقناع والكاريزما التي يستطيعون من خلالها فرض رؤاهم على الجمهور.
المستوى التعبيري والذي تطور مع تطور وسائل الإعلام ووصل إلى عصرنا الحالي عبر وسائل التواصل الاجتماعي, إذ أصبح كثير من الساسة يتواصلون بشكل مباشر مع الجمهور ويتلقون رده بشكل مباشر.
يمثل دونالد ترمب مثالا حياً وحديثاً عبر استخدامه لمنصة تويتر لإيصال آرائه وحتى قراراته في بعض الأحيان, مما عزز فكرة الشعبوية في الاتصال السياسي.
الإعلام والاتصال:
إن النظر لتطور مراحل الاتصال يعني أن تطور مفهوم الاتصال عبر الحقب التي مرت بها البشرية, كان يؤسس لظهور الإعلام بشكله الحالي والذي وصل إليه عبر تطور التقنيات المستخدمة فيه , حيث بدأت بالإخبار عن طريق الإشارات والرموز ثم الإخبار الصوتي المباشر, مروراً باستخدام أدوات الطبيعة كالناروالدخان والأبواق وغيرها.وتعتبر النهضة الصناعية والثورة التكنولوجية السبب الرئيس في التحولات التي مر بها الإعلام.
إن تحول الإعلام إلى اتصال مباشر بين المجموعات البشرية حفز السياسيين مع تطور الحياة السياسية وقيام المجموعات البشرية بتنظيم نفسها على شكل مجموعات بدأت غير منظمة ثم انتقلت إلى شكل جمعي قبلي ومن ثم جماعات بشرية تخضع لسلطات من ضمنها, احتاج السياسيون لأدوات تواصل مع الجمهور فكان ظهور أول اشكال الإتصال السياسي الذي استخدم الإعلام لإيصال أوامره ومن ثم أفكاره.
إن الهدف من الاتصال السياسي باستخدام وسائل الإعلام*5 هو حسب تشارليس موريس أن مصطلح الاتصال حين نستخدمه بشكل واسع فهو يتناول أي ظرف يتوافر فيه مشاركة عدد من الأفراد بأمر معين.
وبالتالي فإن ظهور أشخاص سياسيين ضمن مجموعات بشرية هو شكل من أشكال الاتصال السياسي, والذي بدأ بوسائل إعلام بسيطة , اعتمدت على الصوت البشري مستفيدة من كاريزما المتحدث وقدرته على صياغة أفكاره وتقديمها, حيث ظهر عدد من المتحدثين والمتكلمين والخطباء مستخدمين الاتصال اللفظي ومستعينين بلغة الحركة والأفعال والإشارات من أجل إيصال المعلومة أو الخبر والتأثير بالمتلقي , ولعل ماكسيميليان دي روبسبير*6.. المحامي وخطيب الثورة الفرنسية يمثل نموذجاً واضحاً ومثالاً لهذا الشكل من الاتصال.
مع تطور وسائل الإعلام وظهور الصحف والراديو والتلفاز وتطور وسائل الاتصال كالتلغراف وقبلها إشارات مورس ومن ثم الهاتف وصولاً إلى وسائل الاتصال الحديثة.
أصبح استخدام وسائل الإعلام ضرورة ملحة بالنسبة للسياسيين من أجل تحقيق أهدافهم وإيصال أفكارهم, وأصبح الإعتماد على وسائل الإعلام كبيراً في هذا المجال.
إلاأن تراجع دور وسائل الإعلام التقليدي كالتلفاز والصحف, بعد ظهور وسائل التواصل الاجتماعي التي كانت نتيجة لثورة الإنترنت, أعادت الصدارة لوسائل التواصل بدلاً من وسائل الإعلام التقليدية, حيث ظهر نمط حديث من الإعلام يعتمد على التواصل المباشر بين المصدر والمتلقي, ويمتاز بوجود التغذية الراجعة والتي زادت من قدرة السياسي على التأثير في الجمهور وبذات الوقت تلقي ملاحظات الجمهور وتعليقاته ونقده ,وبالتالي أصبح الإتصال السياسي مصدراً مباشراً للأخبار,كما زادعدد المتلقين بصورة أكبر وبالتالي زادت احتمالية إيصال الأفكار والايديولوجيا بصورة أكبر وبشكل طردي مع زيادة وصول وسائل التواصل للأشخاص*7
الإعلام السياسي:
يعتبر الإعلام السياسي نتاجاً لاندماج وسائل الإعلام وأدواته مع الخطاب السياسي, وباالتالي ايصال صوت السياسي عبر وسائل الإعلام المستخدمة في عصره لاقناع الجماهير برؤيته السياسية.
وهذا يتفق مع تعريف كارل هوفلاند*8 للاتصال والذي يقول فيه : أن الإتصال هو العملية التي يقدم خلالها القائم بالإتصال منبهات / رموز لغوية/ لكي يعدل سلوك الأفراد الآخرين.
وبسبب تأثير الإعلام لجأت الكتل والشخصيات والسلطات السياسية لامتلاك وسائل الإعلام الخاصة بها وذلك من أجل فرض آرائها وسياساتها على الجمهور, كذلك تساهم في حملاتها الدعائية , مما ينتج إعلام سياسي خاص بالسلطة.
كما يمارس بعض السياسيين الإعلام من أجل إحداث نوع من التثقيف السياسي والتنوير من خلال طرح رؤى سياسية مختلفة, تجعل من المتلقي على معرفة بما يحصل من متغيرات سياسية من حوله.
كما يمكن أن يكون للإعلام السياسي دوراً في حشد الجماهير سواء المؤيدة للسلطات أو المعارضة لها, وبالتالي قد يكون أحد أدوات التغيير المجتمعي, من خلال خلق رأي عام مؤيد أو رافض لسياسة السلطات.
وهذا مايؤكد أن للإعلام سلطة لاتقل عن غيرها من السلطات السياسية والقانونية في البلاد, وأن ممارسة الإعلام السياسي في بلد ما مرتبط بالحالة السياسية للبلد.
الخاتمة:
مما سبق لانستطيع القول بأن الإعلام والاتصال شيئان مختلفان ولا نستطيع الجزم بتقدم أحدهما على الآخر, وإنما نستطيع الحديث عن تكاملهما, واحتياج كل منهما للآخر فالإعلامي بشكل عام ووسائل الإعلام تحتاج للسياسي الذي يصنع الخبر كي تستطيع التواصل مع الجمهور, والسياسي حتى يكون له اتصال مباشر مع جمهوره وتأثيره به, يحتاج للإعلام ووسائله, كذلك فإن تطور أحد الوسائل يرتبط بتطور الآخر, فتطور وسائل الإعلام يتبعها تطور في الخطاب السياسي, وكذلك حاجة السياسي للوصول يتطلب منه تطوير أدواته الإعلامية.
لذلك فإن الاتصال والإعلام والسياسة كلُ لايتجزأ تحتاجه المؤسسات السياسية لصناعة إعلام سياسي قادر على التأثير في المتلقي وإيصال الخطاب كما يريده أصحاب القرار السياسي.
وبالتالي نستطيع القول في ظل الإنتشار الواسع لوسائل الإعلام وتدخل السياسة في تفاصيل الحياة اليومية أنه
لا توجد سياسة بدون إعلام ولا إعلام بدون سياسة.
الهوامش والمراجع:
الهوامش:
1-تقرير اليونسكو حول الاعلام الصادر عام 1973
2- عناصر الاتصال السياسي هدى الحنايفة 3 أغسطس 2023
3-براين ماكنير مدخل للاتصال السياسي
4-كارل ساجان كان عالم فلك وفيزيائي فضائي وكاتب ومنظر طبيعي أمريكي
5-كتاب الاتصال ونظرية المعاصرة
6-ماكسيميليان دي روبسبير ولد عام 1758 وتوفي عام 1794. محام فرنسي عرف بموقفه المعادي والرافض للنظام الملكي في البلاد، كان أحد أكثر الشخصيات تأثيرا في الثورة الفرنسية،
7- بلغ عدد مستخدمي الانترنت في العالم عام 2023مايقارب 60% من عدد سكانه, وفق وكالة الامم المتحدة المتخصصة في مجال التكنولوجيا
8-كارل هوفلاند استاذ جامعي وعالم نفس امريكي 1912-1961
المراجع:
1-الاتصال السياسي ووسائل الإعلام المقاربات النظرية والممارسة السياسية ,حوليات جامعة الجزائر العدد 3 عام 2022/ جميلة سعيد , صفوان عيصام حسيني
2-براين ماكنير مدخل للاتصال السياسي
3-كتاب الاتصال ونظرية المعاصرة الدكتور حسين مكاوي استاذ الاعلام بجامعة القاهرة , والدكتورة ليلى حسين السيد مدرس الاعلام بجامعة حلوان