نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
Rss
Facebook
Twitter
App Store
Mobile



عيون المقالات

أردوغان.. هل سيسقطه الإسلاميون؟

03/05/2024 - إسماعيل ياشا

" دمشق التي عايشتها " الغوطة

28/04/2024 - يوسف سامي اليوسف

( أيهما أخطر؟ )

24/04/2024 - محمد الرميحي*

إيران.. من يزرع الريح يحصد العاصفة

23/04/2024 - نظام مير محمدي

وقاحة استراتيجية مذهلة

21/04/2024 - راغدة درغام

التعميم بوصفه "تخبيصة" العقل الأولى

18/04/2024 - مصطفى تاج الدين الموسى

رسائل النيران بين إيران وإسرائيل

15/04/2024 - محمد مختار الشَنقيطي


التلوث يغرق مصر لكن الإعلاميين يسخرون منه والمثقفين ورجال الدين يعتبرونه أسطورة غربية




القاهرة - جوزيف مايتون - تهدِّد البيئة في مصر مخاطر وتحديات حقيقية - ولكن هناك نقص في الوعي البيئي لدى المواطنين المصريين. وحتى إنَّ كبار المثقفين المصريين يرفضون ظاهرة الاحتباس الحراري العالمية ويفسرونها على أنَّها أسطورة من نسيج خيال الغرب


القاهرة تختنق بتأثير الغبار الملوث
القاهرة تختنق بتأثير الغبار الملوث
يخرج من أحد أغلى مطاعم القاهرة بعض رجال الأعمال الشباب، الذين أنهوا طعامهم للتو. ويقومون من على كراسيهم ويقذفون من دون مبالاة مناديلهم في مياه نهر النيل التي تعتبر على أي حال وسخة. ولكن هنا في مصر لا يوجد سوى القليل من الوعي بأنَّ الأماكن العامة يمكن أن تستحق هي أيضًا المحافظة عليها.

وفي مصر لا تعتبر فكرة حماية البيئة والنشاطات الهادفة للمحافظة عليها معروفة للجميع، مثلما هي الحال في أجزاء أخرى من منطقة الشرق الأوسط، ويعود ذلك أيضًا إلى ندرة مثل هذه النشاطات، على الرغم من تفاقم المشكلات، مثل نقص المياه وارتفاع مستوى سطح البحر والتلوّث البيئي. وبالإضافة إلى ذلك تعاني مصر من تدهور في الحياة البحرية وخطر حقيقي يهدِّد بغرق كلِّ منطقة دلتا النيل يومًا ما في البحر، نتيجة الاحتباس الحراري وارتفاع درجة حرارة الأرض.

أكوام القمامة في كلِّ مكان
بادرت الناشطة السودانية، أمنيه عمرو التي تعمل من أجل الحفاظ على البيئة بتأسيس مبادرة "Eco Option Egypt"؛ ومبادرتها هذه تسعى من خلال موقعها الإلكتروني على الإنترنت والنشاطات التي تقيمها إلى الإسهام في رفع مستوى الوعي البيئي في مصر. وتقول أمنية عمرو من الصعب للغاية إطلاق حركة بيئية واسعة النطاق في هذه المنطقة. وذلك بسبب وجود نقص في الوعي بضرورة تعامل الفرد بمسؤولية مع الأملاك العامة مثلما يتعامل مع أملاكه الخاصة.

وأمنية عمرو محقة في ذلك؛ حيث تنتشر أكوام وكميَّات كبيرة من القمامة في الشوارع وفي كلِّ الأماكن العامة في مصر. وكثيرًا ما يُقال في مصر على سبيل المزاح إنَّ البلد كلَّه "برميل زبالة" كبير. ومع أنَّ هذه مجرَّد نكتة، ولكنها تعبِّر أيضًا عن شيء ما.

وهكذا عندما تقوم المنظَّمات ومجموعات الناشطين المدافعين عن البيئة مثل مبادرة "Eco Options Egypt" بالدعوة إلى المزيد من الوعي البيئي في الحياة اليومية، أو عندما تقوم جمعية المحافظة على البيئة بالغردقة بإطلاق حملة ضدّ بيع لحوم أسماك القرش في المحلات التابعة لسلسلة سوبر ماركت كارفور الفرنسية في مصر، فإنَّنا لا نكاد نجد أي شخص يهتم بهذه النشاطات من خارج أوساط الناشطين.

سخرية وتجاهل إعلامي
ووسائل الإعلام المحلية تسخر من الحركة البيئية وتتجاهلها، مثلما تقول الناشطة أمنية عمرو وغيرها من الناشطين المدافعين عن البيئة. وكذلك ينظر الكثيرون إلى حماية البيئة باعتبارها شيئًا غريبًا، أو حتى على أنها شيء من الغرب. فما زال يجب على هذه الحركة توطيد أقدامها على الأرض.

ولكن مع ذلك أصدرت بعض جمعيَّات حماية البيئة ومنها أيضًا جمعية المحافظة على البيئة بالغردقة بيانات للتوعية بالآثار المدمِّرة التي تنجم عن انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون وعن آثار المنصات البحرية والسياحة في مناطق الحياة البحرية والشعاب المرجانية في البحر الأحمر. فقبل عقد من الزمن كانت منطقة شرم الشيخ تعدّ من أجمل وأروع مناطق الغطس في العالم.

وبينما أصبحت في يومنا هذا أجزاء كثيرة من الشعاب المرجانية القريبة من الساحل رمادية اللون، إن لم تكن قد ماتت. وكذلك هاجرت الحياة البحرية نحو الجنوب، نتيجة الأضرار التي تصيب دائمًا النظام الإيكولوجي الخاص بمياه البحر بسبب التسربات النفطية - مثل التسرب الذي حدث في شهر حزيران/يونيو من العام الجاري.

علاقة تعايش مع الطبيعة
على مر التاريخ عاش الناس في منطقة الشرق الأوسط حياة منسجمة مع الطبيعة، استمرت فترة طويلة جدًا. وكان نهر النيل يهب مصر القديمة حياتها، وكانت تقوم بين النهر والناس علاقة تعايش. ولكن مصر الحديثة تسعى الآن إلى السيطرة على الطبيعة، إلاَّ أنَّ الآثار البيئية مدمرة. والمصيبة أنَّ الناس هنا يعتبرون أنفسهم سادة هذا الكوكب، وأوضح تعبير لهذا الموقف يتجلى في إلقاء أعقاب السجائر والقوارير البلاستيكية وبقايا اللحوم من دون مبالاة في الشارع.

وعلاوة على ذلك قال مؤخرًا رجل دين مسيحي في القاهرة: "لا يوجد شيء اسمه تغير مناخي على الإطلاق. وهذه مجرَّد أسطورة صنعها الغرب من أجل الاستيلاء على ما يعتبر من حقِّنا". وهكذا يفكِّر أيضًا الدكتور عبد المنعم سعيد، رئيس مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية؛ هذا المركز الحكومي الذي ينشر صحيفة الأهرام المصرية.

وفي شهر شباط/فبراير كتب عبد المنعم سعيد في جريدة "الأهرام ويكلي" نقلاً عن مقابلة تلفزيونية أجراها مع الرئيس التشيكي فاكلاف كلاوس، أنَّ الاحتباس الحراري العالمي يمكن أن لا يكون قطّ الشيء الذي يريد إقناعنا به من يسمون بـ"العلماء الغربيين". وأضاف أنَّ العالم شهد أيضًا في الماضي ارتفاعًا في درجات الحرارة، وأنَّ "الطبيعة لها قوانينها الخاصة" وأنَّها تعرف كيف تعود إلى "توازنها".

وبطبيعة الحال من الصعب أن لا يفقد الناشطون المدافعون عن البيئة حماسهم ودوافعهم، في مثل هذا الجو الذي نجد فيه مثقفًا من أبرز المثقفين يشكَّك في النتائج العلمية الخاصة بالتغير المناخي وظاهرة الاحتباس الحراري العالمي نتيجة انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون.

خطر يهدِّد حتى الأمن العالمي
يتمتَّع هذا الرأي بانتشار واسع لدى المثقفين المصريين. التي تعدّ جمعية مركزية تضم العديد من الجمعيَّات والمنظمات البيئية في المنطقة، إنَّ مصر وحتى منطقة الشرق الأوسط بأسرها يجب أن تكون مستعدة أفضل لمواجهة التحديات التي يشكِّلها التلوّث البيئي.

ويضيف قائلاً: "إذا بقينا غير مستعدِّين، فإنَّ ذلك لن يؤثِّر فقط على الأمن الاقتصادي، بل أيضًا على الأمن القومي والإقليمي والعالمي. ويجب علينا الآن اتِّخاذ الإجراءات الضرورية للتخفيف من الآثار التي يمكن أن تنجم عن تغير المناخ والتكيّف معها".

ونظام التعليم في مصر يشكِّل واحدة من العقبات الرئيسية التي تواجه تعزيز الوعي البيئي في البلاد. وفي كتابه الرائع الذي يحمل عنوان "What's Really Wrong with the Middle East"، يبين الكاتب البريطاني براين ويتاكر أنَّ المدارس المصرية تركز فقط على التلقين في التعليم. وفي هذا المجتمع الذي يتَّبع في التعليم نهجًا تقليديًا سلطويًا، لا يوجد أي مكان لمفاهيم مثل مسؤولية المواطن والوعي البيئي. وما يزال أمام مصر وقت طويل من أجل خلق جيل قوي من الأشخاص الواعين والمفكرين ذوي العقول المبتكرة، الذين سوف يجدون حلولاً للمشكلات البيئية التي أصبحت ملحة أكثر من ذي قبل.

ولكن مع كلِّ ذلك يبقى لدى مصر مجتمع مدني نشيط في مجالات أخرى؛ إذ توجد في القاهرة وحدها، على الرغم من هذا المناخ الاجتماعي والسياسي الصعب، مئات من الجمعيَّات والمنظمَّات غير الحكومية التي تنشط بجهد وحماس في مختلف المجالات وكثيرًا ما تحدث المزيد من التغييرات؛ على سبيل المثال لقد أعلنت مؤخرًا بفخر واعتزاز جمعية المحافظة على البيئة بالغردقة، أنَّ سوبر ماركت كارفور في مصر أكَّد أنَّه توقف عن بيع لحم سمك القرش. وبالتالي ربَّما ما يزال هناك أمل.

جوزيف مايتون - قنطرة
الاثنين 16 غشت 2010