تم إيقاف أقسام اللغات الأجنبية مؤقتا على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

أعيدوا لنا العلم

18/09/2025 - أحمد أبازيد

عودة روسية قوية إلى سوريا

17/09/2025 - بكر صدقي

لعبة إسرائيل في سوريا

10/09/2025 - غازي العريضي

من التهميش إلى الفاشية

10/09/2025 - انس حمدون

الوطنية السورية وبدائلها

04/09/2025 - ياسين الحاج صالح


الشاعر العماني سيف الرحبي:النزعة الأنثروبولوجية تخترق نصي النثري والشعري




مسقط - عاصم الشيدي - يشكل الشاعر العماني سيف الرحبي علامة فارقة في المشهد الثقافي العماني، وهو من كان يصنف شاعر عربي أكثر من تصنيفه شاعر عماني في سياق التصنيفات والانتماءات القطرية في العالم العربي، إلا أنه لا يختلف اثنان على المكانة التي يحظى بها الشاعر في بلده عمان وفي مختلف العواصم والمدن العربية. ورغم ذلك فإن صوت الرحبي في قصيدته يكاد ينطلق من البيئة العمانية المحلية، التي هي كما يؤكد دائما نموذج من نماذج البيئات الإنسانية في الكون الفسيح . وكالة الأنباء الألمانية(د.ب.أ) اقتربت أكثر من الشاعر الكبير لتحقق من الكثير من المقولات حول شعره، واشتغالاته الأدبية .


الشاعر العماني  سيف الرحبي:النزعة الأنثروبولوجية تخترق نصي النثري والشعري
في البدء يتحدث سيف الرحبي عن علاقة كتابه " نشيد الأعمى" بالرؤية الفلسفية والتأملية بالقول: "الكتاب تجربة حوارية، لا أقول مسرحية، فقد لا تتحقق فيها شروط المسرح الأساسية، لكنها تقترب كثيرا من البنية المسرحية، وأي تجربة لا تتولد من فراغ إنما من مسار حياتي وكتابي وممارسة وخبرة إبداعية وحياتية. جمالية النصوص في نهاية الأمر لا تتولد من لا شيء .. من بياض مطلق، وإنما من هذه الممارسة تتفرع وتتشعب وتتخذ مناحي تعبيرية مختلفة. نشيد الأعمى نضعه في هذا السياق، لكن لا نستطيع أن نعامله نقديا بأدوات القصيدة، بأدوات الشعر، فالكتاب خليط بين الحوار الشعري والمسرحي. فهو، إذا أردت، نص مفتوح، لكن عبر الشرط المسرحي الحواري. من هنا اتسعت الرؤية التعبيرية لحمولة التأملات الفكرية ذات المنحى الفلسفي الوجودي وأنا بمثابة طالب علم في هذا المجال لكن إحساسي فظيع بالمأساة. ويضيف الرحبي وهو يقلب دفتي الكتاب "لو كانت قصيدة، ولو قصيدة هجينة تحاول أن تضم في أحشائها النزعة المشهدية البصرية والحوارية، لما احتملت كل هذه الحمولة التأملية الفكرية بهذا الوضوح، لكن شرطها التعبيري الإبداعي مختلف. كونها حوارية مفتوحة على هذا الأفق التعبيري تحملت هكذا."

وسيف الرحبي ليس الشاعر الوحيد الذي أخذ في تجريب أشكال كتابية عدة تسير بهدوء إلى جانب التجربة الشعرية، إلا أن له رأي حول من يقول أن هذا الأمر ناتج عن أن قصيدة النثر ضاقت بالشاعر فأخذ يبحث عن شكل تعبيري آخر حيث يقول:"أتصور أحيانا أن الكاتب يبحث عن مناح تعبيرية مختلفة. بمعنى أنه ربما الرؤية الفكرية والحياتية والوجودية التي يحملها الكاتب، ربما هي نفسها تبحث عن تعبيرها بأشكال مختلفة، عبر القصيدة، عبر المسرحية، عبر السرد القصصي، أو غير ذلك".

ويضيف "في البنية السردية أيضا تتضافر نواح تعبيرية مختلفة لتؤسس نصا يطمح الكاتب أن يتسع لرؤاه المتفجرة على أكثر من صعيد وجودي وحياتي، هذا طموح الكاتب. تضيق العبارة أحيانا وتنفجر من داخلها لتتيح التعبير من خلال أفق أكثر سعة وشساعة، أو هكذا يطمح الكاتب. من هنا، أحيانا يأتي ما نسميه هجانة النص بمعنى أن النص الشعري متاخم للسرد متاخم للمشهد السينمائي والتشكيلي كما هو ملتصق باليومي والأبدي، فكل هذه المتاخمة أو هذه الإقامة في التخوم التعبيرية في نظري هي بحث عن الشكل التعبيري الأنسب الذي يستطيع أن يعبر عن رؤية الكاتب والشاعر والفنان تجاه الوجود والعالم. ليست هناك الآن حدود صارمة بين الفنون والآداب، بل نوع من التفاعل والانصهار الإبداعي الذي يوفق أحيانا ولا يوفق في أحيان أخرى. ولكن هذا البحث الحر في حد ذاته ظاهرة صحية".

ونشيد الأعمى ليست التجربة الأولى لسيف الرحبي أيضا للتوجه إلى الحوار في نصه الشعري، بصفته ركن أساسي في بناء تلك القصيدة، فديوانه "الجندي الذي رأى الطائر في نومه " تتضح هذه النزعة فيه على نحو أكبر" يقول الرحبي" أعتقد أن هذا الأمر اتضح أكثر في ديوان /جبال /أو الديوان الأخير /سألقي التحية على قراصنة ينتظرون الإعصار/ و/نشيد الأعمى/، وحتى في المقالة التي أكتبها بين الفترة والأخرى حيث هناك تطعيم بالصورة الشعرية وبالجو المستعار من الشعر والإبداع، لأن المقالة ليست فكرية جافة فقط، وإنما تحمل هذا النوع من الطراء الشعري والفني والنثر بهذا المعنى كما يقول الجاحظ /فضاح الشعراء/. بل إنني أرجع هذه المسألة إلى البدايات، فإذا اطلعت على كتاب /الجبل الأخضر/ وهذا الكتاب كان تجربة هجينة شعرية وقصصية وحتى الشعرية منها وهي قصيدة الجبل الأخضر والتي كتبت عام 1979 ونشرت عام 1981 وهي بالمناسبة من البدايات الأولى وكانت تحمل هذا الطموح أو هذا التوسل إلى تفجير العبارة الشعرية لتصبح أكثر من قصيدة بالمعنى الكلاسيكي للـ /قصيدة/ الكلاسيكية حتى في الحداثة نفسها أقصد".

ووجهت وكالة الأنباء الألمانية سؤالا للشاعر العماني والخليجي الأبرز عن صور الموت، والجبال، والأنواء والمغيبين، والأسلاف الذين رحلوا وانقرضوا، وحضورهم الطاغي في قصيدة سيف الرحبي، فأكد أن" الصورة تحاول أن تتوسل وتعبر عن كل هذه العناصر أي أن الصورة تحاول أن تبني مملكتها الخاصة، ولديّ على ما يبدو هذه النزعة الأنثروبولوجية التي تخترق النص الكتابي والشعري. فأنا مسكون ومتورط إلى حد كبير في التاريخ العماني بأبعاده، والجغرافيا العمانية بأبعادها الجيولوجية والروحية، ومتورط في التاريخ العربي والبشري بصورة عامة. بمعنى أن الكتابة لا تترفع عن النزعة التاريخية بقدر ما تحاول اختراقها ولملمة بعض أشلائها التي تكون جزءا أساسيا من صياغة النص الشعري، فلا أنزع إلى كتابة قصائد بالمعنى التفصيلي اليومي الذي ساد عند البعض، بقدر ما يكون اليومي مربوطا بخلفية أسطورية وببعد تاريخي جغرافي وما ورائي، فيأتي النص بهذا المعنى مركبا بأكثر من عنصر فني وعنصر بنائي. ويكون موضوعه نفسه مركبا من هذه العناصر الشكلية والمضمونية ـ إن صحت هذه الثنائية، وهي ملتبسة، ولسنا بصدد نقاشها الآن. كما أن البيئة العمانية تغري بالكلام عن الأسلاف، وعن بداية التكوين البشري والجيولوجي في التاريخ الإنساني كله. البيئة عندنا بهذا التنوع والإدهاش وبهذه الطزاجة تستفز المخيلة الشعرية والكتابية لتطرح أسئلتها الوجودية والحياتية. بمعنى أنها بيئة فريدة".

وحول ما إذا كان ثمة رعب داخلي من تلك المفردات شكل داخله صدمة في مرحلة من مراحل حياته يقول الرحبي "تكويني البدئي الطفولي الأول هو في البيئة العمانية بين جبال ووديان وحيوات عمانية خالصة، فهذه البيئة بالضرورة أثرت، كما تؤثر على أي شاعر وكائن بشري آخر لكن الشاعر على الأخص. أكيد هذا المشهد الجغرافي المدهش يحمل ما نسميه بالرعب الجمالي الآسر، يعني بيئة وحشية بالغة الوحشية، ولنا أن نسميها وحشية الجمال بغموضها وأشباحها وتهاويلها المختلفة. هذا النوع من البيئات شبه البدائية أقرب إلى الشعر والفن من بيئات أخرى. بهذا المعنى، أميل إلى رأي بعض الفنانين ومنهم الرسام

عاصم الشيدي
الاحد 9 أكتوبر 2011