المفكر الكبير محمد عابد الجابري .
في الساعات الأولى من صباح الإثنين، ثالث ماي، نزل الخبر في قاعات التحرير باليوميات المغربية، من خلال قصاصة لوكالة الأنباء المغربية، تنعي المفكر المغربي الكبير محمد عابد الجابري،في مدينة الدار البيضاء، وذلك عن عمر يناهز 75 عاما، أمضاها في البحث الأكاديمي، متفرغا للعطاء، ولتكوين أجيال جديدة من الشباب من خلال عمله كأستاذ للفلسفة والفكر العربي والإسلامي في الجامعة المغربية.
وهو نموذج للرجل العصامي المكافح،إذ بدأ رحلته مع العلم في مدينة كلميم، حيث رأى النور،سنة 1935،وتلقى في إحدى مدارسها دروسه الأولى، قبل أن ينتقل إلى مدينة الدار البيضاء، التي واصل فيها دراسته،بتفوق كان مثار انتباه زملائه الطلبة، فنال دبلوم الدراسات العليا في الفلسفة سنة 1967، أي عام النكسة العربية، بعد حرب حزيران،وواصل اجتهاده بعزم لايلين،إلى حين حصوله على دكتوراه الدولة في الفلسفة سنة 1970، وذلك بكلية الأداب والعلوم الإنسانية بالرباط.
وقبل ذلك، كانت للفقيد ذكريات لاتنسى عن سوريا، كثيرا ماكان يحكيها لجلسائه بكثير من الحنين إلى تلك الأيام التي أمضاها في دمشق سنة 1958طالبا،مفعما بالحماس،من اجل نيل الإجازة في الفلسفة، قبل أن يعود إلى وطنه، ويستقر فيه،ويستكمل دراسته، ويواصل عطاءه في محراب البحث الأكاديمي، الذي كان أحد رموزه الكبار في الوطن العربي والإسلامي.
ولعله من الصعب جدا الإلمام بكل جوانب حياة الراحل الجابري،الفكرية والنضالية والسياسية، نظرا لتعدد المجالات التي كان ينشط فيها، خاصة خلال فترة شبابه،الذي كرس جزءا كبيرا منه للعمل الوطني، في الخمسينيات من القرن الماضي، من أجل الدفاع عن تحرير بلده.
وانشغل كذلك، في عهد الاستقلال، لعدة سنوات بالشأن السياسي والحزبي في بلده،إذ يعتبر أحد القادة المؤسسين لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وأحد وجوهه الفاعلة والمؤثرة في مساره السياسي،منظرا وموجها، بل كان مرجعا أساسيا،تؤخذ أراؤه بعين الاعتبار، وتتم استشارته في العديد من المحطات والتحديات الحاسمة،التي واجهت هذا الحزب، ولاسيما من طرف رفيقه عبد الرحمان اليوسفي، الأمين العام الأسبق.
غير أن الجابري وضع في السنوات الأخيرة مساحة تفصل بينه وبين الاتحاد الاشتراكي، ولم يعد يترشح لمكتبه السياسي، أو يساهم في مؤتمراته أو أنشطته السياسية، مفضلا الابتعاد عن الأضواء، ومكتفيا بأبحاثه التي لم يكن يتردد في نشرها، خاصة في دول الخليج العربي،إذ كان حريصا على التواصل مع قرائه من خلال الكتابة في الصحف وغيرها من المنابر. ولذلك أصدر مجلة شهرية بعنوان" نقد وفكر"، كانت منتدى حقيقيا لتلاقح الأفكار وتفاعلاتها.
ورغم انغماسه فترة من عمره في السياسة، فإن ملف سيرته الشخصية،ظل نقيا،ولم تلوثه شظاياها، محافظا على حسن سيرة سلوكه، لأن السياسة عنده كانت عبارة عن مباديء وقيم وأخلاق وأفكار، ولم تكن يوما لديه مجرد مصالح وصراعات ونزوات انتهازية،كما هي عند بعض ممتهنيها. وربما لذلك نأى بنفسه عنها، ليحافظ على صورته كمفكر، وليس كسياسي..
غاص الجابري بين ثنايا التراث التاريخي العربي والإسلامي، منقبا ناقدا وقارئا وباحثا،وواضعا الكثير من أفكار الأولين تحت مجهره،ومنها فكر عبد الرحمن بن خلدون بالخصوص.
لكن الجابري اشتهر كثيرا بمشروعه الثقافي الكبير عن نقد العقل العربي،الذي أصدره في ثلاثة أجزاء متتالية، هي "تكوين العقل العربي"،و" وبنية العقل العربي"، و" العقل السياسي العربي،" واضعا تطور العقل العربي في مختلف مراحله وتمظهراته فوق المشرحة.
إلى ذلك، ترك محمد عابد الجابري وراءه رصيدا مهما من المؤلفات، من بينها "نحن والتراث : قراءات معاصرة في تراثنا الفلسفي"، "العصبية والدولة : معالم نظرية خلدونية في التاريخ العربي الإسلامي" ، و"مدخل إلى فلسفة العلوم : العقلانية المعاصرة وتطور الفكر العلمي"، و"معرفة القرآن الحكيم أو التفسير الواضح حسب أسباب النزول" في ثلاثة أجزاء، و"مدخل إلى القرآن الكريم."
كما أصدر الراحل أيضا ، "أضواء على مشكلة التعليم بالمغرب"، و"من أجل رؤية تقدمية لبعض مشكلاتنا الفكرية والتربوية"، و "المنهاج التجريبي وتطور الفكر العلمي"، و"إشكاليات الفكر العربي المعاصر"، و"وحدة المغرب العربي"، و"التراث والحداثة : دراسات ومناقشات"، و"الخطاب العربي المعاصر"، و"وجهة نظر : نحو إعادة بناء قضايا الفكر العربي المعاصر"، و"المسألة الثقافية" و"الديمقراطية وحقوق الإنسان"، و"مسألة الهوية : العروبة والإسلام والغرب"، و"المثقفون في الحضارة العربية : محنة ابن حنبل ونكبة ابن رشد"، و"الدين والدولة وتطبيق الشريعة" ، و"المشروع النهضوي العربي : مراجعة نقدية".
واعتبارا لدوره الفاعل في إثراء الفكر العربي، نال محمد عابد الجابري، وهو عضو مجلس أمناء المؤسسة العربية للديمقراطية، العديد من الجوائز، من بينها جائزة بغداد للثقافة العربية-اليونسكو، والجائزة المغاربية للثقافة ، وجائزة الدراسات الفكرية في العالم العربي، وميدالية ابن سينا من اليونسكو بمناسبة اليوم العالمي للفلسفة.
وسيظل إسم الجابري منارة من المنارات التي يهتدي بنورها الباحثون عن الحقيقة بين صفحات التراث العربي والفكر الإسلامي، نظرا لما قدمه من جهد ملحوظ في هذا المجال، سيبقى مضيئا في ذاكرة كل الأجيال.
وهو نموذج للرجل العصامي المكافح،إذ بدأ رحلته مع العلم في مدينة كلميم، حيث رأى النور،سنة 1935،وتلقى في إحدى مدارسها دروسه الأولى، قبل أن ينتقل إلى مدينة الدار البيضاء، التي واصل فيها دراسته،بتفوق كان مثار انتباه زملائه الطلبة، فنال دبلوم الدراسات العليا في الفلسفة سنة 1967، أي عام النكسة العربية، بعد حرب حزيران،وواصل اجتهاده بعزم لايلين،إلى حين حصوله على دكتوراه الدولة في الفلسفة سنة 1970، وذلك بكلية الأداب والعلوم الإنسانية بالرباط.
وقبل ذلك، كانت للفقيد ذكريات لاتنسى عن سوريا، كثيرا ماكان يحكيها لجلسائه بكثير من الحنين إلى تلك الأيام التي أمضاها في دمشق سنة 1958طالبا،مفعما بالحماس،من اجل نيل الإجازة في الفلسفة، قبل أن يعود إلى وطنه، ويستقر فيه،ويستكمل دراسته، ويواصل عطاءه في محراب البحث الأكاديمي، الذي كان أحد رموزه الكبار في الوطن العربي والإسلامي.
ولعله من الصعب جدا الإلمام بكل جوانب حياة الراحل الجابري،الفكرية والنضالية والسياسية، نظرا لتعدد المجالات التي كان ينشط فيها، خاصة خلال فترة شبابه،الذي كرس جزءا كبيرا منه للعمل الوطني، في الخمسينيات من القرن الماضي، من أجل الدفاع عن تحرير بلده.
وانشغل كذلك، في عهد الاستقلال، لعدة سنوات بالشأن السياسي والحزبي في بلده،إذ يعتبر أحد القادة المؤسسين لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وأحد وجوهه الفاعلة والمؤثرة في مساره السياسي،منظرا وموجها، بل كان مرجعا أساسيا،تؤخذ أراؤه بعين الاعتبار، وتتم استشارته في العديد من المحطات والتحديات الحاسمة،التي واجهت هذا الحزب، ولاسيما من طرف رفيقه عبد الرحمان اليوسفي، الأمين العام الأسبق.
غير أن الجابري وضع في السنوات الأخيرة مساحة تفصل بينه وبين الاتحاد الاشتراكي، ولم يعد يترشح لمكتبه السياسي، أو يساهم في مؤتمراته أو أنشطته السياسية، مفضلا الابتعاد عن الأضواء، ومكتفيا بأبحاثه التي لم يكن يتردد في نشرها، خاصة في دول الخليج العربي،إذ كان حريصا على التواصل مع قرائه من خلال الكتابة في الصحف وغيرها من المنابر. ولذلك أصدر مجلة شهرية بعنوان" نقد وفكر"، كانت منتدى حقيقيا لتلاقح الأفكار وتفاعلاتها.
ورغم انغماسه فترة من عمره في السياسة، فإن ملف سيرته الشخصية،ظل نقيا،ولم تلوثه شظاياها، محافظا على حسن سيرة سلوكه، لأن السياسة عنده كانت عبارة عن مباديء وقيم وأخلاق وأفكار، ولم تكن يوما لديه مجرد مصالح وصراعات ونزوات انتهازية،كما هي عند بعض ممتهنيها. وربما لذلك نأى بنفسه عنها، ليحافظ على صورته كمفكر، وليس كسياسي..
غاص الجابري بين ثنايا التراث التاريخي العربي والإسلامي، منقبا ناقدا وقارئا وباحثا،وواضعا الكثير من أفكار الأولين تحت مجهره،ومنها فكر عبد الرحمن بن خلدون بالخصوص.
لكن الجابري اشتهر كثيرا بمشروعه الثقافي الكبير عن نقد العقل العربي،الذي أصدره في ثلاثة أجزاء متتالية، هي "تكوين العقل العربي"،و" وبنية العقل العربي"، و" العقل السياسي العربي،" واضعا تطور العقل العربي في مختلف مراحله وتمظهراته فوق المشرحة.
إلى ذلك، ترك محمد عابد الجابري وراءه رصيدا مهما من المؤلفات، من بينها "نحن والتراث : قراءات معاصرة في تراثنا الفلسفي"، "العصبية والدولة : معالم نظرية خلدونية في التاريخ العربي الإسلامي" ، و"مدخل إلى فلسفة العلوم : العقلانية المعاصرة وتطور الفكر العلمي"، و"معرفة القرآن الحكيم أو التفسير الواضح حسب أسباب النزول" في ثلاثة أجزاء، و"مدخل إلى القرآن الكريم."
كما أصدر الراحل أيضا ، "أضواء على مشكلة التعليم بالمغرب"، و"من أجل رؤية تقدمية لبعض مشكلاتنا الفكرية والتربوية"، و "المنهاج التجريبي وتطور الفكر العلمي"، و"إشكاليات الفكر العربي المعاصر"، و"وحدة المغرب العربي"، و"التراث والحداثة : دراسات ومناقشات"، و"الخطاب العربي المعاصر"، و"وجهة نظر : نحو إعادة بناء قضايا الفكر العربي المعاصر"، و"المسألة الثقافية" و"الديمقراطية وحقوق الإنسان"، و"مسألة الهوية : العروبة والإسلام والغرب"، و"المثقفون في الحضارة العربية : محنة ابن حنبل ونكبة ابن رشد"، و"الدين والدولة وتطبيق الشريعة" ، و"المشروع النهضوي العربي : مراجعة نقدية".
واعتبارا لدوره الفاعل في إثراء الفكر العربي، نال محمد عابد الجابري، وهو عضو مجلس أمناء المؤسسة العربية للديمقراطية، العديد من الجوائز، من بينها جائزة بغداد للثقافة العربية-اليونسكو، والجائزة المغاربية للثقافة ، وجائزة الدراسات الفكرية في العالم العربي، وميدالية ابن سينا من اليونسكو بمناسبة اليوم العالمي للفلسفة.
وسيظل إسم الجابري منارة من المنارات التي يهتدي بنورها الباحثون عن الحقيقة بين صفحات التراث العربي والفكر الإسلامي، نظرا لما قدمه من جهد ملحوظ في هذا المجال، سيبقى مضيئا في ذاكرة كل الأجيال.


الصفحات
سياسة








