تم إيقاف أقسام اللغات الأجنبية مؤقتا على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

طبالون ومكيودون وحائرون

07/11/2025 - ياسين الحاج صالح

"المتلحف بالخارج... عريان"

07/11/2025 - مزوان قبلان

كيف ساعد الهجري و"قسد" سلطة الشرع؟

07/11/2025 - حسين عبد العزيز

” قسد “.. ومتلازمة انتهاء الصلاحيّة

07/11/2025 - رئيس تحرير صحيفة الرأي

مفتاح الشَّرع الذَّهبي

06/11/2025 - د. مهنا بلال الرشيد


المياه الملوثة تقتل الآلاف سنوياً سنويا في سوريا




دمشق - جوني عبو - اعتاد القسم الأكبر من السوريين عموما وسكان الضواحي للعاصمة السورية وأريافها خصوصا ، مع بداية كل صباح سماع أصوات بائعي المياه الجوالين الذين تتعالى صرخاتهم عبر مكبرات الصوت يرددون " فيجة ، بقين ، من جبل الشيخ يا لولو" ويكاد يجهل الغرباء معظم هذه التسميات والتي هي اصطلاحات محلية وتسميات لمياه صالحة للشرب والاستخدامات البشرية ، وهذه التسميات جاءت في الأصل من المنشأ المحلي نسبة إلى ينابيع المياه ومصادرها


يعاني بضعة ملايين من السوريين من انه لا تصلهم مياه صالحة للشرب ويقومون بشرائها عبربائعي المياه
يعاني بضعة ملايين من السوريين من انه لا تصلهم مياه صالحة للشرب ويقومون بشرائها عبربائعي المياه
ويبدأ أبو المجد وهو سائق أحد صهاريج المياه التي تستخدم للشرب والاستحمام البشري ، تحركه في الأحياء الشعبية من الصباح الباكر، ليجد أمامه معظم الأهالي ، مطلين من على شرفاتهم ملوحين " بالبيدونات " ( سعر البيدون حوالي 25 ليرة أي حوالي نصف دولار ) طالبين منه شراء الماء كل بحسب حاجته .

ومع كل وقفة أمام منزل أحد سكان هذه الحارات المكتظة ، يكرر أبو المجد عبر مسجلة تم ربطها إلى مضخمات صوت ، نسبيا ، وضعت على ظهر الصهريج " يا الله ... فيجة فيجيه فيجييه ، دمعة يا زمزم دمعة يا فيجيييه " إنها كلمات بسيطة لكن أبو المجد أكسبها لحنا خاصا وحولها إلى حلقة وصل بينه وبين زبائنه الذين اعتادوه من بين البائعين ، وكذلك هو الحال الذي يتعامل به نفس زبائن زميله البائع الآخر أبو دانيال الذي ، اعتاد ان يأتي ليبيع للسكان في فترة بعد الظهر، مراعاة للموظفين الذين ينطلقون إلى أعمالهم باكرا أو كنوع من تقسيم كعكة البيع مع زميله أبو المجد . يكرر أبو دانيال الذي يأتي بالمياه من منطقة جبل الشيخ التي تبعد عن دمشق حوالي 40 كلم و القريبة الى الجولان المحتل ، وهي منطقة تشتهر بمياهها العذبة والنقية " مية المية من جبل الشيخ يا عينيي ... "ومع وجود هذا النوع من المياه التي تستخدم من قبل الأسر السورية للطبخ والشرب توجد المياه التي تستخدم من الصنابير الممدة في الأنابيب ، ( سعر المتر المكعب المنزلي حوالي 4 ليرات وللترخيص التجاري سعر أعلى) لكنها في غالب الأحيان هي غير صالحة للشرب ، فهي عادة تستخدم للتنظيف والاستحمام ، وسقاية المزروعات أحيانا ، علما أن شبكتها المنتشرة في المدن والضواحي ، شبكة قديمة في معظمها وتخسر الكثير من المياه نتيجة التسرب لأن الشبكة متهالكة كما تتعرض للاستجرار غير النظامي في أحياء المخالفات والمنتشرة بكثافة حول المدن والعاصمة دمشق .

تقول السيدة سارة إبراهيم " نحن كسكان في الضواحي نضطر ان ندفع ثلاث مرات تكاليف لثلاثة أنواع من المياه: الأول الذي نستجره من الشبكة العامة والثاني من الصهاريج التي تتجول في الأحياء والثالث وهو الأكثر كلفة أي المياه المعدنية التي نشتريها من المولات والمحال التجارية ( سعر الزجاجة حوالي نصف دولار للسعة ذات ليتر ونصف ) ، لأنها الأكثر نظافة كما هو معروف حفاظا على صحتنا عندما نتمكن من دفع ثمنها المرتفع مقارنة مع دخلنا الشهري ، إلا ان ثمنها يبدو بخسا بالنسبة إلى البعض من ذوي الدخول العالية .

وتشير المعلومات المتداولة إلى إن هناك سوء في الإدارة الرسمية لشبكة المياه وكذلك سوء الاستهلاك من قبل الأهالي " زاد الطين بلة " كما يقول المثل السوري الشائع .

وأدى موضوع الاستجرار غير المنظم للمياه الباطنية في سورية وموجات الجفاف التي اجتاحت البلاد في السنوات الماضية إلى نقص حاد في مصادر المياه لدى السوريين مترفقا ذلك مع عدم وجود توعية عامة لدى السكان لاسيما استهلاك المياه المعدنية في المنشآت السياحية حيث تفرض تلك المنشآت على زبائنها زجاجات الماء الكبيرة حتى لو لم يحتاجها الزبائن متناسين أهمية الماء في مقابل الربح المادي الآني .

ويجري تطبيق نظام تقنين شتوي وآخر صيفي في بعض المناطق التي تعتمد على شبكات مياه صالحة للشرب ، كما انه من المعلوم أن حفر الآبار ممنوع في معظم المدن السورية لا سيما في عدد من المناطق الزراعية الهامة مثل محافظة الحسكة في الشمال ومحافظة درعا في الجنوب وهو ما أدى إلى تراجع المزروعات وإفقار السكان الذين يعتمدون على الإنتاج الزراعي .

يقول شيخ عشيرة الجبور الكبيرة في سورية وعدد من الدول العربية المجاورة والخليجية الشيخ نواف عبد العزيز المسلط لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ) إن " الحكومة السورية طلبت من بعض دول الخليج مساعدات مالية عاجلة للمساهمة في مشروع جر المياه من نهر دجلة الذي يمر في محافظة الحسكة الحدودية مع تركيا والعراق ، بحوالي 55 كلم ، والتي تنتشر فيها القبائل العربية ، من أجل إنعاش المنطقة زراعيا ومعيشيا والتي تضررت من موجات الجفاف المترافقة مع سوء إدارة حكومية ، ما أدى إلى نزوح آلاف الأسر من مختلف أطياف النسيج الاجتماعي العربي والكردي والسرياني ".

وكان الرئيس السوري بشار الأسد ، دشن مشروع جر مياه من نهر دجلة الذي ينبع من تركيا ويمر في كل من سورية والعراق ، مطلع شهر آذار/ مارس من العام الجاري بتكلفة تتجاوز 100 مليار ليرة سورية ( الدولار يساوي 47 ليرة ) ويهدف إلى ضخ واستثمار1250مليون متر مكعب من مياه نهر دجلة لخدمة أهداف التنمية في الحسكة وذلك من خلال إرواء مساحة نحو 200 ألف هكتار جديدة من أراضي المحافظة وتأمين مياه الشرب للأهالي بواقع 125 مليون متر مكعب سنوياً ودعم شبكات ري نهر الخابور القائمة والتي تروي 63 ألف هكتار في تلك المنطقة التي توصف انها سلة الاقتصاد السوري حيث تنتج منها محاصيل القطن والقمح ومنها يتم استخراج كميات البترول الكبيرة .

وتشير الإحصاءات إلى ان مصادر المياه الصالحة للشرب في سورية تبلغ حوالي مليار م3 ويتم الحصول على هذه الكمية من أربعة أنواع رئيسية من المصادر المائية هي الآبار الجوفية والينابيع و الأنهار و السدود ويتم استثمار هذه الكمية من مياه الشرب من خلال مشاريع تصفية وجر وأنظمة توزيع منتشرة في سورية وتقدر حصة كل مواطن منها ب 160 ليتر يوميا تقريباً ، لكن في الواقع فإن بعض المواطنين لا يحصل على عشر هذه الكمية في بعض المحافظات ويعود ذلك إلى جملة عوامل ومشكلات تعيق عمل هذه المشاريع منها: عدم توازن مخزون المياه مع النمو المتزايد لعدد السكان وزيادة حاجاتهم للمياه، و ضعف التنسيق بين الجهات العاملة في قطاعات المياه، وعدم تهيئة مراكز للتأهيل والأبحاث قادرة على معالجة مشاكل المياه بشكل دائم ومتجدد وإعداد الكوادر اللازمة كماً ونوعاً، وعدم تهيئة المواطن للسوية المطلوبة من الوعي ليدرك أهمية وخطر مشاكل مياه الشرب .

ويعترف خبراء المياه انه نتيجة لتداخل المشاكل ، يتم أحيانا تسرب مياه المجاري والصرف الصحي إلى منابع المياه النظيفة أو إلى الشبكات المتهرئة للمياه الصالحة للاستخدام البشري ما يخلق مئات الأمراض والملوثات الكيميائية الضارة . وتضيف بعض تقارير الخبراء إلى أن مجموع مصادر المياه المتجددة في سوريا تصل حالياً إلى حدود 9977 مليون م3 سنوياً عدا حصة سورية العادلة من المياه الدولية في نهري دجلة والفرات. تستعمل نسبة 81 بالمئة منها لأغراض زراعية، ونسبة 5،6 بالمئة للاستعمالات المنزلية ونسبة 5،2 بالمئة لأغراض صناعية، ونسبة 10% تضيع في التبخر.

بينت دراسة مهتمة بالآثار الصحية لتلوث المياه في سورية أن كمية المياه العذبة المتوافرة للاستخدام في سورية لا تتجاوز 5 بالألف، وأن استهلاك الفرد من المياه يتراوح بين 140-160 جالوناً يومياً بين الشرب، وغسل الملابس، والطبخ، وغسل اليدين والجسم، وتصل حصة الفرد من استهلاك المياه لصرف الفضلات النسبة الأكبر حيث تبلغ نسبة الاستهلاك 41 بالمئة، أما أقلها نسبة فهي استهلاكه للشرب بنسبة 5ر1 بالمئة.

وأوضحت معطيات الدراسة أن نسبة وفيات الأطفال دون سن الخامسة من العمر في سورية تصل إلى 13 بالمئة أي نحو 1050 طفلاً في السنة سببها الإسهال. وقالت الدراسة أن سوء الأوضاع الصحية والبيئية أدت إلى ان 77 بالمئة من أطفال دمشق من الفئة العمرية 6-12 سنة يعانون من زيادة تراكيز الرصاص في الدم عن الحد المسموح به وهو 10 ميكروغرام أي 100 مم بالدم

ومن المعروف أن بضعة ملايين من السوريين لا تصلهم مياه صالحة للشرب ويقومون بشرائها عبر صهاريج متجولة ،لا تملك الشروط الصحية الكافية ما يعني وحسب مصادر علمية وطبية موثوقة إن الآلاف سنويا ، يصابون بأمراض يصعب الشفاء منها ، وتظهر الحكومة عجزها عن مكافحة هذه الظواهر غير الصحية التي تذهب بحياة آلاف السوريين سنويا

جوني عبو
الاحد 17 أبريل 2011