بدو سيناء
عرب
تاريخيا كان هناك حالة من الفصل بين سكان وادي ودلتا النيل في مصر وقاطني شبه جزيرة سيناء، وهو ما يرجع في الأساس إلى اختلاف النشاط الاقتصادي. فبينما كانت الزراعة هي النشاط الأساسي للجماعة الأولى كان الرعي هو الحرفة الرئيسية لبدو سيناء. وكان لهذا الاختلاف في النشاط الاقتصادي تأثيره على الثقافة الجمعية للجماعتين. وتقدم لنا كتب التاريخ العديد من الأمثلة على توتر العلاقات بين الجماعتين. فكثيرة هي الحملات التي تتحدث عنها برديات وسجلات الفراعنة التي كانت تهدف إلى الانتقام من الغارات التي كانت يشنها بدو سيناء على دلتا مصر.
ونظرا لوقوع شبه جزيرة سيناء في شرق البلاد فإنها كانت البوابة التي مرت منها الكثير من الجيوش الغازية، سواء القادمة إلى مصر أو الخارجة منها. وفي أغلب الحالات كان لبدو سيناء وضع خاص يختلف عن باقي مدن وبلدان مصر التي كانت تخضع لدولة مركزية قوية، تمارس من العاصمة هيمنتها على باقي البلاد، سواء كانت تلك العاصمة هي الإسكندرية في عهد البطالمة والرومان، أو الفسطاط والقاهرة مع بداية الحكم الإسلامي لمصر. ومثلما يرى العديد من المؤرخين في حكم محمد على بداية الدولة المصرية الحديثة والتي شهدت بداية اندماج بدو سيناء في الدولة المصرية. حيث أدت تطلعات محمد على التوسعية إلى زيادة اهتمامه ببوابة مصر الشرقية. وهكذا أصبح في سيناء قاض وطبيب شرعي وضباط جمارك ينفذون سياسات القاهرة. وأنخرط البعض من بدو سيناء في الحياة السياسية التي شهدت الكثير من الأحداث الهامة في تلك الفترة مثل الثورة العرابية والاحتلال البريطاني. لكن الاندماج في النسيج الوطني المصري لم يكن كاملا. حيث لم تتمكن السلطة المركزية في القاهرة من فرض كامل سيطرتها على سيناء وساكنيها وهو ما تمثل جليا في قضية التجنيد. فقد كان تأسيس جيش قوي مكون من أبناء المصريين أحد مظاهر الحداثة التي ارساها محمد على. لكن أستثني بدو سيناء من الخدمة العسكرية عام 1881. وقد انعكس هذا التمايز بين الجماعتين في اللغة الشعبية حيث صار ألفاظ عرب أو عربان خاصة بالبدو سواء في سيناء أو في غيرها بالبلاد.
رخاء أم مصائب ؟
ولم يتغير وضع بدو سيناء كثيرا في القرن العشرين، حيث حافظوا على خصوصيتهم الثقافية بعيدا عن الدولة المركزية، مع مشاركة البعض منهم في الحياة السياسية المصرية. لكن التأثير الأكبر على سيناء وسكانها سيكون نتيجة لموقعهم من جهة والأحداث السياسية من جهة أخرى. فقد كانت من نتائج حرب الخامس من يونيو عام 1967 أن احتلت إسرائيل شبة جزيرة سيناء ليظل بدو سيناء تحت الحكم الإسرائيلي لما يقرب من 15 عاما شهدت مزيجا من التوتر والهدوء. ومع عودة سيناء إلى مصر عقب توقيع اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية ظهر اهتمام الدولة المصرية بسيناء كموقع سياحي متميز يمكن أن يجلب لخزينة الدولة الكثير من الأموال. وبالفعل شهدت سيناء نهضة إنشائية وطفرة في مجال البنية التحتية حيث تأسست العديد من القرى والمنشآت السياحية. حيث تركزت أغلب المنشآت السياحية في جنوب سيناء بينما يتركز أغلبية البدو في الشمال والوسط. كما أن اختيار المنشآت السياحية لموظفيها حكمه قوانين السوق المفتوحة التي تسعى إلى البحث عن العمالة الماهرة الرخيصة وهو الأمر الذي لم يكن في العديد من الحالات في صالح البدو الذين واجهوا منافسة شرسة من قبل مواطنيهم من أبناء وادي ودلتا النيل. ولم تكن تلك نهاية المشاكل بالنسبة لساكني أرض الفيروز التي تحولت مئات الأفدنة إن لم يكن الآلاف من أراضيها إلى مزارع لإنتاج المخدرات كما شهدت سيناء حركة تهريب للبشر بين مصر وإسرائيل وهو ما أدى إلى صدامات بين الأمن والبدو المنخرطين في تلك النشاطات غير القانونية. لكن الصدامات ستصير أكثير عنفا مع حلول وافد جديد سيء السمعة إلى أرض سيناء ألا وهو الإرهاب. حيث عانت سيناء من العديد من الهجمات الإرهابية التي استهدفت مصريين وأجانب. وكان رد فعل قوات الأمن عنيفا. حيث احتجزت المئات من البدو لمجرد الاشتباه وبدون توجيه أي اتهامات بحسب رواية بدو سيناء وهي الرواية التي تتحدث عن انتهاكات ومهازل يرتكبها الأمن.
ويبدو أن سياسة الرفض البدوية قد أتت ثمارها. حيث أفرجت وزارة الداخلية المصرية مؤخرا عن العديد من المعتقلين ومن بينهم المدون والقاص البدوي مسعد أبو فجر. لكن يبدو أن تلك الخطوة لن تكون بمثابة حل نهائي يقضي على أسباب التوتر. فالأمر ليس مجرد حادث بل أنه يتعلق بفكرة المواطنة وما يصاحبها من حقوق ومسئوليات ليس فقط بالنسبة للبدو ولكن لكل المواطنين المصريين
تاريخيا كان هناك حالة من الفصل بين سكان وادي ودلتا النيل في مصر وقاطني شبه جزيرة سيناء، وهو ما يرجع في الأساس إلى اختلاف النشاط الاقتصادي. فبينما كانت الزراعة هي النشاط الأساسي للجماعة الأولى كان الرعي هو الحرفة الرئيسية لبدو سيناء. وكان لهذا الاختلاف في النشاط الاقتصادي تأثيره على الثقافة الجمعية للجماعتين. وتقدم لنا كتب التاريخ العديد من الأمثلة على توتر العلاقات بين الجماعتين. فكثيرة هي الحملات التي تتحدث عنها برديات وسجلات الفراعنة التي كانت تهدف إلى الانتقام من الغارات التي كانت يشنها بدو سيناء على دلتا مصر.
ونظرا لوقوع شبه جزيرة سيناء في شرق البلاد فإنها كانت البوابة التي مرت منها الكثير من الجيوش الغازية، سواء القادمة إلى مصر أو الخارجة منها. وفي أغلب الحالات كان لبدو سيناء وضع خاص يختلف عن باقي مدن وبلدان مصر التي كانت تخضع لدولة مركزية قوية، تمارس من العاصمة هيمنتها على باقي البلاد، سواء كانت تلك العاصمة هي الإسكندرية في عهد البطالمة والرومان، أو الفسطاط والقاهرة مع بداية الحكم الإسلامي لمصر. ومثلما يرى العديد من المؤرخين في حكم محمد على بداية الدولة المصرية الحديثة والتي شهدت بداية اندماج بدو سيناء في الدولة المصرية. حيث أدت تطلعات محمد على التوسعية إلى زيادة اهتمامه ببوابة مصر الشرقية. وهكذا أصبح في سيناء قاض وطبيب شرعي وضباط جمارك ينفذون سياسات القاهرة. وأنخرط البعض من بدو سيناء في الحياة السياسية التي شهدت الكثير من الأحداث الهامة في تلك الفترة مثل الثورة العرابية والاحتلال البريطاني. لكن الاندماج في النسيج الوطني المصري لم يكن كاملا. حيث لم تتمكن السلطة المركزية في القاهرة من فرض كامل سيطرتها على سيناء وساكنيها وهو ما تمثل جليا في قضية التجنيد. فقد كان تأسيس جيش قوي مكون من أبناء المصريين أحد مظاهر الحداثة التي ارساها محمد على. لكن أستثني بدو سيناء من الخدمة العسكرية عام 1881. وقد انعكس هذا التمايز بين الجماعتين في اللغة الشعبية حيث صار ألفاظ عرب أو عربان خاصة بالبدو سواء في سيناء أو في غيرها بالبلاد.
رخاء أم مصائب ؟
ولم يتغير وضع بدو سيناء كثيرا في القرن العشرين، حيث حافظوا على خصوصيتهم الثقافية بعيدا عن الدولة المركزية، مع مشاركة البعض منهم في الحياة السياسية المصرية. لكن التأثير الأكبر على سيناء وسكانها سيكون نتيجة لموقعهم من جهة والأحداث السياسية من جهة أخرى. فقد كانت من نتائج حرب الخامس من يونيو عام 1967 أن احتلت إسرائيل شبة جزيرة سيناء ليظل بدو سيناء تحت الحكم الإسرائيلي لما يقرب من 15 عاما شهدت مزيجا من التوتر والهدوء. ومع عودة سيناء إلى مصر عقب توقيع اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية ظهر اهتمام الدولة المصرية بسيناء كموقع سياحي متميز يمكن أن يجلب لخزينة الدولة الكثير من الأموال. وبالفعل شهدت سيناء نهضة إنشائية وطفرة في مجال البنية التحتية حيث تأسست العديد من القرى والمنشآت السياحية. حيث تركزت أغلب المنشآت السياحية في جنوب سيناء بينما يتركز أغلبية البدو في الشمال والوسط. كما أن اختيار المنشآت السياحية لموظفيها حكمه قوانين السوق المفتوحة التي تسعى إلى البحث عن العمالة الماهرة الرخيصة وهو الأمر الذي لم يكن في العديد من الحالات في صالح البدو الذين واجهوا منافسة شرسة من قبل مواطنيهم من أبناء وادي ودلتا النيل. ولم تكن تلك نهاية المشاكل بالنسبة لساكني أرض الفيروز التي تحولت مئات الأفدنة إن لم يكن الآلاف من أراضيها إلى مزارع لإنتاج المخدرات كما شهدت سيناء حركة تهريب للبشر بين مصر وإسرائيل وهو ما أدى إلى صدامات بين الأمن والبدو المنخرطين في تلك النشاطات غير القانونية. لكن الصدامات ستصير أكثير عنفا مع حلول وافد جديد سيء السمعة إلى أرض سيناء ألا وهو الإرهاب. حيث عانت سيناء من العديد من الهجمات الإرهابية التي استهدفت مصريين وأجانب. وكان رد فعل قوات الأمن عنيفا. حيث احتجزت المئات من البدو لمجرد الاشتباه وبدون توجيه أي اتهامات بحسب رواية بدو سيناء وهي الرواية التي تتحدث عن انتهاكات ومهازل يرتكبها الأمن.
ويبدو أن سياسة الرفض البدوية قد أتت ثمارها. حيث أفرجت وزارة الداخلية المصرية مؤخرا عن العديد من المعتقلين ومن بينهم المدون والقاص البدوي مسعد أبو فجر. لكن يبدو أن تلك الخطوة لن تكون بمثابة حل نهائي يقضي على أسباب التوتر. فالأمر ليس مجرد حادث بل أنه يتعلق بفكرة المواطنة وما يصاحبها من حقوق ومسئوليات ليس فقط بالنسبة للبدو ولكن لكل المواطنين المصريين


الصفحات
سياسة








