تم إيقاف أقسام اللغات الأجنبية مؤقتا على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

أعيدوا لنا العلم

18/09/2025 - أحمد أبازيد

عودة روسية قوية إلى سوريا

17/09/2025 - بكر صدقي

لعبة إسرائيل في سوريا

10/09/2025 - غازي العريضي

من التهميش إلى الفاشية

10/09/2025 - انس حمدون

الوطنية السورية وبدائلها

04/09/2025 - ياسين الحاج صالح


جولة في زنازين المدرسة الفنية البحرية بالعاصمة تحكي تاريخ الرعب بالأرجنتين




بيونس أيرس- أستريد رايهن - يتم وضع الأقنعة على رؤوسهم وتعذيبهم ووضع القيود في أيديهم وربط أقدامهم بالسلاسل في الحائط، هذه هي الطريقة التي يتم بها معاملة الضحايا المختطفين في المدرسة الفنية البحرية بالأرجنتين واحتجازهم في مركز سري سيء السمعة خلال فترة حكم الديكتاتورية العسكرية في الأرجنتين التي استمرت من 1976 إلى عام 1983.


تعذيب المساجين في الارجتنين ابان الحكم الديكتاتوري 1976-1983
تعذيب المساجين في الارجتنين ابان الحكم الديكتاتوري 1976-1983
ووسط الرعب الذي عهدوه كان المحتجزون على وعي بصوت جرس المدرسة عبر الباب المجاور، ففي جانب من المبنى كانت هناك آلام ومعاناة وموت، وعلى الجانب الآخر كان التلاميذ يلعبون ويضحكون ويسمع قرع الجرس وصوت ارتداد كرة في فناء المدرسة تعبيرا عن ضوضاء الحياة.

وتقول ديبورا وهي مرشدة سياحية في الجولات التي تنظم للزوار بالمدرسة الفنية البحرية إن المسجونين كانوا يحرصون على الاستماع لصوت دق الجرس في المدرسة بالباب المجاور وغيره من الأصوات التي يمكن أن تساعدهم على تحديد وقت النهار وزمن حلول الليل، وتضيف إننا نعلم أن أحد أسوأ أشكال التعذيب النفسي هو فقدان الإحساس بالزمن أو المكان.
وتم تحويل المدرسة الفنية البحرية التي كانت إحدى أسوأ مراكز التعذيب والقتل الرئيسية خلال حكم فترة الديكتاتورية العسكرية إلى متحف تذكاري ومركز ثقافي عام 2004، كما أصبحت تستخدم كأرشيف لحفظ وثائق من هذه الفترة وأيضا كمقر لمجموعات حقوق الإنسان مثل " حركة أمهات وجدات بلازا دي مايو " نسبة إلى ميدان مايو الذي تجمعت فيه الأمهات لأول مرة مطالبات بعودة أطفالهن المختطفين.

وفي أواخر تشرين أول/اكتوبر الماضي تردد إسم المدرسة الفنية البحرية في الأنباء مرة أخرى بمناسبة صدور أول حكم قضائي في إطار محاكمة 15 متهما بإرتكاب جرائم ضد الإنسانية داخل مبنى المدرسة، ومن بين المتهمين عضو سلاح البحرية الأرجنتينية السابق ألفريدو أستيز ( الملقب بملك الموت ) و جورج ( الملقب بنمر أكوستا ) الذين صدرت بحقهما إلى جانب سبعة آخرين أحكام بالسجن مدى الحياة بعد إدانتهم بإرتكاب جرائم، وحكم على أربعة متهمين آخرين بالسجن لمدد تتراوح بين 18 و25 عاما بينما تم تبرئة إثنين ولكنهما لا يزالان في السجن إنتظارا للمحاكمة في قضايا أخرى.

ويتكون مجمع المدرسة الذي يحتل مساحة 17 هكتارا من نحو ثلاثين مبنى أحدهم نادي الضباط حيث كان يتم احتجاز نحو خمسة آلاف سجين.
ومن بين المحتجزين السيدة أزوسينا فيلافلور إحدى مؤسسات حركة بلازا دي مايو والراهبتان الفرنسيتان أليس دومون وليوني ديكويه اللتان تم اختطافهما عام 1977 بسبب ربطهما بحركة الأمهات اللاتي يبحثن عن أطفالهن المختطفين، وبقي على قيد الحياة أربعة في المائة فقط من ضحايا المدرسة البحرية، وتم قتل الآخرين فيما يعرف بإسم " وفيات الطيران " حيث كان يلقي بهم أحياء من متن الطائرات التي تحلق فوق نهر ريو دي لا بلاتا.

وتبدأ الجولة السياحية بمتحف المدرسة الفنية البحرية من أمام نادي الضباط ، ففي هذا المكان كانت السيارات تصل إلى المدخل حاملة الضحايا وقد كممت أفواههم ووضعت الأغلال في أيديهم ويتم إخراجهم من صناديق السيارات التي أخفاهم الحراس بداخلها، ومن الصعب اليوم في ظل منظر المدرسة وهي تغمرها أشعة الشمس بينما تغرد مئات الطيور فوق أغصان الأشجار تخيل مشاعر الرعب العميقة التي كان يشعر بها الضحايا وتصفها المرشدة السياحية للزوار.

وعند النزول على السلالم التي تؤدي إلى قبو نادي الضباط يشعر الزائر بالرهبة، وكان الضحايا يعذبون داخل حجيرات مغطاة جدرانها بالأخشاب، كما كانت هناك " دار حضانة " تستخدم كعنبر سري للولادة فقد وضعت 35 سيدة أطفالا داخل المدرسة ومن بينهن أليسيا ألفونسين أم خوان كاباندي وهو حاليا نائب برلماني عن " جبهة الفوز " البيروني ممثلا لبيونس أيرس، وقد انتزع شرطي كاباندي من بين ذراعي أمه عندما كان عمره أسبوعين فقط، ولم يستعيد كاباندي هويته إلا بعد أن بلغ من العمر 26 عاما.

وكان القبو أيضا مركزا لإنتاج مواد الدعاية المسموعة والمرئية للسلطات العسكرية حيث كان يوجد معمل لتحميض الأفلام ومطبعة، كما كان الحراس يجبرون المسجونين على إعداد جوازات سفر ووثائق هوية مزورة. كما كان يتم تنظيم رحلات الموت بالطائرات من هذا القبو كل أربعاء، ولتنفيذ الرحلة كان الحراس يحقنون السجناء بمادة مخدرة ويخرجونهم سيرا على الأقدام من باب جانبي إلى ساحة إنتظار السيارات حيث يضعونهم فوق سيارات شحن تنقلهم إلى مطار بيونس أيرس العسكري.

ويقول الباقون على قيد الحياة من الضحايا إنهم رأوا داخل القبو ضيق المساحة جثة الكاتب الصحفي رودلفو والش الذي قتلته بالرصاص قوة خاصة تابعة للمدرسة البحرية في 25 آذار/مارس 1977 في زاوية شارع بوسط العاصمة الأرجنتينية.
واليوم لا يبدو القبو أكثر من مساحة مستطيلة ذات حوائط تقشر طلاؤها بها نوافذ صغيرة عالية لا تسمح إلا بدخول قدر قليل من أشعة الشمس، ولكنها كانت مغطاة في ذلك الحين، ولا توجد أية علامات تشير إلى الألواح الخشبية بحجيرات التعذيب ومع ذلك يمكن رؤية بقعة سوداء كبيرة على السقف خلفها حريق نشب خلال محاولة فاشلة للهرب، وهي تذكر بأنه منذ أكثر من ثلاثين عاما مضت لم ينزل أحد إلى هذا القبو بمحض إرادته.

وفي طابق أعلى يقع عنبر نوم الضباط وبعد ذلك ببضع درجات تقع غرفة كان يتم احتجاز السجناء بداخلها وهم راقدون داخل ألواح خشبية منخفضة على شكل حرف تي باللغة الإنجليزية مع تسليط ضوء اصطناعي عليهم بشكل دائم، وكان يطلق على هذه الغرفة إسم " كابوتشا " أو القناع الملثم.
ولم يكن من المكن رؤية هؤلاء السجناء بالعين المجردة ولكن المرشدة السياحية توضح أنه توجد بالجدران كتابات دونت بأدوات حز صغيرة سجل بها بعض السجناء كلمات تدل على وجودهم، وتوجد مثلا أسماء وأرقام هواتف وصليب مدون عليه كلمة " إيمان " واستخدمت هذه الكلمات المحفورة كدليل في المحاكمات التي نصبت ضد ضباط الجيش المتهمين بارتكاب جرائم مرعبة.

ومنذ ثلاثة أعوام عثر العاملون في النصب التذكاري للمدرسة البحرية على إسم هوراسيو دومينجو ماجيو مكتوبا بقلم حبر جاف بجوار تاريخ مكتوب بالأرقام " 27/12/77 "، وكان ماجيو واحدا من مجموعة قليلة من السجناء الذين نجحوا في الهرب من المدرسة، غير أن قوة خاصة تابعة لمركز التعذيب بالمدرسة طاردته وأردته قتيلا، وأعاد الحراس جثته المشوهة إلى المركز وعرضوها أمام ضحايا الإختطاف الآخرين فيما أسموه " غنيمة حرب ".

وكتب أندريس كاستيللو أحد الضحايا القليلين الذين بقوا على قيد الحياة يقول : " إن أول إحساس شعر به في هذا المكان هو الرائحة الكريهة والأنين والصراخ من شدة الألم والصيحات المعبرة عن التعذيب الصادرة من ضحايا الإختطاف المحتجزين ".
وتوجد حجيرة أمام " كابوتشا " يطلق عليها إسم توجد " لا بيسيرا " أو" حوض السمك " حيث يتم إجبار المتعلمين بدرجة أفضل على تنفيذ أعمال ثقافية مثل ترجمة صحيفة " لوموند دبلوماتيك الفرنسية "، واستخدمت غرفة أخرى كمخزن للمتعلقات التي سرقت من الضحايا أثناء عمليات الاختطاف.

كما توجد مساحة أصغر أعلى بها خزان مياه، وتسمى هذه الغرفة " كابوشيتا " أو " اللثام الصغير " وهي سيئة التهوية وحارة للغاية وكانت تستخدم لتعريض الضحايا لظروف أكثر قسوة حيث ترتفع نسبة الرطوبة بالهواء ويصعب التنفس.

وخارج المبنى يسطع ضوء الشمس مرة أخرى كما يمكن للمرء أن يتنفس الهواء، وتقود عدة ممرات إلى ما أصبح اليوم المركز الثقافي في ذكرى هارولدو كونتي وهو كاتب وأستاذ جامعي أرجنتيني تعرض للاختطاف ومكاتب أخرى لحركة بلازا دي مايو للأمهات والجدات.

وهذه التسهيلات تستخدم لتنظيم مهرجانات للمسرح والسينما وإقامة معارض وتنظيم محاضرات يحضرها ضيوف من الكتاب مثل ريكاردو بيجليا ومارتن كوهان، كما تساعد على إيضاح لزوار المدرسة الفنية البحرية أن الحياة يمكن أن تولد من الموت مرة أخرى.

أستريد رايهن
الثلاثاء 13 مارس 2012