تم إيقاف أقسام اللغات الأجنبية مؤقتا على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

طبالون ومكيودون وحائرون

07/11/2025 - ياسين الحاج صالح

"المتلحف بالخارج... عريان"

07/11/2025 - مزوان قبلان

كيف ساعد الهجري و"قسد" سلطة الشرع؟

07/11/2025 - حسين عبد العزيز

” قسد “.. ومتلازمة انتهاء الصلاحيّة

07/11/2025 - رئيس تحرير صحيفة الرأي

مفتاح الشَّرع الذَّهبي

06/11/2025 - د. مهنا بلال الرشيد

هل يعرف السوريون بعضهم بعضا؟

29/10/2025 - فارس الذهبي

كلمة للفائزين بعضوية مجلس الشعب السوري

26/10/2025 - ياسر محمد القادري


سلطان عمان ليس ليبراليا والسلطنة تكتشف في عهده أن ضياع الهوية أخطر من التمرد الشيوعي




مسقط - عاصم الشيدي - في عام 1970 عندما تولى السلطان قابوس الحكم في سلطنة عمان خلفا لوالده، دعا جميع العمانيين المغتربين والمهاجرين للعودة والمشاركة في بناء الوطن، كان الجميع متشوقين للعودة إلى ذرى الوطن والانخراط في نسيج المجتمع الواحد الذي جاء نتيجة توحيد الداخل والساحل


الزي الوطني صار علامة من علامات الشخصية العمانية لدى كل الثقافات الأخرى
الزي الوطني صار علامة من علامات الشخصية العمانية لدى كل الثقافات الأخرى
إلا أن ذلك كشف بعد فترة بسيطة عن إشكالية لا تقل خطورة عن مشكلة إنهاء التمرد الشيوعي في الجنوب وهي مشكلة الهوية، والفجوة التي نتجت مع عودة أناس يحملون تيارات فكرية متباينة، مثل القوميين والاشتراكيين والليبراليين وغيرها من التوجهات الفكرية التي كانت تنتشر في الأقطار التي كان قد هاجر إليها العمانيون.

كما نشأت الفجوة نتيجة لاختلاف المستوى المدني بين السلطنة في سنواتها الأولى وبين تلك الأقطار. وكاد صراع خطير أن يعصف بتلك المرحلة ، لولا أن السلطان قابوس كان يحمل الحل منذ البدء، والذي تمثل في تكريس الهوية الثقافية لعمان وصهر المرجعيات الفكرية التي عاد بها الجميع من الخارج لخدمة الثقافة العمانية والخطو بالمجتمع نحو التقدم بخطوات ثابتة دون القفز الذي يكشف عن فجوات مدمرة بعد ذلك.

ورغم أن السلطان قابوس قد تعلم تعليما أوروبيا إلا أن ذلك لم يجعله ليبراليا بالمفهوم الذي يقصي أصالة القيم العربية الأصيلة فكان التوازن في هذا السياق شعار مهم تبنته جميع المراحل التي مر بها المجتمع العماني.

وإذا كان الباحث إريكسون يرى أن النقاش حول الهوية لا يمكن أن يفصل النمو الشخصي عن التغيرات والتحولات الاجتماعية فإن عُمان سارت وفق ذلك الخط بوضوح شديد ولم تناقش وضع الهوية بعيدا عن التطور الطبيعي للشخصية العمانية والتحولات الاجتماعية التي كانت تشهدها البلاد منذ عام 1970.

ويعرف العلماء الهوية بأنها التي تعبر عن القيم والأعراف والمعتقدات والتقاليد وكل تفاصيل الحياة مهما كانت دقيقة. تلك مجتمعة تشكل هوية أي أمة من الأمم. ولما كان الأمر كذلك كان لا بد من الحفاظ على الهوية العمانية بأصالتها المتوارثة إنما في سياق التقدم والتغير الاجتماعي والمعرفي والسياسي الذي خطط للمجتمع أن يمر به بدءا من عام 1970. لذلك كان العائدون للوطن من مجتمعات أخرى وثقافات مختلفة ربما يشكلون خطرا على تلك الثقافة وتلك القيم التي كانت القيادة العمانية تود تكريسها والدفاع عنها.

في تلك المرحلة المبكرة بدأت تظهر ثنائية الأصالة والمعاصرة، وساعد تمسك العماني بأصالته ورغبته في الذهاب نحو المعاصرة إلى تحويل العلاقة بين الثنائية إلى علاقة تشارك وليس صراع، فساهم الإرث الثقافي في تحديد متطلبات العصر، والدخول إلى عوالمه بثقة " وفق المقولة التي تقول من لا ماض له لا حاضر له" فكان معين الذهاب إلى الأمام دائما القيم المستمدة من الميراث المعرفي والعقلي الذي راكمته التجمعات البشرية في عُمان خلال مسيرتها الحياتية. لذلك المتأمل في المجتمع العماني لا يجد ضمن نسيجه تعددية ثقافية بعد أربعين سنة ، رغم وجود بعض الأعراق التي تناغمت في نسيج المجتمع ورغم ثقافة القبلية التي كانت سائدة في مرحلة من مراحل المجتمع، ورغم ما كانت تفعله التضاريس والجغرافيا من وجود ألاف اللهجات والمستويات المعرفية وبعض الفروق الجوهرية في العادات والتقاليد، الجميع يعيش الآن ثقافة واحدة، أصيلة ولها جذورها الغائرة في المجتمع المتخم بالقيم والعادات والتقاليد التي تنظم أدق التفاصيل لكنها قادرة على استيعاب كل المتغيرات، وكل الإصلاحات على مختلف المستويات، وقادر على استيعاب الآخر في اللحظة التي يود أن يتعايش فيها معه.

وليس ذلك من سبيل الشعارات البراقة لكنها حقيقة تثبتها الأحداث، فلم يسجل المجتمع في العصر الحديث أي صراعات قبلية أو طائفية مذهبية، بل حتى مواقف المجتمع اتجاه القضايا العربية والعالمية والتي عادة ما يعبر بها عن موقفه كانت متزنة، وعقلانية تعكس الهوية التي ينتمي لها المجتمع. ولم يكن الإصلاح السياسي الذي تبناه السلطان قابوس منذ أول يوم تقلد فيه الحكم يغفل أمر الهوية، والتي بدا أنها كانت ضمن أجندة برنامج الإصلاح السياسي.

لقد ساهمت الجهود التي أرستها عُمان لشعبها في الحفاظ على الهوية الثقافية للمجتمع العماني على قدرة المجتمع الصمود في وجه العولمة والمتغيرات التي جلبتها معها. لا أحد يقول أن المجتمع غير قابل للتفاعل مع غيره من المجتمعات ومن الثقافات، لذلك هو غير متأثر، بل إن المجتمع قابل لذلك ومقبل عليه، لكن قوة تمسكه بثقافته التي ترسخت وصارت سلوكا تجعل منه مؤثرا في الغالب لا متأثرا، فالعماني لا يعيش عقدة الماضي، فلديه ماض وتاريخ مشرف يفخر به، وهذا أمر ساهم في بناء شخصيته وفي موقفه مما يدور حوله. فلم يكن يوما يدور في أي فلك إلا فلكه ، ولم يكن طائرا يردد ما يسمعه من الآخر.

ليست الفنون التقليدية والغنائية في أي مجتمع من المجتمعات ترفا ثقافيا بقدر ما هي دليل أصالة، وتطور حضاري تراكم عبر الأجيال. وإذا كان علماء الاجتماع يقرن بقدرتهم على استقراء أي مجتمع من فنونه، فإن المجتمع العماني باختلاف تضاريسه الجغرافية استطاع أن ينتج تراثا فلكلوريا يشهد على ثراء ثقافي قل نظيره إلا مع المجتمعات التي لها حضور قوي في السياق الحضاري البشري.

وفي نفس السياق نستطيع أن نتلمس التمسك بتلك الهوية من خلال الزي الوطني الذي ما زال هو الزي الرسمي والشعبي وصارت علامة من علامات الشخصية العمانية لدى كل الثقافات الأخرى. فطغيان ثقافة اللباس المعولمة لم تجعل العماني يتخلى عن زيه الرسمي، ولم تنشأ فيما يبدو أي نظرة دونية بين العماني وبين لباسه التقليدي نتيجة انبهاره باللباس الغربي

عاصم الشيدي
الاربعاء 8 ديسمبر 2010