مهربون على الحدود المغربية الجزائرية
في الحدود الشرقية للمملكة، تجار مغاربة وجزائريون نسجوا علاقات خاصة في ما بينهم. اتفقوا على إبرام صفقات بعيدا عن أنظار الحكومة أو الأجهزة المختصة، والدخول في مشاريع تجارية تغدق عليهم الأموال، بدلا من الخوض في تفاصيل نزاع عقيم مرت عليه سنوات دون التوصل إلى حل يضمن حسن الجوار.
بمناسبة حلول فصل الصيف، تسجل يوميا حركة غير عادية في المنطقة الحدودية المغربية الجزائرية. مهربون ابتكروا الوسائل وتفننوا في إيجاد سبل تبادل مختلف أنواع السلع والمواد، سواء الاستهلاكية أو غيرها، دون إثارة انتباه الأجهزة الأمنية والعسكرية المكلفة بحراسة الحدود.
في كل يوم، تتدفق على الأسواق المغربية مختلف صنوف السلع والمواد. تمور، ودقيق القمح ومواد التنظيف وأجهزة كهربائية وغيرها تؤثث أسواق مدينة وجدة (القريبة من الجزائر ببضع كيلومترات فقط)، كما أن هذه السلع تسوق في المدن الصغيرة المحاذية لوجدة، عاصمة الشرق. الأثمنة التي تروج بها المواد الجزائرية تبقى تنافسية وتفضيلية، مقارنة مع أسعار السلع المصنعة محليا أو وطنيا. ويسجل إقبال كبير للمغاربة على استهلاك المواد القادمة من الجزائر، فالمغاربة ألفوا التبضع بالسلع الآتية من الجارة الجزائر، بل إن هناك من لا يستهلك إلا هذه المواد دون غيرها.
لقد أضحى السوق المحلي بوجدة سوقا للمواد الجزائرية بامتياز، ما أدى إلى تسجيل ارتباك كبير بسبب التجارة السوداء التي فرضت نفسها وأصبحت واقعا مفروضا رغم الاختلاف السياسي والتعثر في التوصل إلى حل سياسي أو دبلوماسي من شأنه وضع نهاية لهذه الأزمة الثنائية بين البلدين الجارين.
قبل عام 1994، تنفس سكان المنطقة الشرقية للمملكة الصعداء عندما تقرر رسميا إعادة فتح الحدود البرية بعد أن عاد الدفء إلى العلاقات الدبلوماسية بين البلدين الجارين، غير أن هذه الفرحة لم تدم طويلا، وعاد الجميع إلى "العمل السري" وإلى العلاقات التجارية التي تتم في الخفاء بعيدا عن مراقبة الأجهزة الحكومية المتخصصة في ذلك. في تلك الفترة، عادت الزيارات بين العائلات المغربية والجزائرية، وبدأ الرواج التجاري بين البلدين بعيدا عن الارتماء بين أحضان الممارسات السرية. أكوام من الخضر والفواكه كانت تجد طريقها نحو الجزائر، أما الملابس الجاهزة، فحدث ولا حرج، وفي المقابل، لم يتوان الباعة الجزائريون من إغراق السوق المغربي بالسلع التي يكثر عليها الطلب. وضع سرعان ما تغير بتغير مواقف سياسية بين البلدين، وعادت التجارة السرية لتنتعش لكن لتأخذ أبعادا أخطر مما كان من قبل.
مخدرات وأسلحة ومحظورات
في أسواق مدينة وجدة، لم يعد غريبا أن تجد دكاكين مملوءة عن آخرها بسلع قادمة من الجزائر. كل شيء يباع بطريقة علنية وبدون أي خوف من آلة المراقبة. إنه أمر تعتبره السلطات المغربية واقعا لا مفر منه، بحيث لا يمكن التدخل لوقف نزيف السلع التي تصل بدون مراقبة الجمارك. وسكان المنطقة الشرقية لا يترددون في التبضع بالسلع الجزائرية التي ألفوا استهلاكها من مثل القمح والتمر والجبن وحتى المشروبات الغازية. كما يقبل المواطنون المغاربة على اقتناء مختلف الأواني ...والمواد المصنعة من القطن وحتى العجلات المطاطية وقطع الغيار وغيرها من السلع تجد طريقها بسهولة إلى أسواق العاصمة الشرقية والمدن المجاورة لها.
بل إنه في السنوات الأخيرة، لم يعد الأمر يقتصر عند هذا الحد بل شمل "الاتجار في المحظورات من خلال إدخال أقراص الهلوسة بمختلف أصنافها وترويجها بين الشباب" حسبما ذكر الحسين، ابن مدينة وجدة في عقده الرابع. وأضاف الحسين، الذي قضى سنوات في الجزائر حيث أفراد من عائلته، أن المسؤولين في المنطقة لا يستطيعون وقف نزيف دخول المحظورات عبر الحدود البرية، من مخدرات وأسلحة وأقراص الهلوسة وغيرها، حتى البنزين الجزائري يسوق محليا، وهناك مناطق شرقية معروفة تزود الزبائن ببنزين قادم من محطات وقود جزائرية ليباع إلى مغاربة.
وفي هذا الصدد، لا يخفي الحاج أحمد إقدامه على اقتناء بنزين الجزائر "إن ثمنه أقل بكثير من الثمن المعمول به في المغرب، ولقد ألفت ملء خزان سيارتي كلما حللت بالمنطقة الشرقية، إنه أمر غير مكلف كما أنني لاحظت أن جودة البنزين القادم من الجزائر تبقى عالية". الحاج أحمد واحد من آلاف زبائن الدكاكين التي تبيع البنزين القادم من الجارة الجزائر. بل إنه على طول الطريق الموصلة إلى عاصمة الشرق وفي المناطق المجاورة لها، ليس غريبا أن ترى علامات تفيد أن بنزين الجزائر يباع هناك. تجار يضعون على جنبات الطريق قارورات من الحجم الكبير ويضعون فوقها ما يرمز للبنزين أو الغازوال.
لكن الطريق الذي يقطعه البنزين الجزائري ليصل إلى شرق المملكة مليئة بالمصاعب. تجار سريون يركبون سفينة المغامرة، ويستعملون سيارات متهالكة لنقل البنزين وتوزيعه على محلات سرية خاصة وعلى نقاط بيع معروفة. إنها السيارات "المقاتلات" كما يصفها أصحاب الشرق أولا لوضعيتها الميكانيكية المتهالكة، ثم للسرعة المفرطة التي تسير بها هذه "السيارات المقاتلات" وتقطع بها مختلف الطرقات للوصول إلى الهدف. والغريب في الأمر أن هذه السيارات لا تتحرك إلا ليلا حتى لا يقع ضبطها من قبل مختلف أجهزة المراقبة، إنها تتحرك وفق نظام خاص لا يفك ألغازه إلا المهربون الذين يغامرون بحياتهم من أجل لقمة عيش تعذر الوصول إليها بطرق شرعية وقانونية.
مصير الإفلاس يهدد
التجار المغاربة الذين يعتمدون على تسويق المواد المحلية يواجهون حالة الإفلاس بسبب المنافسة غير الشريفة التي يفرضها واقع التهريب بين المغرب والجزائر "كيف لنا أن نؤدي الواجبات من ضرائب وغيرها في حين أن آخرين يستغلون الظلام ويروجون سلعتهم دون أن يؤدون الواجبات التي تفرضها الدولة، إننا أمام عدم تكافؤ الفرص" هذا ما يقوله مستنكرا عبد الحميد، بائع يسوق الملابس الجاهزة التي يجلبها من العاصمة الاقتصادية الدار البيضاء إلى عاصمة الشرق وجدة. ويصب هذا التاجر جم غضبه على الجهات المسؤولة التي لا تتعامل في نظره بحزم مع واقع التهريب وتترك المافيات تتلاعب بمصير آلاف العائلات التي تقتات من التجارة.
محمد الخليدي، برلماني سابق عن المنطقة الشرقية ورئيس حالي لحزب النهضة والفضيلة، يلقي باللوم على الأجهزة المختصة التي تساهلت مع المهربين لسنوات طويلة، دون أن تكلف نفسها عناء إيجاد حلول ناجعة لهذه الظاهرة. إن الخلاف السياسي، في تقدير الخليدي، ألقى بظلاله ليس فقط على العلاقات الدبلوماسية فقط، بل أيضا أثر سلبا على التجارة المنظمة والمهيكلة، كما كشف الخليدي أن الحدود البرية الموصدة منذ فترة طويلة، أدت إلى بروز مشاكل عائلية بفعل تواجد عدد من المغاربة الذين يتعذر عليهم زيارة أقاربهم في الجزائر والعكس صحيح.
ومع ذلك، فإن الزيارات العائلية بدورها تتم في "الخفاء". وبمناسبة حلول فصل الصيف، تنظم يوميا رحلات سرية لعائلات تتبادل في ما بينها الزيارات بعد امتطاء حافلات تقطع الحدود بشكل دوري قبل مطلع الفجر وبأثمنة مناسبة. إذ بدلا من أن يختار المغاربة أو الجزائريون السفر عبر الجو، فإن خيار البر يكون الأنسب بسبب الثمن الذي لا يتجوز مئات من الدراهم، في حين أن تذكرة الطائرة عبر الخطوط الملكية تتجاوز الآلاف من الدراهم، وتلزم المسافرين التوجه إلى المطار الدولي بالدار البيضاء لاستقلال الطائرة. سكان مدينة وجدة والمناطق المجاورة لها يفضلون السفر برا لقرب المسافة التي تربطهم بالتراب الجزائري (عشرات الكيلومترات فقط) وأيضا لقلة التكلفة المالية.
الدبلوماسية الموازية
من جهته، اعتبر عبد الفتاح بلعمشي، رئيس المركز المغربي للدبلوماسية الموازية وحوار الحضارات، أن الواقع الذي تعيشه الحدود المغربية الجزائرية يحتاج إلى إرادة دبلوماسية حقيقية. فاستمرار إغلاق الحدود في نظر بلعمشي يأخذ عدة قراءات منها مشكل الصحراء، وبروز هواجس أمنية واستحضار الاعتداء الذي وقع في إحدى فنادق مراكش السياحية من قبل أشخاص من بينهم جزائري، وغيرها من العوامل التي تؤجل سياسيا موضوع إعادة فتح الحدود. كما أوضح بلعمشي أن المغرب رغم خطابه الداعي إلى فتح الحدود مع الجارة الجزائر، إلا أن رغبته ليست أكيدة بسبب الأخطار القادمة من هذا البلد، وهذا ما يتضح جليا من خلال المبادرة بإعلان مجموعة من المبادرات في المنطقة الشرقية لتجاوز فوائد إعادة فتح الحدود.
كما يرى بلعمشي، أحد الدعاة إلى فتح الحدود، أنه من الطبيعي اقتصاديا أن سكان المنطقتين لم يبقوا مكتوفي الأيدي أمام الجمود في المواقف السياسية، بل إنهم انخرطوا في التهريب الذي يتم بتواطؤ مع الأجهزة الأمنية. فالتهريب، يقول بلعمشي، يدر الأموال ويشجع جيوب الفساد على قضاء المصالح وحتى لو فتحت الحدود، فإنه "عمليا لن تكون التبادلات التجارية أقل مما هي عليه الآن رغم أن الحدود مغلقة".
إن استمرار إغلاق الحدود المغربية الجزائرية يفوت على الدولتين مبالغ الجبايات والضرائب التي تفرض عندما تتم التجارة في أجواء شفافة، ثم إن قطاعات مثل السياحة والنقل والفلاحة تعد الأكثر تضررا من آفة التهريب.
وإذا كان بلعمشي يعتبر أنه أخلاقيا وإنسانيا لا يمكن منع التهريب، فإنه في المقابل، يعتبر أن الموضوع يحتاج إلى معالجة واقعية بعيدا عن التنظير على مستوى العاصمتين الرباط والجزائر.
ثم إنه اجتماعيا، نجد أن عددا من العائلات والقبائل بأكملها تبقى منشطرة بين غرب الجزائر وشرق المغرب، ومن العيب أن يستمر الوضع على هذا المنوال.
وفي نظر بلعمشي فإن الحل بين أيدي الفاعل المدني الذي عليه أن يتحرك ليضغط من الجانبين حتى تفتح الحدود، فالبعد الاستراتيجي في المنطقة لا بد من استحضاره، خصوصا فيما يتعلق بتعزيز التعاون الأمني ومحاربة كل أشكال الإرهاب والهجرة السرية والخطر الذي تفرضه عناصر تابعة لتنظيم القاعدة في بلدان المغرب الإسلامي. كما أن إعادة فتح الحدود سيؤدي حسب بلعمشي إلى تهيئة الظروف للاستثمارات الأجنبية وتعزيز الموقع التفاوضي مع دول الاتحاد الأوربي. إن الفاعلين الدبلوماسيين لديهم دور كبير عليهم أن يضطلعوا به وأن يضغطوا من أجل أن يبتعد الحكام عن الملفات العاطفية لتحقيق مصالح الشعبين الجارين اللذين يتمتعان بقواسم مشتركة عديدة
بمناسبة حلول فصل الصيف، تسجل يوميا حركة غير عادية في المنطقة الحدودية المغربية الجزائرية. مهربون ابتكروا الوسائل وتفننوا في إيجاد سبل تبادل مختلف أنواع السلع والمواد، سواء الاستهلاكية أو غيرها، دون إثارة انتباه الأجهزة الأمنية والعسكرية المكلفة بحراسة الحدود.
في كل يوم، تتدفق على الأسواق المغربية مختلف صنوف السلع والمواد. تمور، ودقيق القمح ومواد التنظيف وأجهزة كهربائية وغيرها تؤثث أسواق مدينة وجدة (القريبة من الجزائر ببضع كيلومترات فقط)، كما أن هذه السلع تسوق في المدن الصغيرة المحاذية لوجدة، عاصمة الشرق. الأثمنة التي تروج بها المواد الجزائرية تبقى تنافسية وتفضيلية، مقارنة مع أسعار السلع المصنعة محليا أو وطنيا. ويسجل إقبال كبير للمغاربة على استهلاك المواد القادمة من الجزائر، فالمغاربة ألفوا التبضع بالسلع الآتية من الجارة الجزائر، بل إن هناك من لا يستهلك إلا هذه المواد دون غيرها.
لقد أضحى السوق المحلي بوجدة سوقا للمواد الجزائرية بامتياز، ما أدى إلى تسجيل ارتباك كبير بسبب التجارة السوداء التي فرضت نفسها وأصبحت واقعا مفروضا رغم الاختلاف السياسي والتعثر في التوصل إلى حل سياسي أو دبلوماسي من شأنه وضع نهاية لهذه الأزمة الثنائية بين البلدين الجارين.
قبل عام 1994، تنفس سكان المنطقة الشرقية للمملكة الصعداء عندما تقرر رسميا إعادة فتح الحدود البرية بعد أن عاد الدفء إلى العلاقات الدبلوماسية بين البلدين الجارين، غير أن هذه الفرحة لم تدم طويلا، وعاد الجميع إلى "العمل السري" وإلى العلاقات التجارية التي تتم في الخفاء بعيدا عن مراقبة الأجهزة الحكومية المتخصصة في ذلك. في تلك الفترة، عادت الزيارات بين العائلات المغربية والجزائرية، وبدأ الرواج التجاري بين البلدين بعيدا عن الارتماء بين أحضان الممارسات السرية. أكوام من الخضر والفواكه كانت تجد طريقها نحو الجزائر، أما الملابس الجاهزة، فحدث ولا حرج، وفي المقابل، لم يتوان الباعة الجزائريون من إغراق السوق المغربي بالسلع التي يكثر عليها الطلب. وضع سرعان ما تغير بتغير مواقف سياسية بين البلدين، وعادت التجارة السرية لتنتعش لكن لتأخذ أبعادا أخطر مما كان من قبل.
مخدرات وأسلحة ومحظورات
في أسواق مدينة وجدة، لم يعد غريبا أن تجد دكاكين مملوءة عن آخرها بسلع قادمة من الجزائر. كل شيء يباع بطريقة علنية وبدون أي خوف من آلة المراقبة. إنه أمر تعتبره السلطات المغربية واقعا لا مفر منه، بحيث لا يمكن التدخل لوقف نزيف السلع التي تصل بدون مراقبة الجمارك. وسكان المنطقة الشرقية لا يترددون في التبضع بالسلع الجزائرية التي ألفوا استهلاكها من مثل القمح والتمر والجبن وحتى المشروبات الغازية. كما يقبل المواطنون المغاربة على اقتناء مختلف الأواني ...والمواد المصنعة من القطن وحتى العجلات المطاطية وقطع الغيار وغيرها من السلع تجد طريقها بسهولة إلى أسواق العاصمة الشرقية والمدن المجاورة لها.
بل إنه في السنوات الأخيرة، لم يعد الأمر يقتصر عند هذا الحد بل شمل "الاتجار في المحظورات من خلال إدخال أقراص الهلوسة بمختلف أصنافها وترويجها بين الشباب" حسبما ذكر الحسين، ابن مدينة وجدة في عقده الرابع. وأضاف الحسين، الذي قضى سنوات في الجزائر حيث أفراد من عائلته، أن المسؤولين في المنطقة لا يستطيعون وقف نزيف دخول المحظورات عبر الحدود البرية، من مخدرات وأسلحة وأقراص الهلوسة وغيرها، حتى البنزين الجزائري يسوق محليا، وهناك مناطق شرقية معروفة تزود الزبائن ببنزين قادم من محطات وقود جزائرية ليباع إلى مغاربة.
وفي هذا الصدد، لا يخفي الحاج أحمد إقدامه على اقتناء بنزين الجزائر "إن ثمنه أقل بكثير من الثمن المعمول به في المغرب، ولقد ألفت ملء خزان سيارتي كلما حللت بالمنطقة الشرقية، إنه أمر غير مكلف كما أنني لاحظت أن جودة البنزين القادم من الجزائر تبقى عالية". الحاج أحمد واحد من آلاف زبائن الدكاكين التي تبيع البنزين القادم من الجارة الجزائر. بل إنه على طول الطريق الموصلة إلى عاصمة الشرق وفي المناطق المجاورة لها، ليس غريبا أن ترى علامات تفيد أن بنزين الجزائر يباع هناك. تجار يضعون على جنبات الطريق قارورات من الحجم الكبير ويضعون فوقها ما يرمز للبنزين أو الغازوال.
لكن الطريق الذي يقطعه البنزين الجزائري ليصل إلى شرق المملكة مليئة بالمصاعب. تجار سريون يركبون سفينة المغامرة، ويستعملون سيارات متهالكة لنقل البنزين وتوزيعه على محلات سرية خاصة وعلى نقاط بيع معروفة. إنها السيارات "المقاتلات" كما يصفها أصحاب الشرق أولا لوضعيتها الميكانيكية المتهالكة، ثم للسرعة المفرطة التي تسير بها هذه "السيارات المقاتلات" وتقطع بها مختلف الطرقات للوصول إلى الهدف. والغريب في الأمر أن هذه السيارات لا تتحرك إلا ليلا حتى لا يقع ضبطها من قبل مختلف أجهزة المراقبة، إنها تتحرك وفق نظام خاص لا يفك ألغازه إلا المهربون الذين يغامرون بحياتهم من أجل لقمة عيش تعذر الوصول إليها بطرق شرعية وقانونية.
مصير الإفلاس يهدد
التجار المغاربة الذين يعتمدون على تسويق المواد المحلية يواجهون حالة الإفلاس بسبب المنافسة غير الشريفة التي يفرضها واقع التهريب بين المغرب والجزائر "كيف لنا أن نؤدي الواجبات من ضرائب وغيرها في حين أن آخرين يستغلون الظلام ويروجون سلعتهم دون أن يؤدون الواجبات التي تفرضها الدولة، إننا أمام عدم تكافؤ الفرص" هذا ما يقوله مستنكرا عبد الحميد، بائع يسوق الملابس الجاهزة التي يجلبها من العاصمة الاقتصادية الدار البيضاء إلى عاصمة الشرق وجدة. ويصب هذا التاجر جم غضبه على الجهات المسؤولة التي لا تتعامل في نظره بحزم مع واقع التهريب وتترك المافيات تتلاعب بمصير آلاف العائلات التي تقتات من التجارة.
محمد الخليدي، برلماني سابق عن المنطقة الشرقية ورئيس حالي لحزب النهضة والفضيلة، يلقي باللوم على الأجهزة المختصة التي تساهلت مع المهربين لسنوات طويلة، دون أن تكلف نفسها عناء إيجاد حلول ناجعة لهذه الظاهرة. إن الخلاف السياسي، في تقدير الخليدي، ألقى بظلاله ليس فقط على العلاقات الدبلوماسية فقط، بل أيضا أثر سلبا على التجارة المنظمة والمهيكلة، كما كشف الخليدي أن الحدود البرية الموصدة منذ فترة طويلة، أدت إلى بروز مشاكل عائلية بفعل تواجد عدد من المغاربة الذين يتعذر عليهم زيارة أقاربهم في الجزائر والعكس صحيح.
ومع ذلك، فإن الزيارات العائلية بدورها تتم في "الخفاء". وبمناسبة حلول فصل الصيف، تنظم يوميا رحلات سرية لعائلات تتبادل في ما بينها الزيارات بعد امتطاء حافلات تقطع الحدود بشكل دوري قبل مطلع الفجر وبأثمنة مناسبة. إذ بدلا من أن يختار المغاربة أو الجزائريون السفر عبر الجو، فإن خيار البر يكون الأنسب بسبب الثمن الذي لا يتجوز مئات من الدراهم، في حين أن تذكرة الطائرة عبر الخطوط الملكية تتجاوز الآلاف من الدراهم، وتلزم المسافرين التوجه إلى المطار الدولي بالدار البيضاء لاستقلال الطائرة. سكان مدينة وجدة والمناطق المجاورة لها يفضلون السفر برا لقرب المسافة التي تربطهم بالتراب الجزائري (عشرات الكيلومترات فقط) وأيضا لقلة التكلفة المالية.
الدبلوماسية الموازية
من جهته، اعتبر عبد الفتاح بلعمشي، رئيس المركز المغربي للدبلوماسية الموازية وحوار الحضارات، أن الواقع الذي تعيشه الحدود المغربية الجزائرية يحتاج إلى إرادة دبلوماسية حقيقية. فاستمرار إغلاق الحدود في نظر بلعمشي يأخذ عدة قراءات منها مشكل الصحراء، وبروز هواجس أمنية واستحضار الاعتداء الذي وقع في إحدى فنادق مراكش السياحية من قبل أشخاص من بينهم جزائري، وغيرها من العوامل التي تؤجل سياسيا موضوع إعادة فتح الحدود. كما أوضح بلعمشي أن المغرب رغم خطابه الداعي إلى فتح الحدود مع الجارة الجزائر، إلا أن رغبته ليست أكيدة بسبب الأخطار القادمة من هذا البلد، وهذا ما يتضح جليا من خلال المبادرة بإعلان مجموعة من المبادرات في المنطقة الشرقية لتجاوز فوائد إعادة فتح الحدود.
كما يرى بلعمشي، أحد الدعاة إلى فتح الحدود، أنه من الطبيعي اقتصاديا أن سكان المنطقتين لم يبقوا مكتوفي الأيدي أمام الجمود في المواقف السياسية، بل إنهم انخرطوا في التهريب الذي يتم بتواطؤ مع الأجهزة الأمنية. فالتهريب، يقول بلعمشي، يدر الأموال ويشجع جيوب الفساد على قضاء المصالح وحتى لو فتحت الحدود، فإنه "عمليا لن تكون التبادلات التجارية أقل مما هي عليه الآن رغم أن الحدود مغلقة".
إن استمرار إغلاق الحدود المغربية الجزائرية يفوت على الدولتين مبالغ الجبايات والضرائب التي تفرض عندما تتم التجارة في أجواء شفافة، ثم إن قطاعات مثل السياحة والنقل والفلاحة تعد الأكثر تضررا من آفة التهريب.
وإذا كان بلعمشي يعتبر أنه أخلاقيا وإنسانيا لا يمكن منع التهريب، فإنه في المقابل، يعتبر أن الموضوع يحتاج إلى معالجة واقعية بعيدا عن التنظير على مستوى العاصمتين الرباط والجزائر.
ثم إنه اجتماعيا، نجد أن عددا من العائلات والقبائل بأكملها تبقى منشطرة بين غرب الجزائر وشرق المغرب، ومن العيب أن يستمر الوضع على هذا المنوال.
وفي نظر بلعمشي فإن الحل بين أيدي الفاعل المدني الذي عليه أن يتحرك ليضغط من الجانبين حتى تفتح الحدود، فالبعد الاستراتيجي في المنطقة لا بد من استحضاره، خصوصا فيما يتعلق بتعزيز التعاون الأمني ومحاربة كل أشكال الإرهاب والهجرة السرية والخطر الذي تفرضه عناصر تابعة لتنظيم القاعدة في بلدان المغرب الإسلامي. كما أن إعادة فتح الحدود سيؤدي حسب بلعمشي إلى تهيئة الظروف للاستثمارات الأجنبية وتعزيز الموقع التفاوضي مع دول الاتحاد الأوربي. إن الفاعلين الدبلوماسيين لديهم دور كبير عليهم أن يضطلعوا به وأن يضغطوا من أجل أن يبتعد الحكام عن الملفات العاطفية لتحقيق مصالح الشعبين الجارين اللذين يتمتعان بقواسم مشتركة عديدة


الصفحات
سياسة








