تم إيقاف أقسام اللغات الأجنبية مؤقتا على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

المسار التفاوضي بين الحكومة السورية وقسد.. إلى أين؟

01/10/2025 - العقيد عبدالجبار العكيدي

أعيدوا لنا العلم

18/09/2025 - أحمد أبازيد

عودة روسية قوية إلى سوريا

17/09/2025 - بكر صدقي

لعبة إسرائيل في سوريا

10/09/2025 - غازي العريضي

من التهميش إلى الفاشية

10/09/2025 - انس حمدون

الوطنية السورية وبدائلها

04/09/2025 - ياسين الحاج صالح


طائفية رياضية ..... تونس ربّت فطابيل بدون عقول فقطفت عنفاً كروياً ومظاهر فوضى وشغب




تونس - منير السويسي - أصبح التصدي لظاهرة العنف في الفضاءات الرياضية التونسية وبخاصة في ملاعب كرة القدم من المشاغل الجديدة للحكومة التونسية التي بعثت نهاية العام الجاري (2010) بإشارات قوية على نيتها "فرض الانضباط والتصدي بحزم لمختلف مظاهر الفوضى والشغب" في هذه الفضاءات


أصبح التصدي لظاهرة العنف وأعمال الشغب في ملاعب كرة القدم من المشاغل الأساسية للحكومة التونسية
أصبح التصدي لظاهرة العنف وأعمال الشغب في ملاعب كرة القدم من المشاغل الأساسية للحكومة التونسية
ودعت وسائل الإعلام التونسية بعد أعمال شغب وعنف وقعت من جديد في 13 تشرين ثان/نوفمبر 2010 في نهائي دوري أبطال إفريقيا بين الترجي التونسي ومازمبي الكونغولي إلى إيجاد "حل جذري" لهذه الظاهرة التي تعرف استفحالا من موسم رياضي لآخر حتى أنها تحولت إلى أشبه بطقوس يواظب عليها "مجانين" الكرة خاصة خلال المباريات المهمّة لأنديتهم.

الرئيس التونسي زين العابدين بن علي اجتمع يوم 25 تشرين ثان/نوفمبر 2010 مع وزير الرياضة سمير العبيدي وأمر "مختلف الأطراف المعنيّة إلى التحلّي بمزيد اليقظة والحزم في التعامل مع هذه المظاهر المشينة" (العنف والشغب).

وقالت وسائل إعلام رسمية إن العبيدي قدم للرئيس بن علي تقريرا أصدره "فريق العمل المكلف بإعداد مشاريع أحكام (قانونية) جديدة في مجال مكافحة العنف داخل الفضاءات الرياضية" دون أن تدلي بأي تفاصيل حول فحواه.

وكانت وزارة الرياضة شكّلت عام 2009 فريق العمل المذكور وكلفته بـ"دراسة هذا الموضوع(العنف في الفضاءات الرياضة) وإيجاد جملة من الصيغ والقرارات الجديدة للحدّ من هذه الظاهرة".

دراسة: العنف ظاهرة تستفحل من موسم لآخر
حذر المرصد الوطني للشباب(هيئة حكومية) في دراسة اجتماعية بعنوان "الظواهر السلوكية الجديدة لدى الشباب التونسي" نشرها عام 2006 من "النموّ المطّرد" لظاهرة العنف داخل الفضاءات الرياضية في تونس ودعا الحكومة إلى وضع "خطة وطنية واضحة المعالم تنجز طبق رزنامة معقلنة وتحت إشراف هيكل مكلّف بالمتابعة" من أجل القضاء على هذه الظاهرة.

ونبهت الدّراسة إلى أن السلوكيات المنافية للروح الرياضية داخل هذه الفضاءات، أصبحت "تصدر عن جميع الأطراف المساهمة في الحدث الرياضي" من مشجعّين ولاعبين ومدربين ورؤساء أندية "بعد أن كان ظاهرة محصورة في الجمهور" مشيرة إلى ما يرافقها من "إخلال بالأمن العام".

عنف لفظي ومادي وافتراضي
ويتراوح عنف الجماهير بين العنف اللفظي (ترديد أناشيد وأغاني السباب والشتائم والبذاءة ضدّ الفريق المنافس وجمهوره ورموزه) وتخريب تجهيزات الملعب والاعتداء على رجال الأمن وأحيانا على الصحافيين واقتحام ميدان اللعب وقذف الميدان بالقوارير والحجارة والألعاب الناريّة.

وتعرّضت حنان قيراط الصحافية الشابة بجريدة "الصباح" التونسية لثلاثة كسور مزدوجة في الفك استوجبت إجراء عملية جراحية عاجلة إثر تعرضها لإصابة بليغة عندما هاجم أحد متعصبي الترجي بالحجارة حافلة النقل العمومي التي كانت تستقلّها بعد خسارة فريقه كأس دوري أبطال إفريقيا أمام مازمبي يوم 13 تشرين ثان/نوفمبر 2010.

أما العنف الصادر عن اللاعبين ومدرّبي أو مسيّري الأندية فيتراوح بين الاعتداء بالعنف الجسدي أو اللّفظي أو بكليهما معا على حكام المباريات أو لاعبي الفريق المنافس، واقتحام ميدان اللعب، وتحريض المسيّرين للاعبين على المغادرة الجماعية للميدان وعدم إكمال المباريات.

عنف الجمهور يتجاوز في كثير من الأحيان حدود الملاعب ليخرج إلى الشوارع والطرقات. وقد طالت أعمال التخريب(التكسير والحرق وأحيانا النهب) التي تورطت فيها الجماهير المتعصبة، وسائل النقل العامة والخاصة ومقرات الفرق الرياضية والمحلات التجارية والمنازل.

واللافت أن عدوى العنف وصلت إلى دوري كرة القدم النسائية ودوري كرة اليد ثم إلى الفضاء الافتراضي حيث أسس عشرات الآلاف من المتعصبين لأندية كبيرة مثل الترجي والإفريقي منابر على شبكة الانترنت أغرقوها بشعارات وخطابات الكراهية والعدوانية والتشفّي والإلغاء ضد الأندية الغريمة وجماهيرها ورموزها.

ويعتبر مهتمون بالشأن الرياضي في تونس أن الشرارة الأولى لهذه الظاهرة انطلقت عام 1999 عندما لقي نحو 10 أشخاص مصرعهم في مباراة جمعت بين الترجي والأولمبي الباجي بملعب باجة (شمال غرب العاصمة تونس) واندلعت خلالها مواجهات دامية بين مشجعي الفريقين.

"طائفيّة" رياضية
أرجعت دراسة المرصد الوطني للشباب أسباب العنف داخل الفضاءات الرياضية في تونس إلى ''النزعة الجهويّة لدى الجمهور'' و"عدم اعتبار بعض الأطراف لمفهوم الرياضة كمنافسة نزيهة تخضع إلى قوانين يتعين على الجميع احترامها" و"الجري وراء الانتصارات والألقاب والنتائج الفورية" و"النجومية وحب الكسب المادي لدى اللاعبين" و"ضعف مستوى بعض الحكام وتكرر هفواتهم وعدم توخي (اتحاد كرة القدم) الصرامة في ردعهم" و"تأثير بعض الصحافيين والمراسلين والمتعاونين الرياضيين بسبب تعاليقهم الاستفزازية وانحيازهم" و"فتور مشاركة الأسرة والمدرسة والنسيج الجمعياتي ووسائل الإعلام في بلورة مفهوم الروح الرياضية".

وقال الباحث الاجتماعي طارق بن الحاج في مقابلة مع وكالة الأنباء الألمانية(د.ب.أ) إن استفحال ظاهرة العنف في الفضاءات الرياضية ناجم عن "الطائفية الرياضية" التي قال إنها "عوّضت وقوّضت انتماءات الفرد الأولية إلى العائلة والقبيلة والجهة وحتى انتماءاته الوطنية".

وتعتبر أحزاب معارضة راديكالية أن العنف داخل الملاعب شكل من أشكال "الاحتجاج" على ما يعانيه المجتمع من "كبت سياسي" و"تضييق على الحريات" ومشاكل اجتماعية واقتصادية. وتزعم هذه الأحزاب أن الملاعب تحولت إلى فضاءات لتفريغ ما تعانيه الجماهير من شحنات الغضب والإحباط والقلق واليأس من الحاضر والمستقبل.

الدكتور محمد نجيب بوطالب أستاذ علم الاجتماع بالجامعة التونسية قلّل من وجاهة هذا الطرح وقال إن "روح المنافسة والمراهنة" الرياضيّة "تحرّك نوازع العنف الكامنة في الإنسان مهما كان انتماؤه الاجتماعي". وأضاف أن الفرد يتحول في ملعب كرة القدم إلى "نكرة" وسط آلاف المشجعين ما يسمح له "بالانفلات من دائرة الضبط الاجتماعي" ملاحظا أن "هذا الانفلات قد يصل إلى العنف والتخريب".

عدم جدوى وسائل العلاجالمعتمدة
لاحظ مراقبون قصور الوسائل التي اعتمدتها الحكومة لتحجيم ظاهرة العنف في الفضاءات الرياضية. وتراوحت هذه الوسائل بين تشديد الإجراءات الأمنية داخل الملاعب وخارجها (وبشكل خاص خلال مباريات الفرق الكبيرة) وفرض غرامات مالية على الأندية التي تتورط جماهيرها أو لاعبوها في أعمال شغب، وتنظيم مباريات دون حضور جمهور، واعتقال مشاغبين لفترات قصيرة ثم إطلاق سراحهم وتنظيم "جمعيات صيانة الروح الرياضية" حملات محتشمة ضد العنف.

وقالت أسمهان العبيدي الصحافية الرياضية بجريدة الصباح (اليومية التونسية) لوكالة الأنباء الألمانية إن تحجيم هذه الظاهرة يستدعي تغلّظ العقوبات القانونية الردعية ضد كل من يقود أعمال العنف أو يحرض عليها سواء داخل الفضاءات الرياضية أو خارجها.

إجراءات رئاسية للقضاء على العنف الرياضي
كشف وزير الرياضة التونسي سمير العبيدي خلال مؤتمر صحفي عقده في 10 كانون أول /ديسمبر الجاري أن الرئيس التونسي زين العابدين بن علي أمر بـ"فرض الانضباط والتصدي بحزم لمختلف مظاهر الفوضى والشغب" داخل الفضاءات الرياضية وبتكوين ''لجنة مشتركة" تضم ممثلين عن وزارات الداخلية والعدل والرياضة "لتقديم مشاريع قوانين في مقاومة العنف".

وأفاد أن بن علي كلّف وزير الاتصال(أسامة الرمضاني) بالتعاون مع المؤسسات الإعلامية المكتوبة والمسموعة والمرئية "من أجل أن تسهم إسهاما جديا وهادفا في القضاء على العنف والامتناع عن الإثارة والتحريض والاستفزاز والسعي إلى تقديم المعلومة الصحيحة وتوخى الاعتدال والحياد والنزاهة في نقل الأخبار".

وأضاف في هذا السياق:"تمت دعوة الاتحادات والنوادي إلى بذل أقصى جهودها من اجل الحد أكثر ما يمكن من أسباب التوتر داخل الملاعب والقاعات ومنع التصريحات (الصحفية)الفورية" إثر المباريات.

وأوضح أن السلطات طلبت من النوادي الرياضية "ممارسة سلطاتها على منظوريها (من لاعبين ومسيرين وجمهور) بفرض الانضباط والتصدي بالحزم المطلوب لمختلف مظاهر الفوضى والشغب التي تندلع في الفضاءات الرياضية وبوضع أعضاء الهيئات المديرة للنوادي الرياضية أمام مسؤولياتهم"

وطالب الوزير(بناء على تعليمات من الرئيس)بـ"تفعيل دور لجان أحباء النوادي ومنع إدخال اللافتات التي تسيء إلى الأخلاق العامة والمقذوفات والتحجير على الأشخاص غير المرخص لهم بدخول ميدان اللعب وتوفير أماكن خاصة لممثلي أجهزة الإعلام وتمكينهم من ممارسة مهامهم في ظروف ملائمة" معلنا "بعث خلية استمرار مركزية بالوزارة تؤمن متابعة سير المباريات الرياضية بشتى الفضاءات".

كما طالب الاتحادات والنوادي الرياضية بـ"تحمل مسؤولياتها تجاه كل سلوك غير مشرف يصدر عن الرياضيين التونسيين التابعين لها والذين يدعون إلى التباري خارج حدود الوطن ضمن المنتخبات الوطنية أو ضمن نواديهم التونسية ومعالجته بالصرامة التي يقتضيها المقام لأن صورة تونس مقدسة ولا يسمح لأي كان فردا أو مجموعة بالإساءة إليها مهما كانت الأسباب والظروف".

وسبب اعتقال الأمن المصري 14 من مشجعي الترجي تورّطوا في أعمال عنف بستاد القاهرة في تشرين أول/ أكتوبر 2010 خلال مباراة ضد الأهلي المصري (ضمن ذهاب نهائي دوري أبطال إفريقيا)حرجا كبيرا للسلطات التونسية. وقد تدخّل الرئيس التونسي شخصيا لدى نظيره المصري الذي أذن بإطلاق سراح الموقوفين الأربعة عشرة.

وأوصى بن علي من ناحية أخرى بتركيز "إدارة فنية قارة ومتفرغة للتحكيم" صلب مختلف الإتحاد الرياضية وخاصة باتحاد كرة القدم "تتكون من خبراء معروفين بكفاءاتهم وحيادهم والترفيع في المنح المسندة إلى الحكام...وتأمين الإحاطة والحماية الشاملة للحكام".

وقالت وسائل إعلام رسمية إنه "تم في هذا الباب التأكيد على واجب عدم التغاضي عن تقصير الحكام وضعف مردودهم من ناحية ومراعاة مصالح النوادي والمحافظة على حقوقها من ناحية أخرى".

منير السويسي
الخميس 30 ديسمبر 2010