تم إيقاف أقسام اللغات الأجنبية مؤقتا على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

أعيدوا لنا العلم

18/09/2025 - أحمد أبازيد

عودة روسية قوية إلى سوريا

17/09/2025 - بكر صدقي

لعبة إسرائيل في سوريا

10/09/2025 - غازي العريضي

من التهميش إلى الفاشية

10/09/2025 - انس حمدون

الوطنية السورية وبدائلها

04/09/2025 - ياسين الحاج صالح


قصر تاريخي ككعكة زفاف اسطورية في بنغازي يتحول الى مأوى للاجئين




بنغازي (ليبيا) - كيت توماس – في الناحية الشرقية من مدينة بنغازي ينبثق قصر عبده إسماعيل من الأرض مثل كعكة زفاف أسطورية وهو مختبئا بين فيلات فاخرة.


قصر بنغازي يعرض المأوى والتاريخ
قصر بنغازي يعرض المأوى والتاريخ
وترتفع أشجار النخيل الرفيعة عاليا شاهقة فوق أعمدة المصابيح القديمة الصدئة وباتجاه أبراج المعابد البيضاء، وكان هذا القصر في السابق منزلا لإحدى عائلات بنغازي الثرية وهو مزدان بأثاث من الطراز القديم وبنافورات من ثلاث طبقات.

والآن أصبح هذا القصر الجميل معسكرا للاجئين وبيتا مؤقتا للأشخاص الذين نزحوا من مدينتي مصراته وإجدابيا، وعلى درجات السلم المؤدي إلى حوض السباحة الخالي من المياه ينشر النازحون ثيابهم المغسولة لتجف تحت أشعة الشمس ومن بينها فساتين طويلة وقطع الحجاب ذات اللون البنفسجي الأرجواني وجلباب أبيض ناعم النسيج.

وفي الوقت الذي يتواصل فيه القتال في مصراته وبالقرب من مشارف إجدابيا والبريقه تتعرض بنغازي لطوفان من مئات الآلاف من النازحين الليبيين الذين تركوا منازلهم فرارا من أتون المعارك.

ويقيم معظم النازحين مع أقاربهم أو مع أسر مضيفة بينما يقيم البعض الآخر داخل مواقع بناء سابقة ومدارس وأماكن السكن الداخلي بالجامعة، ووجد آخرون مثل محمد الحسين مقر إقامة غير عادي..

وكان الحسين وهو مأمور جمرك متقاعد قد غادر مع أسرته منزله في أجدابيا منذ ثلاثة أسابيع عندما سقطت شظية ضالة داخل حديقة المنزل.

ويقول إنه على الرغم من أن منزله لم يتعرض لسوء إلا أنه فضل التوجه إلى بنغازي وسجل اسمه وأسماء أسرته لدى الهلال الأحمر الليبي الذي عرض على الأسرة عدة أماكن للإقامة للاختيار من بينها، وقد اختار الإقامة في قصر عبده إسماعيل على الرغم من أن أسرا أخرى قالت أنه مخيف بالنسبة للأطفال بالليل، وتتردد شائعات عن تجول كلاب متوحشة ليلا في فناء القصر.

ويبتسم الحسين وهو يفرك يديه المجعدتين المخشوشتين معا ويضيف إنه بعد الأهوال التي رآها أطفاله كان متأكدا من أنهم لن يخافوا من هذا القصر.

واتضح أن الأطفال شاهدوا الدبابات والصواريخ من طراز جراد والمقذوفات الفارغة على الطريق الملتوي باتجاه الشرق، كما رأوا الجثث ملقاة على جانب الطريق، ويقول الحسين إن ما يوجد بالقصر الآن مجرد نوافير جفت مياهها وبرك راكدة وحدائق للقصر لا تلقى العناية والتشذيب.

ويمتد طريق أمامه باتجاه بوابات القصر وتحيط بجانبيه أشجار الدردار والعرعر، وداخل الهيكل الخارجي لما كان في السابق بركة للأسماك يمكن رؤية الأشياء التي تم التخلص منها ملقاة بإهمال، فهناك تقع أحذية سوداء ذات كعب عال وعلبة فارغة لمزيل العرق ومعطف قديم للأطفال..

وهذا المنظر يختلف إلى حد بعيد عن النوايا الأصلية لأسرة عبده إسماعيل، فقد افتتح يوسف عبده إسماعيل وهو إبن صاحب مصنع نسيج ناجح القصر عام 1994، وكان من المفترض أن يكون قاعدة للأسرة والأجيال القادمة فيها

ويقول عبده إسماعيل الذي يبلغ من العمر الآن 55 عاما وبدأ شعره يشيب برفق إنه كان يتصور أن يعيش بالقصر أطفاله وأحفاده وأحفاد أبنائه إلى أن يصبحوا مسنين.

وبدلا من أن يرى حلمه يتحقق أيقظ الحرس الليلي عبده إسماعيل وزوجته فجر أحد أيام عام 1995، وسارع الرجل بالتقاط جلباب قطني ليرتديه وقابله عند الباب الرئيسي جنود الحكومة الذين طلبوا منه تسليمهم مفاتيح القصر والحق في الاستيلاء على أي شيء بداخله.

ويضيف عبده إسماعيل وهو يسوي منديل يده الحريري داخل جيب سترته إن الجنود أخبروه أنه ليس من حقه أن يعيش في قصر، وقالوا له إن أسرة القذافي وحدها هي التي لها الحق في أن تمتلك مثل هذا القصر.

وغادرت أسرة عبده إسماعيل قصرها ولم تستطع العودة إليه إلا قبل بداية الثورة بستة أشهر عندما اشترت القصر من مسئولي النظام واستردته من الحكومة، غير أنه تم الاستيلاء على أثاث ومحتويات القصر خلال السنوات السابقة.

ويوضح عبده إسماعيل إن مسئولي النظام أخذوا السيارات والفازات ولوحتين من أعمال الفنان العالمي رينوار إلى جانب تمثال معدني لأسد وآخر لوحيد القرن بجوار حوض السباحة، ويؤكد أن النظام كان يتعامل بقسوة مع الجميع ليس مع الفقراء فحسب وإنما أيضا مع ما يسمونهم العائلات المخملية.

ويرجع عبده إسماعيل بذاكرته إلى الوراء ويقول إنه منذ أن كان صغيرا كان يحصل على أي شيء يريده، ثم أدرك أن الآخرين لا يحصلون على ما يشتهون مثله وبالتالي فعندما واصل أعمال والده بعد وفاته بدأ في منح الفقراء المال.
ويشير إلى أن القصر أصبح مشهورا بين الأسر التي تناضل من أجل سد احتياجاتها المعيشية.

ويستطرد أبو إسماعيل قائلا إنه كان يجد كل صباح بعض الأشخاص ينتظرون خارج بوابة القصر وإنه اعتاد أن يمنحهم مئة أو مئتي دينار لشراء الطعام وما يحتاجونه من أشياء، غير أن الحكومة اكتشفت هذا الكرم واتهمته بأنه يدير مركزا للضمان الاجتماعي، كما اتهمه المسئولون بأنه يحاول تقليد القذافي قائد البلاد سواء بالعيش في قصر أو بمنح الهبات، وبعد مرور ستة أشهر صادروا القصر منه.

وأعرب عن اعتقاده بأن أسرة القذافي كانت تشعر بالغيرة من نجاحه، ويقول إن الأسرة كانت تريد من الليبيين أن يتظاهروا بأنهم بسطاء ومتواضعون بينما كان أفراد الأسرة في حقيقة الأمر يتقلبون في الثراء، ولكن إذا كان أفراد أسرة القذافي يستطيعون أن يستمتعوا بأموالهم فلماذا لا يسمح لي بذلك ؟. ويشير إلى أن القذافي سيسجل اسمه في التاريخ وهو ما كان يسعى إليه ولكنه في الحقيقة سيسجل بأسوأ طريقة وسيدخل التاريخ من أكثر أبوابه سوادا.

ويقوم عبده إسماعيل حاليا باستكمال بناء مبنى مجاور مصمم على غرار قصر الحمراء في أسبانيا، ويقول إنه يعتزم استضافة المزيد من الأسر النازحة من مصراته بداخله، كما يوشك مشروعه ببناء مسجد على الاكتمال.

وبداخل فناء القصر تعدو بنات الحسين الثلاثة في لعبة المطاردة حول حوض السباحة الفارغ من الماء، ويجلس الحسين على حافة الحوض بينما يهز ساقيه وهما يتدليان داخل الفراغ البادي من تحتهما.

ولم يكن الحسين يحلم ذات يوم بأنه سينقل أمتعته داخل قصر، ويقول إنه طوال حياته كان يحلم مع أصدقائه بالحياة في الكفرة أو إجدابيا والحصول على وظيفة جيدة وسيارة وفتح حساب في البنك وبالسكن في شقة بالمدينة.

ويضيف قائلا غير أن أحدا لم يكن يجرؤ على الحلم بأن يقيم بقصر، كما لم يكن أحد يحلم باندلاع حرب في ليبيا.

كيت توماس
الثلاثاء 14 يونيو 2011