كمال الرياحي مع الطاهر وطار
«لا رغبة لي في الحديث عن تجربتي، تجربتي في موقعي على الإنترنت» بهكذا الكلام كانت بداية لقائي مع الطاهر وطار عندما عرضت عليه اجراء حوار أدبي. فحولناوجهة الحوار من الحقل الأدبي الفني إلى الحقل الثقافي العام. ليكون هذا الحوار الذي يتحدث فيه الطاهر وطار بصراحته المعهودة عن الكتاب الجزائريين والخصومات التيتتناقلها وسائل الإعلام كل حين. وخاصة علاقته بواسيني الأعرج ورشيد بوجدرة والفرنكفونيين.هذا الحوار قد يبدو بسيطا مقارنة بما أنجزناه من حوارات نهرية غنية بمادتهاوببوحها وبعلميتها أحيانا وهذا ما جعل أمانة عمان الكبرى تقدم على جمعها مع حوارات أخرى في مجلدين لكي يستفيد منها الباحث والكاتب والصحفي. ولكن قيمة هذا الحوار تكمن في فضحه لواقع المشهد الثقافي العربي من خلال النموذج الجزائري وحالةالاحتقان التي يعيشها الأدباء. فالكل يتهم الآخر بالغيرة على طريقة الفنانين والفنانات. والحق أن هذا واحد من الأسباب التي شغلت المبدعين عن أداء أدوارهم الحقيقية، وهي الكتابة.
يستمد هذا الحوار أهميته من مواقف وطار من المشهد الثقافي العربي والجزائري وردوده عمن اتهمه بالصمت زمن المحنة الجزائرية في التسعينيات. قلت لي يوما ان الجزائر أمة لأن فيها مزيجا من الأعراق....ألا ترى معي أن الرواية الجزائرية سكتت عن هذه الخصوصية للتركيبة الاثنية للجزائر.لم أقرأ الى حد الآن رواية تعالج هذه القضية أو تسلط الضوء على هذه التركيبة الاجتماعية.هل تعتقد أن هذا الموضوع المسكوت عنه من المواضيع اللامفكر فيها أو غير المسموح التفكير فيها ؟- المسألة ليست بالنتوء المتخيل، فهناك امتزاج كبير بين الناس في الجزائر، عربابكل انتساباتهم، وبربرا بمختلف تشكيلاتهم ( قبائل، شاوية، ميزاب، توارق، زناتة،صنهاجة، كتامة المعربة.. الخ)... مثلما هو الشأن بالنسبة للتوزيع الجغرافي، فقدمحا الاستعمار بشكل قوي النعرات الجهوية، لأنه قضى في مناطق كثيرة على البنى الاقتصاديةوالاجتماعية، وخلق في معظم مناطق البلاد، علاقات إنتاج رأسمالية، كما أنه حول قبائل وأعراشا من مناطقها، بل وفككها، كي يستولي على أراضيها.. رب ضارة نافعة.عندما أطيح بالرئيس أحمد بن بلة في 1965 وهو من أقصى الغرب، ومن أصول مغربية، ماتالناس من أجله في الشرق الجزائري: عنابة، تبسة، عين البيضاء، باتنة، الخ، رغم أنزعيم الانقلاب، الهواري بومدين من الشرق الجزائري.لا تتمظهر النعرات العرقية والجهوية إلى الحد الذي يجعلها تطفح في الأدب، كل ماهنالك هو ممارسات محلية نسميها عادة (بن عميس، أو بالتعبير الكتامي دي خوتي)، وهذاطبيعي في كل المجتمعات.تبقى المسألة القبائلية، التي يراد أن يعطى لها الطابع البربري أو الأمازيغيالعام، فالمتفق عليه أن الإشكالية هي بين السكان وبين النظام، فالمنطقة أهلها،أفصح مطالبية من المناطق الأخرى.شخصيا تعرضت للتنوع السكاني الجزائري في أكثر من عمل، بدءا من رواية «الزلزال» إلى«الشمعة والدهاليز»، إلى بعض القصص القصيرة، وكأمازيغي من الشرق الجزائري لا أشعرإطلاقا بأية عقدة، أو بأي تمييز يمارس ضدي،، أذكر بالمناسبة، أنني وأنا خارج منمطار الدار البيضاء بالمغرب الشقيق، سألني شرطي المرور بالأمازيغية وقد لاحظ أنلقبي يتضمن واو النسبة، عما إذا كنت أمازيغيا، فأجبته على الفور، بأني كذلك، فقاللي هنيئا لكم، رئيس الجمهورية ( زروال)، من الأوراس، ورئيس الحكومة (أويحي) منجرجرة،
فقلت له صادقا، إن المسألة تطرح علي لأول مرة... ولما عدت إلى الجزائراكتشفت، أنه لا أحد من الجزائريين، يعير المسألة اهتمام شرطي المرور المغربي. المحنة والموقف في جلسة جمعتني معك في «الجاحظية» منذ سنتين ذكرت لي أنك من الكتاب القلائل الذين كانوا يجوبون العاصمة دون خوف ودون حماية. هل يعني ذلك أنك محل إجماع شعبي؟ أم سبب ذلك أنك لم تبد موقفا من الاسلاميين. أنقلهذا السؤال عن اتهام يوجه اليك بأنك كنت متواطئا بصمتك، وأن تاريخك كمبدع ومناضليجعلك مطالبا بإبداء رأي صريح من الأحداث. كيف ترد على هذا الكلام ؟- لم أصمت إطلاقا، فقد قلت في جميع وسائل الإعلام المكتوبة والمسموعة والمرئية:إنني كديموقراطي وكمناضل سياسي رفضت إجراء إلغاء الانتخابات التي فاز فيهاالإسلاميون، وأرفض التعسف في حق الشباب، بإرسال ما يزيد عن 25 ألف إلى المحتشدات في الصحراء الكبرى دون أية تهمة أو محاكمة أو ربما حتى ملف إداري.. هل في هذاالموقف عيب؟والمناضلون الواعون المدركون لطبيعة المرحلة التاريخية، ينبغي أن لا يتخذوا نفسالموقف الذي يتخذه الامبرياليون والاستعماريون وعملاؤهم.أعتقد أن التكامل النضالي ممكن ولو بطريقة غير مباشرة، وستجد القوى المعاديةللإمبريالية والاستعمار والفاشية، نفسها ليس وجها لوجها، كما هو الشأن الآن، بلجنبا لجنب، في معركة يفرضها الآخر، ويشكو من عدم استسلامنا.إن مصطلح «الإرهاب» ينبغي أن يستعمل بدقة وحسب مختلف مناطق العالم، وعلى فكرة،ليست لي أية عداوة مع المؤمنين، إسلاميين أو غير إسلاميين،
قضيتي هي الطبقةالعاملة، وأعدائي التاريخيون هم مستغلوها وكذا الإمبريالية والاستعمار بكل أشكاله. اعتداءات غير حضارية؟ منذ مدة دخل المشهد الجزائري في صراعات «شللية»: قسم مع وطار وقسم مع بوجدرةوقسم مع واسيني وقسم مع أحلام مستغانمي وهناك يقف وحيدا مثل السائح وكذلكالفرنكفونيون يعيشون الصراعات نفسها. ونتج عن هذا أننا اصبحنا أمام كم التصريحاتوقل الإبداع الروائي الحقيقي في الوقت الذي كنا نأمل من الرواية الجزائرية أن تؤسسالأيام الذهبية للرواية المغاربية. هل تشاركني الرأي في أن الرواية الجزائرية تمربمرحلة خطيرة خاصة بعد أن توقفت الأحداث الدموية تقريبا.- الإبداع لم يقل، فهناك محاول ات جادة، وهناك زخم معتبر من الروايات، للشباب، وعلىمستوى كامل الوطن، لكن هناك بعض الصحفيين في الصفحات الثقافية، أرادوا أن يصيرواروائيين، فراحوا دون أي تمكن من أصول الفن الدرامي يصوغون أحداثا بوليسية مفككة منجميع الوجوه، يسمونها «رواية»، فلما أعطي الرأي فيهم واجهونا، بأنهم أنجزوا أدبااستعجاليا، وهم بذا معذورون.رشيد بوجدرة، يكتب ويتحدث بحرية بالغة، ولسنا في صراع، خاصة من جانبي، قد يهاجمنيأحيانا، لكن لا يتعرض لأدبي بسوء، فهو بهذا يعبر عن أصالة ثقافية وأدبية..إن النظم الأمنية، لا يمكن أبدا أن تستريح إلا عندما تمارس تفكيك كل تجمع ثقافيمحتمل.. صدقني، فهذه خلاصة العمر.
أحلام مستغانمي مثلي عرضة للنباح المتواصل، وقد كتبت في إحدى افتتاحيات مجلة«التبيين»، أدافع عن أصالتها ككاتبة عرفناها وهي ما تزال في الثانوية.بيني وبينك لا أشعر بالشللية، أكثر مما أشعر باعتداءات غير حضارية من هنا وهناك. أنا ضد الفرنكوفيين؟ أنت من الذين يهاجمون الفرنكفونيين باستمرار وتتهمهم بالعمالة وأنهم مجرد أبواق للمؤسسات الاستعمارية الفرنسية مثل بوصنصال وياسمينة خضرا.لماذا تقفون ضد الفرنكفوني حين يكتب باللغة التي يتقن وتقفون ضده حين يحاول أنيكتب بالعربية كما كان ذلك مع بوجدرة الذي عاد خائبا الى الفرنسية بعد أن خذلهقراء العربية ونقادها ؟- أنا شخصيا لست ضد الفرنكفوني، ولكن ضد الفرنكفوني، الذي يكتب للفرنسيين، ويطرح الفرنسية لغة جزائرية وطنية وشعبية، والمشكلة اللغوية في الجزائر معقدة كثيرا،وتتجاوز حديثا من هذا النوع.لا أحد اعترض أن يكتب رشيد بوجدرة بأية لغة يشاء، فهو أصيل الصادقية التي تخرجفيها عتاة الثقافة في تونس مثل المسعدي وغيره كثيرون.والنقد الأدبي منعدم في الجزائر، وهو يخذل كل الناس. لم أقرأ شيئا لواسيني الأعرج؟ قبل أكثر من عشرين عاما قلت: «من الكتاب الواعدين واسيني الأعرج» واليوم تراهبلا موهبة، وتقول في المقابل ان هناك مواهب مهمة سيكون لها شأن كبير مثل بوكفةزرياب وشهرزاد زاغز... هل ستبقى على رأيك أم ستنقلب عليهم عندما يتنكرون لك ؟- سؤالك يوحي بأنني قائد عصابة، هرم يعيش بالولاء... أشبه ما أكون ببابلو بطل «لمنتقرع الأجراس»، بعد أن خانه الرفاق... أنت نفسك أشرت في مقال لك إلى اقتباس واسينيللعناوين الوامضة لدى كثير من الكتاب الكبار. وما قلته أنت في مقال لك، أكثر مماقلته أنا، حتى أني وأنا أقرؤه، قلت إنه يخنقه بوسادة من حرير، على الطريقةالتونسية المتحضرة. لم أقرأ رواية واحدة لحسونة المصباحي؟ لنبق في هذه الأسئلة الاستفزازية : يقول حسونة المصباحي انك كاتب متوسط أو كاتبدرجة ثانية وبأقل من هذا الوصف يصف حنا مينة. كيف ترى كتابات المصباحي ؟- بكل أسف لم أحصل على أي عمل لحسونة المصباحي، وحتى لو أقرؤه، فليس لرأيي قيمةنقدية أكاديمية، سأحب كتابته، أو لا أحبها، والمسألة مسألة ذوق.فيما يتعلق برأيه في، يكفيني أنه قرأني واهتم بي، وقيمني، وأنا لم أزعم في أي يوممن الأيام أنني أكثر من هاوي كتابة،
وقد ابتليت بهذا البلاء، ولم أسع إليه، ولست مرتاحا فيه أو به.. ولا أكتب أصلا بماء الذهب، أو يتنزل علي الروح بالإبداع. أسقطهنا وأنهض هنالك، ودائما وأبدا لي الفضل في أنني لا أستسلم ولا أنخدع.لي رأي عام في الرواية التونسية، استنكره حسونة... وهو أنها ورثت التجريدوالشكلانية، من عهود الحكم المطلق، ومن التقليد الصبياني لرواية «السد» للمسعديرحمه الله، وأصر على هذا الرأي، ولا أنكر أن هناك كتابا عباقرة، كما في كل تاريختونس الثقافي الذي أعرفه جيدا حتى أواخر الخمسينيات.ولئن كان حسونه ينطلق من كونه تونسيا، فأنا بدوري أعتبرني تونسيا قبل أن أكونجزائريا عربيا أمميا، وفي معظم كتاباتي تونس وشيوخها، وجوامعها، وأزقتها.غيرة وحسد؟ عارضت منذ سنوات تكريم محمد ديب في الجزائر بعد أن أوصى بدفنه في فرنسا.ووصفت ساعتها
بـ«حارس المعبد» : حارس اللغة العربية....هل كان موقفك ذلك صادرا عنوطار المناضل أو وطار المبدع ؟ألا ترى في ذ لك الموقف شكلا من أشكال الوصاية والإقصاء ؟ تجدر الاشارة الى هنا أنبوجدرة وصف موقفك بـ«العيب» وذكر بموقفك من الطاهر جاووت ونقل عنه بالحرف الواحدلصحيفة مشرقية : «مشكلة وطار حسب رأيي هي أنه أصبح عقيما لا يكتب. وبالتالي حتىتتوجه اليه الأنظار يختلق هذه الاثارة، والحقيقة أن وطار قتلته الغيرة فصار مريضابها. وهي تدفعه الى شتم الأموات...» كيف ترد على بوجدرة وكيف تفسر موقفك من محمدديب وقصة دفنه في فرنسا وتكريمه في الجزائر ؟- لم يصدر مني مثل هذا الموقف، والجمعية التي أرأسها، «الجاحظية»، أقامت ملتقىعالميا في 1992 وأصدرنا عددا خاصا من «التبيين» عن محمد ديب.. وكنت كلما سافرت إلىباريس أتلفن أسأل عن أحواله، ثم أعتذر بلطف، عن عدم تلبية دعوته لزيارته في بيته.قلت لمن أقاموا الدنيا وأقعدوها إثر موته: بدل هذا، ائتوا به وادفنوه جنب كاتبياسين، ومالك حداد ومولود معمري، وبن هدوقة، ففهم بعضهم، مثل ما فهمتم، والذنب ليسذنبي.لمحمد ديب، تسجيل على قرص ممغنط نشرته «لافناك» في فرنسا ( أمتلك نسخة منه)، يقولفيه إنه تخلى عن أي التزام سياسي أو نضالي منذ العام 1959، وهو وفي لذلك، ولم يطرح نفسه كجزائري إلا عندما هاجم اللغة العربية والكتابة بها واصفا لها بالميتة، وماشابه.كاتب ياسين ومالك حداد وبن هدوقة والمسرحي مصطفى كاتب، والمغني الشهير أحمد وهبي،ولاعب الكرة العالمي مخلوفي، انسلخوا من فرنسا ولبوا نداء الثورة والتحقوا بها،وأنا شخصيا لم أتمم دراستي لأنني التحقت بها... هل ينبغي أن ننظر إلى التاريخ بعينواحدة عندما يتعلق الأمر بمبدع؟ إن هذا الملف لم يفتح بعد، وأتمنى أن يطرح غيريالسؤال المتكرر في «دائرة التباشير القوقازية» لبريخت: أيهما أحق بالولد، الأمالتي أنجبته، أم التي ربته؟هناك شخصية فكاهية تونسية، اسمها الحاج كلوف، وهو يتدخل في أمور كثيرة تعنيه ولاتعنيه، يرد على من يطلب منه أن يغض الطرف متألما: يا خاوتي شي يزوك منه البقر.بوجدرة، كما قلت سابقا، يقيم شخصي ولا يقيم أدبي، وغالبا ما تكون معايير بعض الناسمستقاة من الوسط الفني، مثل الغيرة والحسد، وما شابه. ونحن كلنا خاضعون لعملياتالتسميم، وشيخوختي تحصنني من التسمم بعض الشيء.ومهما كان، قد يكون رأي رشيد صحيحا، فلا تزوجوني بناتكم... واحذروني.. وما أنا إلابشر يصارع شياطين الإبداع والوسواسين الخناسين، أقول عادة لمن يحمل لي رأي رشيدفي.. ويبدو أن «سي رشيد» لا يحب الروائيين إلا ميتين،
يستمد هذا الحوار أهميته من مواقف وطار من المشهد الثقافي العربي والجزائري وردوده عمن اتهمه بالصمت زمن المحنة الجزائرية في التسعينيات. قلت لي يوما ان الجزائر أمة لأن فيها مزيجا من الأعراق....ألا ترى معي أن الرواية الجزائرية سكتت عن هذه الخصوصية للتركيبة الاثنية للجزائر.لم أقرأ الى حد الآن رواية تعالج هذه القضية أو تسلط الضوء على هذه التركيبة الاجتماعية.هل تعتقد أن هذا الموضوع المسكوت عنه من المواضيع اللامفكر فيها أو غير المسموح التفكير فيها ؟- المسألة ليست بالنتوء المتخيل، فهناك امتزاج كبير بين الناس في الجزائر، عربابكل انتساباتهم، وبربرا بمختلف تشكيلاتهم ( قبائل، شاوية، ميزاب، توارق، زناتة،صنهاجة، كتامة المعربة.. الخ)... مثلما هو الشأن بالنسبة للتوزيع الجغرافي، فقدمحا الاستعمار بشكل قوي النعرات الجهوية، لأنه قضى في مناطق كثيرة على البنى الاقتصاديةوالاجتماعية، وخلق في معظم مناطق البلاد، علاقات إنتاج رأسمالية، كما أنه حول قبائل وأعراشا من مناطقها، بل وفككها، كي يستولي على أراضيها.. رب ضارة نافعة.عندما أطيح بالرئيس أحمد بن بلة في 1965 وهو من أقصى الغرب، ومن أصول مغربية، ماتالناس من أجله في الشرق الجزائري: عنابة، تبسة، عين البيضاء، باتنة، الخ، رغم أنزعيم الانقلاب، الهواري بومدين من الشرق الجزائري.لا تتمظهر النعرات العرقية والجهوية إلى الحد الذي يجعلها تطفح في الأدب، كل ماهنالك هو ممارسات محلية نسميها عادة (بن عميس، أو بالتعبير الكتامي دي خوتي)، وهذاطبيعي في كل المجتمعات.تبقى المسألة القبائلية، التي يراد أن يعطى لها الطابع البربري أو الأمازيغيالعام، فالمتفق عليه أن الإشكالية هي بين السكان وبين النظام، فالمنطقة أهلها،أفصح مطالبية من المناطق الأخرى.شخصيا تعرضت للتنوع السكاني الجزائري في أكثر من عمل، بدءا من رواية «الزلزال» إلى«الشمعة والدهاليز»، إلى بعض القصص القصيرة، وكأمازيغي من الشرق الجزائري لا أشعرإطلاقا بأية عقدة، أو بأي تمييز يمارس ضدي،، أذكر بالمناسبة، أنني وأنا خارج منمطار الدار البيضاء بالمغرب الشقيق، سألني شرطي المرور بالأمازيغية وقد لاحظ أنلقبي يتضمن واو النسبة، عما إذا كنت أمازيغيا، فأجبته على الفور، بأني كذلك، فقاللي هنيئا لكم، رئيس الجمهورية ( زروال)، من الأوراس، ورئيس الحكومة (أويحي) منجرجرة،
فقلت له صادقا، إن المسألة تطرح علي لأول مرة... ولما عدت إلى الجزائراكتشفت، أنه لا أحد من الجزائريين، يعير المسألة اهتمام شرطي المرور المغربي. المحنة والموقف في جلسة جمعتني معك في «الجاحظية» منذ سنتين ذكرت لي أنك من الكتاب القلائل الذين كانوا يجوبون العاصمة دون خوف ودون حماية. هل يعني ذلك أنك محل إجماع شعبي؟ أم سبب ذلك أنك لم تبد موقفا من الاسلاميين. أنقلهذا السؤال عن اتهام يوجه اليك بأنك كنت متواطئا بصمتك، وأن تاريخك كمبدع ومناضليجعلك مطالبا بإبداء رأي صريح من الأحداث. كيف ترد على هذا الكلام ؟- لم أصمت إطلاقا، فقد قلت في جميع وسائل الإعلام المكتوبة والمسموعة والمرئية:إنني كديموقراطي وكمناضل سياسي رفضت إجراء إلغاء الانتخابات التي فاز فيهاالإسلاميون، وأرفض التعسف في حق الشباب، بإرسال ما يزيد عن 25 ألف إلى المحتشدات في الصحراء الكبرى دون أية تهمة أو محاكمة أو ربما حتى ملف إداري.. هل في هذاالموقف عيب؟والمناضلون الواعون المدركون لطبيعة المرحلة التاريخية، ينبغي أن لا يتخذوا نفسالموقف الذي يتخذه الامبرياليون والاستعماريون وعملاؤهم.أعتقد أن التكامل النضالي ممكن ولو بطريقة غير مباشرة، وستجد القوى المعاديةللإمبريالية والاستعمار والفاشية، نفسها ليس وجها لوجها، كما هو الشأن الآن، بلجنبا لجنب، في معركة يفرضها الآخر، ويشكو من عدم استسلامنا.إن مصطلح «الإرهاب» ينبغي أن يستعمل بدقة وحسب مختلف مناطق العالم، وعلى فكرة،ليست لي أية عداوة مع المؤمنين، إسلاميين أو غير إسلاميين،
قضيتي هي الطبقةالعاملة، وأعدائي التاريخيون هم مستغلوها وكذا الإمبريالية والاستعمار بكل أشكاله. اعتداءات غير حضارية؟ منذ مدة دخل المشهد الجزائري في صراعات «شللية»: قسم مع وطار وقسم مع بوجدرةوقسم مع واسيني وقسم مع أحلام مستغانمي وهناك يقف وحيدا مثل السائح وكذلكالفرنكفونيون يعيشون الصراعات نفسها. ونتج عن هذا أننا اصبحنا أمام كم التصريحاتوقل الإبداع الروائي الحقيقي في الوقت الذي كنا نأمل من الرواية الجزائرية أن تؤسسالأيام الذهبية للرواية المغاربية. هل تشاركني الرأي في أن الرواية الجزائرية تمربمرحلة خطيرة خاصة بعد أن توقفت الأحداث الدموية تقريبا.- الإبداع لم يقل، فهناك محاول ات جادة، وهناك زخم معتبر من الروايات، للشباب، وعلىمستوى كامل الوطن، لكن هناك بعض الصحفيين في الصفحات الثقافية، أرادوا أن يصيرواروائيين، فراحوا دون أي تمكن من أصول الفن الدرامي يصوغون أحداثا بوليسية مفككة منجميع الوجوه، يسمونها «رواية»، فلما أعطي الرأي فيهم واجهونا، بأنهم أنجزوا أدبااستعجاليا، وهم بذا معذورون.رشيد بوجدرة، يكتب ويتحدث بحرية بالغة، ولسنا في صراع، خاصة من جانبي، قد يهاجمنيأحيانا، لكن لا يتعرض لأدبي بسوء، فهو بهذا يعبر عن أصالة ثقافية وأدبية..إن النظم الأمنية، لا يمكن أبدا أن تستريح إلا عندما تمارس تفكيك كل تجمع ثقافيمحتمل.. صدقني، فهذه خلاصة العمر.
أحلام مستغانمي مثلي عرضة للنباح المتواصل، وقد كتبت في إحدى افتتاحيات مجلة«التبيين»، أدافع عن أصالتها ككاتبة عرفناها وهي ما تزال في الثانوية.بيني وبينك لا أشعر بالشللية، أكثر مما أشعر باعتداءات غير حضارية من هنا وهناك. أنا ضد الفرنكوفيين؟ أنت من الذين يهاجمون الفرنكفونيين باستمرار وتتهمهم بالعمالة وأنهم مجرد أبواق للمؤسسات الاستعمارية الفرنسية مثل بوصنصال وياسمينة خضرا.لماذا تقفون ضد الفرنكفوني حين يكتب باللغة التي يتقن وتقفون ضده حين يحاول أنيكتب بالعربية كما كان ذلك مع بوجدرة الذي عاد خائبا الى الفرنسية بعد أن خذلهقراء العربية ونقادها ؟- أنا شخصيا لست ضد الفرنكفوني، ولكن ضد الفرنكفوني، الذي يكتب للفرنسيين، ويطرح الفرنسية لغة جزائرية وطنية وشعبية، والمشكلة اللغوية في الجزائر معقدة كثيرا،وتتجاوز حديثا من هذا النوع.لا أحد اعترض أن يكتب رشيد بوجدرة بأية لغة يشاء، فهو أصيل الصادقية التي تخرجفيها عتاة الثقافة في تونس مثل المسعدي وغيره كثيرون.والنقد الأدبي منعدم في الجزائر، وهو يخذل كل الناس. لم أقرأ شيئا لواسيني الأعرج؟ قبل أكثر من عشرين عاما قلت: «من الكتاب الواعدين واسيني الأعرج» واليوم تراهبلا موهبة، وتقول في المقابل ان هناك مواهب مهمة سيكون لها شأن كبير مثل بوكفةزرياب وشهرزاد زاغز... هل ستبقى على رأيك أم ستنقلب عليهم عندما يتنكرون لك ؟- سؤالك يوحي بأنني قائد عصابة، هرم يعيش بالولاء... أشبه ما أكون ببابلو بطل «لمنتقرع الأجراس»، بعد أن خانه الرفاق... أنت نفسك أشرت في مقال لك إلى اقتباس واسينيللعناوين الوامضة لدى كثير من الكتاب الكبار. وما قلته أنت في مقال لك، أكثر مماقلته أنا، حتى أني وأنا أقرؤه، قلت إنه يخنقه بوسادة من حرير، على الطريقةالتونسية المتحضرة. لم أقرأ رواية واحدة لحسونة المصباحي؟ لنبق في هذه الأسئلة الاستفزازية : يقول حسونة المصباحي انك كاتب متوسط أو كاتبدرجة ثانية وبأقل من هذا الوصف يصف حنا مينة. كيف ترى كتابات المصباحي ؟- بكل أسف لم أحصل على أي عمل لحسونة المصباحي، وحتى لو أقرؤه، فليس لرأيي قيمةنقدية أكاديمية، سأحب كتابته، أو لا أحبها، والمسألة مسألة ذوق.فيما يتعلق برأيه في، يكفيني أنه قرأني واهتم بي، وقيمني، وأنا لم أزعم في أي يوممن الأيام أنني أكثر من هاوي كتابة،
وقد ابتليت بهذا البلاء، ولم أسع إليه، ولست مرتاحا فيه أو به.. ولا أكتب أصلا بماء الذهب، أو يتنزل علي الروح بالإبداع. أسقطهنا وأنهض هنالك، ودائما وأبدا لي الفضل في أنني لا أستسلم ولا أنخدع.لي رأي عام في الرواية التونسية، استنكره حسونة... وهو أنها ورثت التجريدوالشكلانية، من عهود الحكم المطلق، ومن التقليد الصبياني لرواية «السد» للمسعديرحمه الله، وأصر على هذا الرأي، ولا أنكر أن هناك كتابا عباقرة، كما في كل تاريختونس الثقافي الذي أعرفه جيدا حتى أواخر الخمسينيات.ولئن كان حسونه ينطلق من كونه تونسيا، فأنا بدوري أعتبرني تونسيا قبل أن أكونجزائريا عربيا أمميا، وفي معظم كتاباتي تونس وشيوخها، وجوامعها، وأزقتها.غيرة وحسد؟ عارضت منذ سنوات تكريم محمد ديب في الجزائر بعد أن أوصى بدفنه في فرنسا.ووصفت ساعتها
بـ«حارس المعبد» : حارس اللغة العربية....هل كان موقفك ذلك صادرا عنوطار المناضل أو وطار المبدع ؟ألا ترى في ذ لك الموقف شكلا من أشكال الوصاية والإقصاء ؟ تجدر الاشارة الى هنا أنبوجدرة وصف موقفك بـ«العيب» وذكر بموقفك من الطاهر جاووت ونقل عنه بالحرف الواحدلصحيفة مشرقية : «مشكلة وطار حسب رأيي هي أنه أصبح عقيما لا يكتب. وبالتالي حتىتتوجه اليه الأنظار يختلق هذه الاثارة، والحقيقة أن وطار قتلته الغيرة فصار مريضابها. وهي تدفعه الى شتم الأموات...» كيف ترد على بوجدرة وكيف تفسر موقفك من محمدديب وقصة دفنه في فرنسا وتكريمه في الجزائر ؟- لم يصدر مني مثل هذا الموقف، والجمعية التي أرأسها، «الجاحظية»، أقامت ملتقىعالميا في 1992 وأصدرنا عددا خاصا من «التبيين» عن محمد ديب.. وكنت كلما سافرت إلىباريس أتلفن أسأل عن أحواله، ثم أعتذر بلطف، عن عدم تلبية دعوته لزيارته في بيته.قلت لمن أقاموا الدنيا وأقعدوها إثر موته: بدل هذا، ائتوا به وادفنوه جنب كاتبياسين، ومالك حداد ومولود معمري، وبن هدوقة، ففهم بعضهم، مثل ما فهمتم، والذنب ليسذنبي.لمحمد ديب، تسجيل على قرص ممغنط نشرته «لافناك» في فرنسا ( أمتلك نسخة منه)، يقولفيه إنه تخلى عن أي التزام سياسي أو نضالي منذ العام 1959، وهو وفي لذلك، ولم يطرح نفسه كجزائري إلا عندما هاجم اللغة العربية والكتابة بها واصفا لها بالميتة، وماشابه.كاتب ياسين ومالك حداد وبن هدوقة والمسرحي مصطفى كاتب، والمغني الشهير أحمد وهبي،ولاعب الكرة العالمي مخلوفي، انسلخوا من فرنسا ولبوا نداء الثورة والتحقوا بها،وأنا شخصيا لم أتمم دراستي لأنني التحقت بها... هل ينبغي أن ننظر إلى التاريخ بعينواحدة عندما يتعلق الأمر بمبدع؟ إن هذا الملف لم يفتح بعد، وأتمنى أن يطرح غيريالسؤال المتكرر في «دائرة التباشير القوقازية» لبريخت: أيهما أحق بالولد، الأمالتي أنجبته، أم التي ربته؟هناك شخصية فكاهية تونسية، اسمها الحاج كلوف، وهو يتدخل في أمور كثيرة تعنيه ولاتعنيه، يرد على من يطلب منه أن يغض الطرف متألما: يا خاوتي شي يزوك منه البقر.بوجدرة، كما قلت سابقا، يقيم شخصي ولا يقيم أدبي، وغالبا ما تكون معايير بعض الناسمستقاة من الوسط الفني، مثل الغيرة والحسد، وما شابه. ونحن كلنا خاضعون لعملياتالتسميم، وشيخوختي تحصنني من التسمم بعض الشيء.ومهما كان، قد يكون رأي رشيد صحيحا، فلا تزوجوني بناتكم... واحذروني.. وما أنا إلابشر يصارع شياطين الإبداع والوسواسين الخناسين، أقول عادة لمن يحمل لي رأي رشيدفي.. ويبدو أن «سي رشيد» لا يحب الروائيين إلا ميتين،


الصفحات
سياسة








