
الروائي الايراني صادق هدايت
المواقع الالكترونية التي تناولت المناسبة،أكتفت بإعادة نشر حادثة الانتحار أو قصة من قصص هدايت القصيرة او مقطع من روايته الشهيرة البومة العمياء،وكان القسم الفارسي لل بي بي سي مختلفا بعض الشيء اذ خصص ملفا تضمن حوارات مع كتاب ومثقفين إيرانيين قدموا قراءاتهم لأدب هدايت ورائعته الشهيرة البومة العمياء بخاصة .
لا يختلف الإيرانيون على مكانة صادق هدايت ودوره الكبير والريادي في تحديث النثر الفارسي في مرحلة كانت تعاني فيه التيارات المعاصرة من تمسك كتابها ومثقفيها بأساليب النثر الفارسي الكلاسيكي،لكن الاختلاف يدور حول مكانة ودور صادق هدايت في الحياة الثقافية الإيرانية، التي عاصرها.
فقدر صاحب البومة العمياء المولود في طهران في العام 1903 والمنتحر في باريس العام 1951،أنه قدم للأدب الفارسي أعمالا هي في قمة الواقعية النقدية وفرت له إمكانية التعبير عن أفكاره بجرأة واقتدار، مما جعله في تعارض مع خطابات الإيديولوجيات التي كانت تحكم جميع مستويات الحياة الإيرانية بما فيها المستوى الثقافي،فالقوالب الأيدلوجية لم تكن تسمح للتمايز الفردي وبروز شخصية مؤثرة خارج نطاق التيارات السياسية ،ولم تكن الدولة الإيرانية الحديثة بمنأى عن هذه النزعة الاقصائية حتى وان توافقت في الكثير من الخطوط العامة مع الرؤى التي تبناها هدايت كما في نزوعه إلى الأرينة واعتبارها حلا سحريا لمجتمع كان يخوض في أسئلة الهوية ،أليس ذا دلالة في هذا السياق أن يكون هدايت من أوائل الكتاب الذين منعت الرقابة مؤلفاتهم في فترة الاختناق السياسي الذي عاشته البلاد في العهد البهلوي؟!
ان أي قراءة حديثة لمنجز صادق هدايت وسيرته الحياتية ستكون تعسفية ان لم تضعه في سياق المناخ الثقافي والاجتماعي السائد في إيران ،مضافا الى ذلك تأثره بالمناخ الثقافي الباريسي في إقامته الأولى في ثلاثينات القرن الماضي والتي يصفها أهم كتاب سيرته “م.ف. فرزانة “باعتبارها ذروة احتجاج المفكرين والمثقفين الأوربيين على عبثية الحرب:
ليس هناك حقبة زمنية تضاهي الحقبة التي استمرت بين عامي 1920 و1932 من حيث التغييرات الكبيرة التي شهدتها اوربا في هذه المرحلة…الشواهد المستمدة مما كتبه صادق هدايت على البطاقات البريدية لذويه تكشف أنه كان كثير المطالعة ،يرتاد دور السينما والمعارض الفنية،إضافة الى انه كان كثير السفر ومرتبطا
بعلاقة غرامية”
لكن ما لا يشير اليه فرزانه في مؤلفه القيم “معرفتي بصادق هدايت”هو تأثر هدايت بالفكر القومي الذي انتعش في أوربا في السنوات ذاتها، خصوصا وان في هذه السنوات تحديدا كتب هدايت أغلب أعماله القصصية وأهمها.
فموقف صادق هدايت من العرب والاسلام على سبيل المثال، ونقده اللاذع والتهكمي الذي وجهه هدايت للثقافة الإسلامية هو امتداد لموقف الانتلجنسيا الإيرانية -في عهد رضا شاه تحديدا- من التيار الديني، اذ ان حلقة من المثقفين الإيرانيين حصروا تقييمهم للتيار الديني باعتباره تابعا وذيلا رجعيا للبلاط القاجاري،ومنافسا لهم في المشروع التحديثي ،ومازاد الطين بلة ان العربية كانت هي اللغة المعتمدة في البلاط ولدى النخب المثقفة.
إلا أن الهجوم الذي شنه صادق هدايت على الثقافة الإسلامية سرعان ما فقد بريقه مع صعود نخبة دينية حملت على عاتقها مهمة التحديث والعصرنة ولكن من خلال التصالح مع مكونات هوية المجتمع الإيراني بما فيها المكون الديني، يكفي أن نذكر في هذا السياق الدور الكبير للقاص والكاتب الإيراني جلال آل أحمد والمفكر الإيراني الدكتور علي شريعتي .
ان تقديس صادق هدايت من قبل مجموعة ضيقة من المثقفين الإيرانيين يعد في حقيقة الأمر إساءة لمسعى صادق هدايت وجهده الحثيث لصياغة الهوية الإيرانية،الحقيقة التي ترفض هذه الشريحة الاعتراف بها هي أن صادق هدايت وقع وعلى غرار مفكرين ومثقفين آخرين في فخ الأصولية التاريخانية التي ربطت النهضة الحديثة بالعودة إلى التاريخ الفارسي القديم والعصر الساساني تحديدا،وكانت بمستوى من الوهم أنها لم تتواصل مع العربي باعتباره يخوض ذات الأسئلة المشتركة تجاه الدين في مسبرته النهضوية.
في قصص صادق هدايت هناك على الدوام إلغاء للصورة الحقيقية للعرب باعتبارهم شعوبا تخوض حروب التحرر،اذ تم استبدالها بصورة مستمدة من الماضي السحيق:قبائل بدوية غازية وعنيفة.
صحيح أن هدايت لم يبتكر النزعة العدائية تجاه العرب واليهود في الثقافة الفارسية الحديثة اذ سبقه الى ذلك كتاب ذوو شهرة مثل آخوندزاده وميرزا اقاخان كرماني وجلال الدين ميرزا قاجار ،وصحيح أيضا أنه قد أخفق في إعادة الروح لعناصر ميتة من التاريخ الإيراني واعتمادها كأس للهوبة الإيرانية الحديثة، لكن رغم كل ذلك كان هدايت بمستوى من الصدق مع الذات انه رفض أن يوظف شهرته وسمعته من أجل مكاسب مادية واعتبارية ،وحافظ على استقلاليته، ليس عن الاديولوجيات المستبدة في داخل بلاده فحسب، بل عن مؤسسات او دوائر غربية حاولت ان تستميله ضمن سياقات وأجندات تتعارض مع مشروعه التنويري . عبر هدايت عن رفضه الشديد لها كما في محاولات استمالته من قبل اثنين من رفاقه لمقربين للإقامة في لندن والكتابة لمحطة ال بي بي سي أو” التغزل بحاجبي الإمبراطورية الانجليزية”
على حد تعبير هدايت ذاته.
وبالقدر الذي يرفض فيه مقدسو هدايت نقد نزعته العنصرية التي أضرت بأفكاره التنويرية ،فأنهم يغضون النظر عن مواقف مشرفة في سيرته الذاتية كما في رسالته الى جوليو كوري بمناسبة المؤتمر الأول لـ “حركة السلام العالمي” 1949 في باريس
“الامبريالية حولت بلدنا الى سجن كبير،ان التعبير عن الرأي والتفكير السليم يعدان جريمة،إنني أمتدح اهتمامكم بالصلح”
لا يختلف الإيرانيون على مكانة صادق هدايت ودوره الكبير والريادي في تحديث النثر الفارسي في مرحلة كانت تعاني فيه التيارات المعاصرة من تمسك كتابها ومثقفيها بأساليب النثر الفارسي الكلاسيكي،لكن الاختلاف يدور حول مكانة ودور صادق هدايت في الحياة الثقافية الإيرانية، التي عاصرها.
فقدر صاحب البومة العمياء المولود في طهران في العام 1903 والمنتحر في باريس العام 1951،أنه قدم للأدب الفارسي أعمالا هي في قمة الواقعية النقدية وفرت له إمكانية التعبير عن أفكاره بجرأة واقتدار، مما جعله في تعارض مع خطابات الإيديولوجيات التي كانت تحكم جميع مستويات الحياة الإيرانية بما فيها المستوى الثقافي،فالقوالب الأيدلوجية لم تكن تسمح للتمايز الفردي وبروز شخصية مؤثرة خارج نطاق التيارات السياسية ،ولم تكن الدولة الإيرانية الحديثة بمنأى عن هذه النزعة الاقصائية حتى وان توافقت في الكثير من الخطوط العامة مع الرؤى التي تبناها هدايت كما في نزوعه إلى الأرينة واعتبارها حلا سحريا لمجتمع كان يخوض في أسئلة الهوية ،أليس ذا دلالة في هذا السياق أن يكون هدايت من أوائل الكتاب الذين منعت الرقابة مؤلفاتهم في فترة الاختناق السياسي الذي عاشته البلاد في العهد البهلوي؟!
ان أي قراءة حديثة لمنجز صادق هدايت وسيرته الحياتية ستكون تعسفية ان لم تضعه في سياق المناخ الثقافي والاجتماعي السائد في إيران ،مضافا الى ذلك تأثره بالمناخ الثقافي الباريسي في إقامته الأولى في ثلاثينات القرن الماضي والتي يصفها أهم كتاب سيرته “م.ف. فرزانة “باعتبارها ذروة احتجاج المفكرين والمثقفين الأوربيين على عبثية الحرب:
ليس هناك حقبة زمنية تضاهي الحقبة التي استمرت بين عامي 1920 و1932 من حيث التغييرات الكبيرة التي شهدتها اوربا في هذه المرحلة…الشواهد المستمدة مما كتبه صادق هدايت على البطاقات البريدية لذويه تكشف أنه كان كثير المطالعة ،يرتاد دور السينما والمعارض الفنية،إضافة الى انه كان كثير السفر ومرتبطا
بعلاقة غرامية”
لكن ما لا يشير اليه فرزانه في مؤلفه القيم “معرفتي بصادق هدايت”هو تأثر هدايت بالفكر القومي الذي انتعش في أوربا في السنوات ذاتها، خصوصا وان في هذه السنوات تحديدا كتب هدايت أغلب أعماله القصصية وأهمها.
فموقف صادق هدايت من العرب والاسلام على سبيل المثال، ونقده اللاذع والتهكمي الذي وجهه هدايت للثقافة الإسلامية هو امتداد لموقف الانتلجنسيا الإيرانية -في عهد رضا شاه تحديدا- من التيار الديني، اذ ان حلقة من المثقفين الإيرانيين حصروا تقييمهم للتيار الديني باعتباره تابعا وذيلا رجعيا للبلاط القاجاري،ومنافسا لهم في المشروع التحديثي ،ومازاد الطين بلة ان العربية كانت هي اللغة المعتمدة في البلاط ولدى النخب المثقفة.
إلا أن الهجوم الذي شنه صادق هدايت على الثقافة الإسلامية سرعان ما فقد بريقه مع صعود نخبة دينية حملت على عاتقها مهمة التحديث والعصرنة ولكن من خلال التصالح مع مكونات هوية المجتمع الإيراني بما فيها المكون الديني، يكفي أن نذكر في هذا السياق الدور الكبير للقاص والكاتب الإيراني جلال آل أحمد والمفكر الإيراني الدكتور علي شريعتي .
ان تقديس صادق هدايت من قبل مجموعة ضيقة من المثقفين الإيرانيين يعد في حقيقة الأمر إساءة لمسعى صادق هدايت وجهده الحثيث لصياغة الهوية الإيرانية،الحقيقة التي ترفض هذه الشريحة الاعتراف بها هي أن صادق هدايت وقع وعلى غرار مفكرين ومثقفين آخرين في فخ الأصولية التاريخانية التي ربطت النهضة الحديثة بالعودة إلى التاريخ الفارسي القديم والعصر الساساني تحديدا،وكانت بمستوى من الوهم أنها لم تتواصل مع العربي باعتباره يخوض ذات الأسئلة المشتركة تجاه الدين في مسبرته النهضوية.
في قصص صادق هدايت هناك على الدوام إلغاء للصورة الحقيقية للعرب باعتبارهم شعوبا تخوض حروب التحرر،اذ تم استبدالها بصورة مستمدة من الماضي السحيق:قبائل بدوية غازية وعنيفة.
صحيح أن هدايت لم يبتكر النزعة العدائية تجاه العرب واليهود في الثقافة الفارسية الحديثة اذ سبقه الى ذلك كتاب ذوو شهرة مثل آخوندزاده وميرزا اقاخان كرماني وجلال الدين ميرزا قاجار ،وصحيح أيضا أنه قد أخفق في إعادة الروح لعناصر ميتة من التاريخ الإيراني واعتمادها كأس للهوبة الإيرانية الحديثة، لكن رغم كل ذلك كان هدايت بمستوى من الصدق مع الذات انه رفض أن يوظف شهرته وسمعته من أجل مكاسب مادية واعتبارية ،وحافظ على استقلاليته، ليس عن الاديولوجيات المستبدة في داخل بلاده فحسب، بل عن مؤسسات او دوائر غربية حاولت ان تستميله ضمن سياقات وأجندات تتعارض مع مشروعه التنويري . عبر هدايت عن رفضه الشديد لها كما في محاولات استمالته من قبل اثنين من رفاقه لمقربين للإقامة في لندن والكتابة لمحطة ال بي بي سي أو” التغزل بحاجبي الإمبراطورية الانجليزية”
على حد تعبير هدايت ذاته.
وبالقدر الذي يرفض فيه مقدسو هدايت نقد نزعته العنصرية التي أضرت بأفكاره التنويرية ،فأنهم يغضون النظر عن مواقف مشرفة في سيرته الذاتية كما في رسالته الى جوليو كوري بمناسبة المؤتمر الأول لـ “حركة السلام العالمي” 1949 في باريس
“الامبريالية حولت بلدنا الى سجن كبير،ان التعبير عن الرأي والتفكير السليم يعدان جريمة،إنني أمتدح اهتمامكم بالصلح”