تم إيقاف أقسام اللغات الأجنبية مؤقتا على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

المسار التفاوضي بين الحكومة السورية وقسد.. إلى أين؟

01/10/2025 - العقيد عبدالجبار العكيدي

أعيدوا لنا العلم

18/09/2025 - أحمد أبازيد

عودة روسية قوية إلى سوريا

17/09/2025 - بكر صدقي

لعبة إسرائيل في سوريا

10/09/2025 - غازي العريضي

من التهميش إلى الفاشية

10/09/2025 - انس حمدون

الوطنية السورية وبدائلها

04/09/2025 - ياسين الحاج صالح


مدينة الفنان لوتريك تعرض لوحاته "الفاضحة"الى جانب سياح يقرأون التاريخ بساحة كاتدرائية ألبي




ألبي (فرنسا) - أورليكه كولترمان - تومض أحجار كاتدرائية ألبي الواقعة جنوبي فرنسا بألوان متلألئة يختلط فيها البني بالأحمر وتغمر الأشعة الأخيرة للشمس الغاربة الواجهة الغربية لمبنى الكاتدرائية الهائل بضوء دافئ ، ويبدو كما لو كان ثمة وميض يتدفق من داخل الكنيسة.


الطاحونة الحمراء من اعمال الفنان الفرنسي لوتريك
الطاحونة الحمراء من اعمال الفنان الفرنسي لوتريك
وتعد كاتدرائية سان سيسيلي تحفة رائعة من المعمار القوطي ، غير أنه من الخطأ توقع رؤية مجرد صرح عملاق يرتفع إلى أعلى تكونه شبكة من الأحجار المزركشة وتسنده مجموعة من الأعمدة الرائعة ، فهذه الكنيسة تقف ككتلة هائلة من الأحجار تبدو كما لو كانت قد هبطت من السماء فوق تل يطل على نهر تارن.

ويعطي المبنى ، ببرج الأجراس المهيب الملحق به ونوافذه التي تشبه الفتحات التي تطل منها فوهات المدافع في الحصون ، انطباعا بأنه قلعة جبارة ، وتم إدراج مبنى الكاتدرائية ومركز المدينة القديم المحيط به في قائمة اليونسكو لمواقع التراث العالمي خلال هذا الصيف.

ويشبه الوجه الأسمر لعمدة مدينة ألبي فيليب بونكاريه إلى حد ما لون القرميد الذي بنيت منه أسقف منازل المدينة التي ظل عمدة لها طوال 15 عاما ، ولا تزال كاتدرائية ألبي تثير فيه الحماس كما لو كان يراها للمرة الأولى.

ويقول عمدة ألبي إن الكاتدرائية تتمتع بطراز معماري فريد خاص بها ، كما أن الممرات التي تفصل بين مقاعد المصلين بالكنيسة واسعة للغاية وطويلة بشكل غير عادي ، ويأتي هذا التصريح منه وهو يشير إلى الجدران الهائلة التي تدعمها أنصاف أعمدة مما يجعل سمكها يصل في بعض الأماكن إلى سبعة أمتار.

ويوضح بونكاريه أن قوة الجدران هي السبب في استمرار وجود الكنيسة دون حاجة إلى الدعامات الطائرة التقليدية الموجودة بالكنائس المشيدة على النمط القوطي المعماري.

ويمكن تفسير أن المبنى يشبه قلعة حصينة بأكثر مما يشبه دارا للعبادة بأن ذلك يرجع إلى أن المنطقة التي بنيت فيها الكاتدرائية كانت تموج بالاضطرابات وقتذاك.

ومن بين الوقائع الأخرى شهد المبنى حربا دامية ضد مذهب الكاثار المسيحي المتطرف الذي ينادي بالتطهر التام والزهد ، وكان هذا المذهب يمثل شوكة في جنب الكنيسة الكاثوليكية في العصور الوسطى وقت أن كان رجالها يعيشون في ترف. وأعلن البابا إنوسنت الثالث عام 1208 الحرب على أتباع مذهب الكاثار حيث كان يرى أن معتقداتهم تمثل خطرا متزايدا ، ثم أعلن أنهم من الملحدين.

ووقعت أخر معركة ضد أتباع هذا المذهب عام 1244 عند قلعة الكاثار في مونسيجور وتم قتل 200 من الأتباع حرقا بشكل جماعي.

وتم البدء في تشييد كاتدرائية ألبي عام 1282 وكان الهدف منها أن ترمز إلى انتصار الكنيسة الرسمية على طائفة الكاثار ومن جهة أخرى كانت تعبيرا عن حاجة الكنيسة الرسمية إلى حماية نفسها من الأعداء أيا كانوا.

وأضاف بونكاريه أن رسالة الكنسية مزدوجة ، فهي تقول أولا إننا انتصرنا وثانيا إننا نفهم ما تريد.

وكان الهيكل الهائل للكاتدرائية يرمز في المقام الأول للتعبير عن قوة الكنيسة ، ومن جهة أخرى فإنه أظهر الكنيسة في لون جديد من الوقار كما لو أنها قبلت في النهاية ، على الأقل لفترة من الزمن ، الانتقادات التي وجهتها إليها حركة مذهب الكاثار.

غير أنه في وقت لاحق بدأ القساوسة يولون مزيدا من الاهتمام مرة أخرى بالديكورات التي تتسم بالبذخ ، وتبدو البوابة الجنوبية التي تمت إضافتها على الطراز المعماري القوطي الفلمنكي شبيهة في شكلها بمنديل مطرز ملصوق على جيب زي عسكري مقاتل.

ومن ناحية أخرى فإنها تقدم إشارة لما تبدو عليه الكنيسة من الداخل حيث يقف البهو الداخلي الذي يتسم بالبذخ في تناقض مع ما يمثله الشكل الخارجي من وقار.

ويفصل ستار مزدان بالصلبان ساحة البهو الداخلي الطويل الذي لا يوجد به ممر عرضي أو جانبي بين مقاعد الكنيسة إلى قطاعين ، وهذا الستار المزدان بتماثيل رائعة وديكورات بسيطة يشبه خزانة كنز متعددة الأوجه.

ومن هذا المكان يتحدث القس لجمهور المصلين الذين يحجب الستار عنهم رؤية المذبح.
وقام الفنانون الإيطاليون بطلاء الأسقف المقوسة في القرن السادس عشر.

ويوضح العمدة بونكاريه أن القساوسة استطاعوا تحمل النفقات المرتفعة لهذه الأعمال الفنية لأنهم أصبحوا أثرياء من حصيلة الضرائب المفروضة على تجارة مساحيق الألوان ، وكان هناك طلب كبير في جميع أنحاء أوروبا على النباتات التي تستخرج منها صبغات الألوان خاصة الألوان الزرقاء ، وكان يتم تجفيف أوراق هذه النباتات ثم معالجتها وتحويلها إلى كرات صغيرة بحجم كف اليد.

ويقول العمدة إنه كان يطلق على هذه المساحيق كلمة "كوكاني" والتي أشتق منها مصطلح فرنسي يعني "أرض الوفرة والرفاهية".
ويقف بجوار الكاتدرائية مباشرة قصر الأساقفة الهائل المعروف باسم "قصر بيربي".

ومن المفارقات التاريخية أنه في هذا المكان تم عرض لوحات أشهر ابن للمدينة وهو الرسام هنري تولوز لاوتريك (1864­1901) والتي تصور بيوت الدعارة.

ومن حسن طالع مدينة ألبي أن متحف الفن الحديث في باريس رأى أن هذه اللوحات تتضمن تنويهات جنسية واضحة ، واليوم يتم في المدينة عرض نحو ألف من لوحات تولوز لاوتريك وهو ما يمثل ثلث إجمالي أعماله الفنية ، ويأتي إلى ألبي محبو الفنون من جميع أنحاء العالم لمشاهدة أعماله الفنية بما فيهم إمبراطور اليابان.

وقد اهتم لوتريك منذ عام 1893 بعالم المومسات وما من شك في أن مهارته في الرسم قد ساعدته في تمرير موضوعاته الجريئة جرأة تقانته الموازية. ومع أنه صوّر المواخير ونزلاءها إلاّ أنه أفلت بأعجوبة من مزالق السوقية كما نجد في لوحته (في صالون شارع الطواحين) (1894)، بألوان الباستل (الطباشير أو الألوان الحوارية) على ورق 111×132سم، وكان يعكف على رسم فنانات من الدرجة الثالثة لأنه كان يشعر معهن بحرية أكبر.

وأظهر لوتريك في مجموعة اللوحات التي رسمها في المواخير جانب الحياة البائسة. ولوتريك شأنه شأن القاص الفرنسي غي دي موباسان أحسن تصوير الفتيات بعفوية وطبيعية، ورسم الهدوء البرجوازي في تلك المواخير التي لا يرى المجتمع المرائي المنافق فيها سوى مرتعاً للجريمة والرذيلة والفحش. وقد صوّر لوتريك المواخير والسيرك بدون زبائن.

ومن أشهر لوحاته «امرأة جالسة على ديوان» و«الكونتيسة آدل في صالون مالرومي» و«يوم المناولة الأولى» و«حفل راقص في طاحون الغاليت» و«امرأة قبالة نافذتها» و«إيفيت غيلبير تحيّي جمهورها» و«الدكتور تابييه في الكوميدي فرانسيز».

ودفع طموح العمدة بونكاريه لإدراج ألبي في قائمة اليونسكو لمواقع التراث الثقافي العالمي إلى البدء في حملة لتحقيق هذا الهدف بمجرد توليه منصبه في منتصف التسعينيات من القرن الماضي.

وعندما حظيت ألبي بهذا الاعتراف الذي يتوق إليه كثيرون الصيف الماضي انطلقت المدينة تحتفل به في مهرجانات من الفرح ، وقرعت أجراس الكنائس لمدة عشرين دقيقة عند منتصف الليل ، وخلال الأسابيع القليلة الأولى زاد حجم تدفق السياح على المدينة بمعدل الثلث.

وعلق أحد رجال الأعمال المحليين على هذا الحدث قائلا :"إننا نفخر دائما بألبي وقد زاد معدل هذا الفخر الآن ، ونحن نسعد عندما نرى أي شخص يأتي لزيارة مدينتنا".

أورليكه كولترمان
الثلاثاء 9 نوفمبر 2010