
صورة من الداخل لمعبد موسى بن ميمون في القاهرة
لكن وبعد ما يقرب من 800 عام على وفاة موسى بن ميمون يبدو أن ما يفسد على أهل مصر، البلد الذي ألف فيها ابن ميمون الكثير من كتبه وتوفي فيها، حياتهم ويدفعهم إلى الحيرة هو تعارض أخر بين ما يراه الكثيرون صحيح العقيدة من جهة وبين متطلبات السياسة من جهة أخر. وقد ظهر هذا التعارض جليا في الأحداث التي صاحبت ترميم معبد ابن ميمون وافتتاحه.
استفزاز
بدأ الأمر مع الاتهامات التي اطلقتها بعض المنظمات اليهودية العالمية في عام 2009 للحكومة المصرية بإهمال الآثار والمعابد اليهودية. وقد تصادف توقيت الاتهامات مع حملة وزير الثقافة المصري فاروق حسني للترشح لرئاسة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة ( اليونسكو). وكان من بين الانتقادات الموجهة بحق المرشح المصري معارضته لتطبيع العلاقات الثقافية بين مصر وإسرائيل.
وفي رد فعل على الاتهمات قررت الحكومة المصرية ترميم معبد موسى بن ميمون القائم بحارة اليهود في حي الموسكي بالقاهرة. وعلى الرغم من نفي الدكتور زاهي حواس الأمين العام للمجلس الأعلى للأثار وجود أي علاقة بين ترميم المعبد وحملة وزير الثقافة المصري في انتخابات اليونسكو مشددا على أن الأثار اليهودية هي في الأساس مصرية مثلها مثل الأثار الفرعونية والقبطية والإسلامية فإن بعض الأصوات رأت في ترميم المعبد واحدة من التنازلات التي تقدمها الحكومة المصرية لدعم ترشيح وزير الثقافة.
واستمر العمل في ترميم المعبد لما يقرب من العام لينتهي العمل في مارس الماضي ولتبدأ أزمة افتتاح المعبد. فقد كان من المفترض أن يتم افتتاح المعبد رسميا في الرابع عشر من مارس الماضي بحضور ممثلين عن الجالية اليهودية في مصر ومسئولين مصريين. لكن الأمور لم تسر كما كان مخططا لها. حيث استبق أعضاء الجالية اليهودية المصرية الافتتاح الرسمي باحتفالات جرت لمدة ثلاثة أيام شارك فيها اعضاء من منظمات يهودية عالمية والسفير الإسرائيلي الجديد في القاهرة ونظيرته الأمريكية. لكن تلك الاحتفالات التي جرت تحت حراسة أمنية مكثفة لم تشهد أي مشاركة رسمية مصرية.
ثم اعلنت الحكومة المصرية إلغاء الافتتاح الرسمي للمعبد وهو ما فسره وزير الثقافة بأنه لم تعد هناك حاجة للافتتاح الرسمي للمعبد حيث ان الافتتاح الروحي الذي حضره حاخامات يهود يكفي. لكن رئيس المجلس الأعلى للأثار أشار إلى أن الإلغاء هو بمثابة احتجاجا على "ما حدث خلال افتتاح الطائفة اليهودية بمصر للمعبد من ممارسات تعد استفزازا لمشاعر مئات الملايين من المسلمين في مصر وكافة أنحاء العالم من رقص وتناول المشروبات الروحية بالمعبد." بحسب البيان الرسمي.
كما ندد حواس بضم إسرائيل كلا من الحرم الإبراهيمي بالخليل ومسجد بلال بن رباح إلى قائمة التراث اليهودي. وبين كلمات الوزير الدبلوماسية وعبارات رئيس مجلس الأثار المتوترة تظهر الأزمة التي تعاني منها مصر حكومة وشعبا في التعامل مع اليهود والدولة اليهودية. وهي الأزمة التي يمكن تتبعها أصولها إلى مئات الأعوام إلى زمن موسى بن ميمون.
طبيب صلاح الدين
وتميز تاريخ اسبانيا تحت الحكم الإسلامي بتسامح نسبي سمح بنوع من التعددية الدينية ونهضة ثقافية عقلية كان من أبرز روادها كلا من الفيلسوف المسلم ابن رشد ونظيره اليهودي موسى بن ميمون
وقد غادر موسى بن ميمون الأندلس، وهي البلد التي ولد في عاصمتها قرطبة عام 1138، وتوجه جنوبا إلى المغرب ثم شرقا إلى أن استقر في مصر التي كانت خاضعة لحكم صلاح الدين الأيوبي. وقد استفاد ابن ميمون من التسامح النسبي الذي تميز به حكم صلاح الدين مع المسيحيين واليهود خاصة في أواخر سنوات حكمه ليرتقي الفيلسوف الأندلسي إلى منصب كبير الطائفة اليهودية في مصر ويتولى منصب الطبيب الخاص بصلاح الدين.
ليلى مراد
وقد استمر وضع يهود مصر الجيد نسبيا مع توالي الحكام والأسر الحاكمة، ووصل إلى ذروته مع ما يعرف بالنهضة المصرية التي بدأت مع حكم محمد علي وانتهت مع نهاية حكم أخر احفاده الملك فاروق عام 1952. وسواء كان تحسن أوضاع اليهود وباقي الطوائف الدينية في مصر قد جاء نتيجة لضغوط خارجية كما يري البعض أو نتيجة لعوامل داخلية فإن يهود مصر ساهموا في نهضة البلاد في العديد من المجالات.
فها هو يعقوب صنوع يشارك في أرساء أسس المسرح المصري في القرن التاسع عشر وداود السيد يساهم في إثراء الحياة الموسيقة المصرية والتي من أبرز من أنجبت في تلك الفترة ليلي مراد اليهودية الأصل التي اعتنقت الإسلام لاحقا.
وفي السينما كان هناك راقية ابراهيم وكاميليا وتوجو مزراحي. وفي الملاعب الرياضية كان لفريق المكابيين باعا في كرة السلة المصرية.
أما المجال الأكثر تأثرا بالنشاط اليهودي فكان الاقتصاد. حيث لا تزال العديد من أسماء المحلات التجارية الكبرى في وسط العاصمة القاهرة مثل عدس وشيكوريل شاهدة على المد الاقتصادي اليهودي. كما كان ليهود مصر دورا في الحياة السياسية خاصة الحركة اليسارية المصرية التي كان من أبرز قيادتها قبل ثورة يوليو 1952 هنري كورييل وهاييل تشفايزر.
تعارض
لكن ومثلما دفعت الأحداث السياسية ابن ميمون إلى القدوم إلى مصر فإن السياسة كانت هي الدافع وراء مغادرة اليهود مصر. فقد كان من أثار حرب فلسطين 1948 وتأسيس دولة إسرائيل أن غادر اليهود مصر ليصل عددهم في وقتنا الحالي إلى بضعة عشرات بعد أن كانت مصر موطن لما يقرب من مئة ألف يهودي في ثلاثينيات القرن الماضي.
لكن الهجرة اليهودية من مصر لم تضع نهاية للعلاقة بين اليهود والمصريين وهي العلاقة التي يرجع تاريخها إلى النبي إبراهيم بحسب العهد القديم والقرأن. فالدولة اليهودية الجديدة تقف على الحدود مع مصر وهي الحدود التي شهدت سعير أ ربع مواجهات عسكرية بين مصر إسرائيل. ومع نهاية الحرب الأخيرة بين مصر وإسرائيل عام 1973 بدا النظام المصري عاقدا العزم على قبول الأمر الواقع والاعتراف بدولة إسرائيل، وهو ما تمثل في زيارة الرئيس المصري الراحل انور السادات للقدس وعقد اتفاقية كامب ديفيد للسلام 1979 لتكون مصر أول دولة عربية تقيم علاقات دبولوماسية مع إسرائيل.
لكن العلاقات الدبلوماسية المصرية الإسرائيلية لم يصاحبها تطبيع للعلاقات بين البلدين. فبعد مرور ما يزيد عن 30 عاما على معاهدة كامب ديفيد لا يزال العديد من المصريين يرون في إسرائيل عدوا وهو ما يرجع إلى فشل العلمية السلمية في الإراضي الفلسطينية والعنف المصاحب لفشل التسوية السلمية وهو ما صاحبه تنامي للشعور الديني في البلاد.
لكن الأزمة ليست في حب إسرائيل أو كراهيتها بل في التعارض بين موقف شعبي وتوجه سياسي للنظام. ففي الوقت الذي أظهر استطلاع للرأي أجراه مركز المعلومات برئاسة الوزراء المصرية عام 2008 أن 78% من المشاركين عبروا عن كراهيتهم لإسرائيل، يعمل النظام المصري على تعزيز علاقاته الاستراتيجية بإسرائيل مستشهدا بالتاريخ الذي يدعم وجه النظر التي تري أن معاداة الدولة العبرية لم يصاحبها أي نجاح سياسي.
ولعل مشهد افتتاح معبد بن ميمون يعكس سياسة النظام المصري في التعامل مع إسرائيل. فالاحتفالات شهدت مشاركة السفير الإسرائيلي المعتمد من قبل الحكومة المصرية وسط حراسة أمنية مشددة لكن بدون أي حضور لأي شخصية رسمية مصرية. ولا يبدو أن المستقبل القريب سيشهد أي تغير في طبيعة العلاقة بين مصر وإسرائيل سواء على المستوى الشعبي أو الرسمي
استفزاز
بدأ الأمر مع الاتهامات التي اطلقتها بعض المنظمات اليهودية العالمية في عام 2009 للحكومة المصرية بإهمال الآثار والمعابد اليهودية. وقد تصادف توقيت الاتهامات مع حملة وزير الثقافة المصري فاروق حسني للترشح لرئاسة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة ( اليونسكو). وكان من بين الانتقادات الموجهة بحق المرشح المصري معارضته لتطبيع العلاقات الثقافية بين مصر وإسرائيل.
وفي رد فعل على الاتهمات قررت الحكومة المصرية ترميم معبد موسى بن ميمون القائم بحارة اليهود في حي الموسكي بالقاهرة. وعلى الرغم من نفي الدكتور زاهي حواس الأمين العام للمجلس الأعلى للأثار وجود أي علاقة بين ترميم المعبد وحملة وزير الثقافة المصري في انتخابات اليونسكو مشددا على أن الأثار اليهودية هي في الأساس مصرية مثلها مثل الأثار الفرعونية والقبطية والإسلامية فإن بعض الأصوات رأت في ترميم المعبد واحدة من التنازلات التي تقدمها الحكومة المصرية لدعم ترشيح وزير الثقافة.
واستمر العمل في ترميم المعبد لما يقرب من العام لينتهي العمل في مارس الماضي ولتبدأ أزمة افتتاح المعبد. فقد كان من المفترض أن يتم افتتاح المعبد رسميا في الرابع عشر من مارس الماضي بحضور ممثلين عن الجالية اليهودية في مصر ومسئولين مصريين. لكن الأمور لم تسر كما كان مخططا لها. حيث استبق أعضاء الجالية اليهودية المصرية الافتتاح الرسمي باحتفالات جرت لمدة ثلاثة أيام شارك فيها اعضاء من منظمات يهودية عالمية والسفير الإسرائيلي الجديد في القاهرة ونظيرته الأمريكية. لكن تلك الاحتفالات التي جرت تحت حراسة أمنية مكثفة لم تشهد أي مشاركة رسمية مصرية.
ثم اعلنت الحكومة المصرية إلغاء الافتتاح الرسمي للمعبد وهو ما فسره وزير الثقافة بأنه لم تعد هناك حاجة للافتتاح الرسمي للمعبد حيث ان الافتتاح الروحي الذي حضره حاخامات يهود يكفي. لكن رئيس المجلس الأعلى للأثار أشار إلى أن الإلغاء هو بمثابة احتجاجا على "ما حدث خلال افتتاح الطائفة اليهودية بمصر للمعبد من ممارسات تعد استفزازا لمشاعر مئات الملايين من المسلمين في مصر وكافة أنحاء العالم من رقص وتناول المشروبات الروحية بالمعبد." بحسب البيان الرسمي.
كما ندد حواس بضم إسرائيل كلا من الحرم الإبراهيمي بالخليل ومسجد بلال بن رباح إلى قائمة التراث اليهودي. وبين كلمات الوزير الدبلوماسية وعبارات رئيس مجلس الأثار المتوترة تظهر الأزمة التي تعاني منها مصر حكومة وشعبا في التعامل مع اليهود والدولة اليهودية. وهي الأزمة التي يمكن تتبعها أصولها إلى مئات الأعوام إلى زمن موسى بن ميمون.
طبيب صلاح الدين
وتميز تاريخ اسبانيا تحت الحكم الإسلامي بتسامح نسبي سمح بنوع من التعددية الدينية ونهضة ثقافية عقلية كان من أبرز روادها كلا من الفيلسوف المسلم ابن رشد ونظيره اليهودي موسى بن ميمون
وقد غادر موسى بن ميمون الأندلس، وهي البلد التي ولد في عاصمتها قرطبة عام 1138، وتوجه جنوبا إلى المغرب ثم شرقا إلى أن استقر في مصر التي كانت خاضعة لحكم صلاح الدين الأيوبي. وقد استفاد ابن ميمون من التسامح النسبي الذي تميز به حكم صلاح الدين مع المسيحيين واليهود خاصة في أواخر سنوات حكمه ليرتقي الفيلسوف الأندلسي إلى منصب كبير الطائفة اليهودية في مصر ويتولى منصب الطبيب الخاص بصلاح الدين.
ليلى مراد
وقد استمر وضع يهود مصر الجيد نسبيا مع توالي الحكام والأسر الحاكمة، ووصل إلى ذروته مع ما يعرف بالنهضة المصرية التي بدأت مع حكم محمد علي وانتهت مع نهاية حكم أخر احفاده الملك فاروق عام 1952. وسواء كان تحسن أوضاع اليهود وباقي الطوائف الدينية في مصر قد جاء نتيجة لضغوط خارجية كما يري البعض أو نتيجة لعوامل داخلية فإن يهود مصر ساهموا في نهضة البلاد في العديد من المجالات.
فها هو يعقوب صنوع يشارك في أرساء أسس المسرح المصري في القرن التاسع عشر وداود السيد يساهم في إثراء الحياة الموسيقة المصرية والتي من أبرز من أنجبت في تلك الفترة ليلي مراد اليهودية الأصل التي اعتنقت الإسلام لاحقا.
وفي السينما كان هناك راقية ابراهيم وكاميليا وتوجو مزراحي. وفي الملاعب الرياضية كان لفريق المكابيين باعا في كرة السلة المصرية.
أما المجال الأكثر تأثرا بالنشاط اليهودي فكان الاقتصاد. حيث لا تزال العديد من أسماء المحلات التجارية الكبرى في وسط العاصمة القاهرة مثل عدس وشيكوريل شاهدة على المد الاقتصادي اليهودي. كما كان ليهود مصر دورا في الحياة السياسية خاصة الحركة اليسارية المصرية التي كان من أبرز قيادتها قبل ثورة يوليو 1952 هنري كورييل وهاييل تشفايزر.
تعارض
لكن ومثلما دفعت الأحداث السياسية ابن ميمون إلى القدوم إلى مصر فإن السياسة كانت هي الدافع وراء مغادرة اليهود مصر. فقد كان من أثار حرب فلسطين 1948 وتأسيس دولة إسرائيل أن غادر اليهود مصر ليصل عددهم في وقتنا الحالي إلى بضعة عشرات بعد أن كانت مصر موطن لما يقرب من مئة ألف يهودي في ثلاثينيات القرن الماضي.
لكن الهجرة اليهودية من مصر لم تضع نهاية للعلاقة بين اليهود والمصريين وهي العلاقة التي يرجع تاريخها إلى النبي إبراهيم بحسب العهد القديم والقرأن. فالدولة اليهودية الجديدة تقف على الحدود مع مصر وهي الحدود التي شهدت سعير أ ربع مواجهات عسكرية بين مصر إسرائيل. ومع نهاية الحرب الأخيرة بين مصر وإسرائيل عام 1973 بدا النظام المصري عاقدا العزم على قبول الأمر الواقع والاعتراف بدولة إسرائيل، وهو ما تمثل في زيارة الرئيس المصري الراحل انور السادات للقدس وعقد اتفاقية كامب ديفيد للسلام 1979 لتكون مصر أول دولة عربية تقيم علاقات دبولوماسية مع إسرائيل.
لكن العلاقات الدبلوماسية المصرية الإسرائيلية لم يصاحبها تطبيع للعلاقات بين البلدين. فبعد مرور ما يزيد عن 30 عاما على معاهدة كامب ديفيد لا يزال العديد من المصريين يرون في إسرائيل عدوا وهو ما يرجع إلى فشل العلمية السلمية في الإراضي الفلسطينية والعنف المصاحب لفشل التسوية السلمية وهو ما صاحبه تنامي للشعور الديني في البلاد.
لكن الأزمة ليست في حب إسرائيل أو كراهيتها بل في التعارض بين موقف شعبي وتوجه سياسي للنظام. ففي الوقت الذي أظهر استطلاع للرأي أجراه مركز المعلومات برئاسة الوزراء المصرية عام 2008 أن 78% من المشاركين عبروا عن كراهيتهم لإسرائيل، يعمل النظام المصري على تعزيز علاقاته الاستراتيجية بإسرائيل مستشهدا بالتاريخ الذي يدعم وجه النظر التي تري أن معاداة الدولة العبرية لم يصاحبها أي نجاح سياسي.
ولعل مشهد افتتاح معبد بن ميمون يعكس سياسة النظام المصري في التعامل مع إسرائيل. فالاحتفالات شهدت مشاركة السفير الإسرائيلي المعتمد من قبل الحكومة المصرية وسط حراسة أمنية مشددة لكن بدون أي حضور لأي شخصية رسمية مصرية. ولا يبدو أن المستقبل القريب سيشهد أي تغير في طبيعة العلاقة بين مصر وإسرائيل سواء على المستوى الشعبي أو الرسمي