تم إيقاف أقسام اللغات الأجنبية مؤقتا على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

أعيدوا لنا العلم

18/09/2025 - أحمد أبازيد

عودة روسية قوية إلى سوريا

17/09/2025 - بكر صدقي

لعبة إسرائيل في سوريا

10/09/2025 - غازي العريضي

من التهميش إلى الفاشية

10/09/2025 - انس حمدون

الوطنية السورية وبدائلها

04/09/2025 - ياسين الحاج صالح


مهدي بندق : انتبهوا رب ُّ الكون إله ُ أحياء وليس إله َ أموات




لندن - فقد الزميل مهدي بندق زوجته الشاعرة فوزية شبل التي عاش معها سنوات عمره كلها كما يقول في رثائية كتبها بحبر الروح واذا تتقدم أسرة تحرير "صحيفة الهدهد الدولية "بأحر التعازي للزميل مهدي بندق بفقيدته تنشر مع تعازيها ما قاله مهدي بندق في الراحلة مع بعض قصائدها


مهدي بندق : انتبهوا  رب ُّ الكون إله ُ أحياء وليس إله َ أموات
في اليوم الخامس، دخلت غرفتها محييا ً ..ناشدتها أن تبل ريقي كما تعودت طوال خمسين عاما هي عمرنا كله ، وعائدا ً إلى غرفتي قررت ألا أستجيب لإغراء قرص المهدئ ، وعلى غير العادة لفــّـني الكرى بمُلاءة رقيقة حانية ، فرأيت فيما يرى النائم كأننا مسافران . تلك هي القاهرة ونحن نزيلان بفندق من فنادقها ..وقد جاءنا الصبح فهبطنا معا ً دون أن نتناول الفطور ، كانت ترتدي تنورةً وبلوفر خفيفاً ولم يكن ثمة روماتويد !!


قالت إنها سوف تسبقني قليلا ً، ومضت رشيقة جليلة شامخة كعادتها .. رأيتني أقف أمام محل تفوح من فترينته رائحة شهية ، طلبت شطيرة كبد ثم أخرى فثالثة حتى شبعت ، بعد خطوات كان بائع كتب قديمة يعرض بضاعته على رصيف الشارع فانحنيت أقلب فيها، شدني كتاب تهرأت بعض صفحاته ، سألت البائع : بكم ؟ قال : جنيهان فقط . فنقدته ما طلب وفجأة ً خطر بنفسي أنها ابتعدت فكيف العثور عليها ؟! فأجابتني النفس : إنها ذكية ، تعرف طريقتك في التفكير، وهكذا قادتني قدماي إلى أول " مكتبة " في الميدان .

يا ربنا يا رحيم ! هاهي ذي بالفعل واقفة تتطلع عبر زجاج المكتبة الخارجي إلى الكتب المعروضة ، فشددت إليها الخطى حتى تلامست كتفانا.. حينئذ ابتسمت هي قائلة : لعلي أسرعت ولكني كنت على يقين أنك من الذكاء بحيث تبحث عني هنا .

عند الصحو شعرت بكل كياني كما لو أن الدين والفلسفة والفيزياء الحديثة قد تداخلت حقائقها وصارت جديلة واحدة لا سبيل إلى تفكيكها .

لم تعد عندي مصداقية للمادية الغليظة التي تزعم أن "الفكرة "محض انقداح عصبويات مصدره الطاقة المستخلصة من الطعام والشراب والأوكسجين ..فما بين الدلالة الرقمية للمدخلات وبين المخرجات الشعورية فجوة ٌ محال اجتيازها إلا ... بماذا ؟ إلا بأمر ٍ من كائن أعلى هو وحده المؤلف والمترجم .

لو أن الحياة مجرد تطور " مادي " للطبيعة للزم أن نكون كائنات " ماتركسية " Matrix لا تشعر ولا تفكر ، ولو قيل : بل الطبيعة أرادتنا مفكرين وشعراء ، لقلنا : إذن فالطبيعة كائن حي قيوم .فلماذا نعزو للظاهر صفاتٍ لا تثبت إلا للباطن ؟ ولماذا نسمح للغياب الظاهري أن يلفتنا عن الحضور في الأسطورة والسريرة والرؤيا والحلم ؟

للموت أن يستصفي الجسد َ الذي هو من تراب ليعيده إلى موطنه " التراب" ولا تثريب عليه إذ يفعل .

تلك تجربة الجسد مع أمه الطبيعة ، وهي تجربة بالطبع متسقة مع خلقتها .أما الروح التي تحب وتعشق وتكابد الشوق ، الروح التي تراها في لمعة العين حين تتذكر وحين تهفو ، وتراها في رعشة الشفة المرتقبة للملامسة الحانية ، الروح التي ُسمـًيَ بها عيسى وجبريل والقرآن ، فلا مندوحة من أن نسأل عنها خارج أنساق الذرات والإلكترونات والفوتونوات والكوارك ( وهي في التحليل الأخير محض تصورات ذهنية ) وحين يصل سؤالنا على نهاية رحلته ؛ نجد الجواب حاضرا ً مهيمنا ً معبرا ً أجمل وأحكم تعبير : قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا.

للحاسوب السوبر أن يترجم إلى اللغة الصينية قصيدة أمل دنقل عن الزهور التي تتمنى له العمر وهي تجود بأنفاسها الآخرة ، نعم سوف يترجمها بدقة لو ُأعطى شفرة اللغتين العربية والصينية ، ولكنّ المحال هو أن يشعر بمعانيها الحاسوبُ أو يرق لها أو تدمع أمامها عيناه .

فما هو منبع هذا الشعور المنبثق من التجربة الروحية العابرة للفجوة ..والتي تشيح ببصيرتها عن الموت ؟ يقول لنا يسوع : إن الخالق ليس إلهَ موتي ، بل هو إلهُ أحياء . وهو ما يعني أننا ما دمنا قد ُمنحنا نعمة الحياة فلا شك في أن المعطي كان كريما ً كرما ً مطلقا ً، ومن كانت هذه صفته فلا يتصور أن يضع لكرمه حدودا ً ، خاصة ً مع مخلوقاته المحبة له والمعترفة بفضله ، وما دام هو قد متع هذه المخلوقات مرة بهذه النعمة ، بل وأضاف إليها نعمة الأمل في ألا تفنى ؛ فما من شك في أنه سوف يواصل نعماءه الدهر دون انقطاع .

الفناء إذن وهمٌ إلا لمن تنكب طريق الحي القيوم ، مرتضيا ً بالعاجلة ظالما ً لنفسه ولغيره ، جاحدا ً فضل الخالق ومنكرا ً حقيقة البعث ، متكالبا ً على الشهوات والدنايا متصورا ً أنه لن يموت .بيد أن مثل هذا المخلوق حين يموت فإنه يموت حقا ً ، فلا ظلم له أن يكون الفناء مصيره ، ولا تعزية له عما اختار بنفسه من إنكار لحق الله وحق الناس.

عن آلام الروماتويد الذي صاحبها بعنف وضراوة ثلاثين عاما ً حتى أعجزها في العامين الماضيين تماما ً عن الحركة ؛ كانت فوزية تقول:هذا عطاء الله ، وأنا أحمده وأشكره أن اختار لي هذا المرض لأفتدي به زوجي وولديّ وأحفادي ، وأخوتي أيضا ً.عندئذ كنت أتذكر بدر شاكر السياب -هيكلا ً عظميا ً على بلاط عنبر المستشفى الأميري في بغداد – راقدا ًيترنمُ :

لك الحمد مهما استطال البلاء

ومهما استطال الألم

لك الحمد إن الرزايا عطاء

وإن المصيبات بعض الكرم .

فكانت فوزية تبكي قائلة : أرأيت ؟ كان يتألم وحيدا ً فأية وجيعة هذه ؟ ومع ذلك فأنا واثقة من أن رحمة الله شملته في لحظاته الأخيرة . وأنا مطمئنة بربي مثل بدر الجميل ، وكل ما أطمع فيه ألا يفجعني في أحد منكم .

وهاهو القدير قد استجاب لها ، والأكثر أنه منحنا شيئا ً هائلا ً من العزاء .. كيف ؟ لم يستغرق وقت الرحيل أكثر من دقيقة ، طلبت ماء فسقيتها ثم سألتها بلوعة من يعلم أن اليتم سوف يدركه حالا ً : ماذا يوجعك يا حبيبتي ؟ فردت بابتسامة صافية عجيبة : لا شئ على الإطلاق ، أنا ذاهبة ليس إلا .

أرقدتها على الأريكة ووضعت شفتي على شفتيها محاولا ً نفخ بعض "هوائنا" الأرضي في فمها . حين كنا نتشاجر كانت تصالحني قائلة " إنتي زعلانة ؟ " فلا أجد مناصا ً من الضحك قائلا : لا .. فكانت تبادرني بسؤال أكثر مدعاة للضحك : ولماذا لا ؟!

ومنذ يومين وأنا في قبضة غفوة قصيرة سمعتها تكرر معي هذه "اللعبة " الطريفة ، ولكنها أضافت جملة مذهلة هذه المرة . قالت : ألم أقبلك قبل أن أمضي ؟





آخر قصائد فوزية شبل ( منشورة بالعدد 46 شتاء 2011 – مجلة تحديات ثقافية )



الحاجة زمرد

صورة وصفية





الشمس كورة فوق جبال النهار

ادحرجت وقعت على حجري

بسمة عنيها الدهب دي شبكتي ومهري



لعبوا البنات السيجة في العصرية

شربوا الولاد م القلل وطرطشوا الميه

خللوا السواقي اتحزمت للرقص

والميه جارية بالصبا فوق لا حجاب ولا طرحة

توشوش النسمة اللي فوق شعر المسا سارحة

وتبوس خدود الليل ونجومه ما شا الله

شافها القمر واندهش

قام عا النبي صلى



- احنا ضحكنا كتير ؟ يا أمنا مالك ؟

- خير يجعله بس ادخلوا ناموا

الأب مات والعم قبله وخالكو قدامه

وسنين سنين الحزن فوق الضهر

والصبر مفتاح انكسر م القهر



باتت تعيط كأن الفرح موش لينا وله ناسه

وكأن بيتنا الغيط والحزن كان فاسه



ليلي ياعيني آه وآه يا ليل يا عين

الناس بتمشي لأمام لكننا احنا

خطوتنا ترجع ورا والفرح يجرحنا

عاشقين دموع الأسى باكيين على روحنا

إمتى نلاقي الدوا وندوس على المحنة



سألت برد الليل ،

الزمهرير قاللي :

لما حنعرف سوا

مين اللي داب...احنا




مهدي بندق
الخميس 3 نوفمبر 2011