تم إيقاف أقسام اللغات الأجنبية مؤقتا على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

أعيدوا لنا العلم

18/09/2025 - أحمد أبازيد

عودة روسية قوية إلى سوريا

17/09/2025 - بكر صدقي

لعبة إسرائيل في سوريا

10/09/2025 - غازي العريضي

من التهميش إلى الفاشية

10/09/2025 - انس حمدون

الوطنية السورية وبدائلها

04/09/2025 - ياسين الحاج صالح


موهبة الرسم تتغلب على الإعاقة ... مدفوعةً بجهود مجموعة من المساهمين




بيروت - فاديا عازار - تمكن " المتوحد"علي طليس من صعود أولى درجات سلم الفن عارضاً لوحاته الأولى مؤخرا في بيروت ، متكئا على جهود مجموعة من المساهمين ابتداءً بأصحاب الجاليري ، وشركة "ألفا "للاتصالات ، و الـ"جمعية اللبنانية للأوتيسم التوحد".


موهبة الرسم تتغلب على الإعاقة ... مدفوعةً بجهود مجموعة من المساهمين
و"التوحد" هو عجز ، يعيق تطوير المهارات الاجتماعية ، ويحول دون استيعاب المخ للمعلومات ، ويؤدى إلى مشاكل في اتصال الشخص مع المحيطين به ، وإلى اضطرابات فى اكتساب مهارات التعلم والسلوك الاجتماعي.

تغلبت موهبة طليس الذي يعاني من مرض "التوحد" ، على الإعاقة وبدت لوحاته متألقةً في جاليري "مارك هاشم" ،حيث تحلق حوله مجموعة من الأخصائيين والمساهمين والمتذوقين والفنانين والإعلاميين الذين آمنوا بالإبداع فرعوا موهبة ً لم تلبث أن تبدت فيها ملامح فنان واعد ، كما وصفها أصحاب الإختصاص .

كان علي الذي يبلغ من العمر 21 سنة ، يتنقل بين الحضور في الجاليري ، يشرح لهم عن لوحاته ويلتقط الصور معهم ، يحدث هذا ويتعرف إلى ذاك ، سائلاً عن اسم محدثه ، مخاطباً إياه كأن على معرفةً به منذ أعوام كثيرة .

وقال لوكالة الأنباء الألمانية(د.ب.أ) "أحب الرسم كثيراً ، رسمت هنا فصول السنة الأربعة الشتاء والربيع والخريف والصيف وأحب الغناء كذلك ، وخاصة أغنيات فيروز "شايف البحر شو كبير، إمي نامت عا بكير ، وسألتك حبيبي " . وتابع علي " أنا سعيد وأريد أن أضحك". وقالت الأخصائية النفسية منال عبود لوكالة الأنباء الألمانية " يظهر التوحد في عمر مبكر ومن المهم اكتشافه باكراً للتمكن من علاجه بطريقة أفضل".

وتابعت عبود "يتصف التوحد بوجود تأخر فى اكتساب اللغة لدى الطفل وضعف فى العلاقات الاجتماعية مع من حوله ، أيضا يعاني الطفل من خلل في السلوك ويتصرف بعنف تجاه نفسه وتجاه الآخرين ".
وأضافت عبود " التوحد هو مرض وراثي وسببه يرجع إلى خلل دماغي ، تقتصر معالجته حالياً على محاولة تأمين اندماج الطفل في محيطه حيث لم يتمكن الأخصائيون حتى الآن من اكتشاف علاج شافٍ له ".

وأوضحت عبود أن عملية دمج "المتوحد" في المجتمع " تحتاج إلى الكثير من الجهد المتواصل من قبل فريق عمل متخصص يبدأ بطبيب الأطفال، ثم المعالج النفسي ومعالج النطق والمدرس المتخصص والمعالج النفسي – الحركي والطبيب النفسي ".

ويُظهر الأشخاص الذين يعانون من التوحد اهتمامات رتيبة، نمطيّة، وتبدر عنهم حركات غير هادفة ومتكررة ، وغالباً ما لا يتفاعلون مع أهلهم بشكل طبيعي بل يظهرون كأنهم ُصمّ لا يسمعون أو بُكم لا ينطقون .

وقالت هلا طليس والدة علي التي كانت تشارك في المعرض لوكالة الأنباء الألمانية أنها "عانت الكثير مع أسرتها لتتمكن من التأقلم مع حالة علي وخاصةً في مرحلة الطفولة الأولى ولكن حاله بدأت بالتحسن منذ عمر العشر سنوات وما فوق".

وأضافت " ابتداءً من عمر العشر سنوات بدأ علي يرسم وكانت رسوماته في البداية مقتصرة على بعض الوجوه والبيوت ، وكان يحب أن يلعب بالمعجون ، ومنذ سنتين بدأ يرسم اللوحات ، ثم نفذ خلال هذا العام مجموعة من اللوحات هي تلك التي نراها هنا في المعرض ".

وأشارت إلى أن " الجمعية اللبنانية للتوحد" ساهمت بتأهيل علي من خلال عدد من الأخصائيين الذين كانوا يتابعونه".
ويرى باحثون مختصون أن بعض المصابين بمرض "التوحد " يمتلكون موهبةً ما ، خاصةً في الفن وفي الحساب.

وقالت رئيسة" الجمعية اللبنانية للأوتيسم التوحد" أروى الأمين حلاوة لوكالة الأنباء الألمانية(د.ب.أ) "علي هو أحد تلامذة مؤسستنا منذ 10 سنوات ، ولاحظنا أنه يمتلك ذاكرة نظرية قوية جداً وأنه يحب الرسم والغناء ".

وأضافت "حاولنا مساعدته وتنمية قدراته ولكن عملية إطلاق موهبته كانت بمساهمة من شركة (ألفا ) التي مولت مشروع إطلاقه وغطت تكاليف تنفيذ اللوحات ، كما ساهمت نقيبة الجرافيك في لبنان ريتا مكرزل في إطلاق موهبة علي حيث تطوعت لتدريبه على تقنيات الرسم على مدى ستة أسابيع ، فكان المعرض نتيجة هذه الجهود ".

وتابعت " الهدف من هذا المعرض هو التأكيد على أن بعض مرضى "التوحد" موهوبون فنياً ويمكنهم أن ينجزوا فناً راقياً كغيرهم من الفنانين إذا تمت رعايتهم بشكل جيد ، وعلينا أن نكتشف مكامن القوة التي يمتلكها "المتوحدون "لإبرازها وإظهارها ، لأن بعضهم يمتلك مواهب حقيقية ". ولفتت إلى أنه "لا توجد إحصاءات رسمية عن عدد "المتوحدين " في لبنان ، إلا أن معلومات "الجمعية اللبنانية للأوتيسم التوحد" تشير إلى وجود أكثر من 450 حالة ، وهذا العدد مرشح للإرتفاع ".

وقالت إن "وزارة الشؤون الإجتماعية تساهم بقيمة 25 % من كلفة علاج المتوحدين الذين ترعاهم الجمعية "مشيرةً إلى ارتفاع كلفة العلاج في لبنان حيث "لا قدرة لذوي الدخل المحدود على تغطيتها ، بسبب حاجة كل مريض إلى فريق عمل متخصص". وأشارت إلى أن الجمعية" تقوم ببعض النشاطات الريعية لتغطية كلفة علاج بعض الأولاد الذين لا تتمكن أسرهم من معالجتهم كما أنها تعتمد على بعض التبرعات .

وأملت حلاوة من خلال بيع مجموعة لوحات لعلي أن تتمكن الجمعية من إطلاق مواهب أخرى لـ"متوحدين" لا زالوا بانتظار أن تأتيهم الفرصة المناسبة ، لأن هدف الجمعية "هو تشجيع عملية دمج المتوحدين داخل المجتمع".

وقال رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة" ألفا" للإتصالات, مروان حايك ، لوكالة الأنباء الألمانية "أن مساهمة شركة ألفا في هذا الحدث تأتي من ضمن استراتيجية الشركة في العمل الإجتماعي ". وأوضح حايك أن شركة "ألفا" تساعد الأطفال الذين يعانون من مشاكل في التواصل مع المجتمع خاصةً في الكلام والسمع لأعادة دمجهم في المجتمع ".
وأضاف إن مساهمة الشركة في هذا الحدث تأتي في إطار "تسليط الضوء على المشاكل التي تعاني منها هذه الشريحة من الأطفال في لبنان من أجل تأمين الدعم اللازم لهم لأنهم بحاجة إلى دعم مادي متواصل ".

ويعتبر بعض المراقبين أن عدد المتوحدين في لبنان أكبر بكثير من المعلن عنه وذلك بسبب خجل الأهالي الذين يخفون أولادهم تحت ضغط الثقافة السائدة .
وقال مارك هاشم صاحب الجاليري لوكالة الأنباء الألمانية " تستقبل الجاليري الفنانين ذوي التجربة المسبقة والموهبة الكبيرة وأولئك الذين نرغب بدعمهم وتسويق أعمالهم ".
وأضاف "عندما رأينا أعمال علي ، وجدنا أنه يمتلك موهبة حقيقية وهو يمتلك تقنية سليمة وكل المقومات التي تجعل منه فناناً يمكن أن يصبح في يوم من الأيام ذا شهرة واسعة ، ولذلك قررنا أن ندعمه ".

وقال هاشم "كل المشاركين في هذا المشروع قدموا وقتهم وكل ما يملكون ، وأنا أيضاً كانت لي مساهمتي ، وقدمت صالة العرض مجاناً ، ولكني حصلت بالمقابل على الشعور بالإكتفاء من خلال مساعدة الآخر الذي يحتاج للمساعدة". وقالت نقيبة محترفي الفنون التخطيطية والرسوم التعبيرية في لبنان ريتا مكرزل التي درّست علي الرسم لمدة شهر ونصف "إن علي موهوب" .

ورأت مكرزل من خلال تجربتها مع مرضى "التوحد" أن هناك العديد من المتوحدين الموهوبين .
ورأت " إن هذا المشروع يجعلنا نرى ونصدّق مع أهل "المتوحدين" الذين يخجلون بأولادهم ويخبئونهم أحياناً، أن هؤلاء الأولاد يمكن دمجهم في المجتمع وان بعضهم موهوب بشكل حقيقي ".
وأضافت "من خلال الأرباح التي سيجنيها علي ، سيدفع تكاليف رعايته ، وسيتبنى ولدين "متوحدين " لديهم موهبة وينمي موهبتهما ".

وقالت مكرزل "لقد تعلمت الكثير من علي الذي يرسم بشكل عفوي وتلقائي ، بينما نحن نضع أنفسنا في قوالب لا نعرف كيف نخرج منها ".
وعلى الرغم من المعاناة التي يفرضها واقع مرض "التوحد" على المصاب وعلى أهله ، إلا أن التجربة التي خاضها علي ، تؤكد أن هناك إمكانية حقيقية لدمج المتوحدين في المجتمع ، والإضاءة على مواهبهم ، وجعلهم عناصر إجتماعية فاعلة بدل إخفائهم والخجل بهم .

لكن وضع هؤلاء المرضى في أماكنهم الصحيحة داخل المجتمع ، يتطلب انتشاراً للوعي والجهد ، يبدأ من الأسرة ولا ينتهي بمؤسسات الرعاية ومؤسسات المجتمع المدني.

فاديا عازار
الاحد 31 يوليو 2011