رسم ل سعدي الشبرازي
و من بين اوراق العمل المقدمة في الندوة ، ورقة بعنوان "تاملات في مواعظ سعدي الشيرازي" للكاتبة القطرية د.هدى النعيمي و قد حصلت "الهدهد" على الورقة و تنشرها كاملة :
انها روح مصلح الدين بن شرف الدين التي ترفرف في سماء الدوحة حاملة معها من شيراز القريبة منا جغرافيا وثقافيا إرث ذلك الشاعر والمصلح الإجتماعي الكبير الذي لا يضيره أن ابدأ الحديث عنه بمقتطف من مواطنه ،وجاره حافظ الشيرازي فذلك الثنائي ومعهما عبد الرحمن الجامي ومحيي الدين بن عربي يشكلون أصل شجرة التسامح الإسلامية التي ازدهرت في أوج تفتح تلك الحضارة التي ازدهرت شرقا ،وغربا في العصر الوسيط وقدمت للثقافة الإنسانية أبرز رموز التعايش.. يقول حافظ في بيت شهير :
راحة العالمين تفسير هذين الكلمين
مرؤة مع الأصدقاء وتسامح مع الأعداء
وقد كان سعدي الشيرازي رغم العصر المضطرب والعنيف الذي عاش فيه نموذجا للتسامح الذي لا يفرط بحقوق التراب والعقيدة فسيرته الذاتية توضح كيف سار بشجاعة ليخوض الحرب ضد الحملات الصليبية ،وكيف وقع في الأسر الى أن افتداه تاجر دمشقي ليعود وقد أغتنت تجربته بمعرفة الآخر ،فالعدو في حالته لم يكن عدوا نظريا مجردا ولكنه مقاتل من لحم ودم تم توظيفه في صراع الارادات لصالح سياسات ارتدت ،وما تزال لبوس الدين والعقيدة لذا نرى أن تسامح سعدي في أفكاره ومواقفه اللاحقة لم يكن معزولا عن معرفته بالطبيعة البشرية فهو القائل :
" جميعهم من أبناء آدم لكنهم كانوا من حيث التعطش للدماء ذئابا حادة المخالب "
ولعله مما يعلي من شأن معرفة سعدي بالطبيعة الانسانية معرفته لها عن قرب بمختلف أجناسها وتركيزه الدائم على جوهرها فقد جال ذلك الشاعروالمتصوف الكبير في بلاد الله ثلاثين عاما ،وما بين الشام واليمن والهند وبلاد الروم تشكلت رؤاه ولم يعد بالامكان خداعه ،وصار يعرف ان لسمو الروح البشرية حدودا وضوابط يؤطرها مجتمع وثقافة وذوق ومطالب اجتماعية ونفسية أوليس هو القائل في مواعظه :
" لا تطلب بياضا يزيد عن الحد فانه يكره كراهية السواد "
ولا يعتمد سعدي في معرفة الآخر على التحليل النفسي وحده إنما على أحكام المنطق وبوصلة العقل وتلك مسألة ألتبست على بعض دارسي الجانب العرفاني في الثقافة الاسلامية الذين ظنوا أن تلميذ شهاب الدين السهروردي والجنيد ،واحد أحفاد عبد القادر الجيلاني إنما يصدر في أحكامه ورؤاه عن فيض روحاني خالص لا يقيم للعقل كبير وزن ولو دقق هؤلاء في سيرة سعدي وكلامه لوجدوه يحتكم في كل أمر ملتبس الى العقل الذي لا ينافي من وجهة نظره الفطرة الانسانية وثوابتها المترسخة عبر تجارب القرون :
"...وان كان الملحد جائعا والدار خالية والطعام موجودا فلا يصدق العقل انه سوف يفكر في رمضان "
ولعل مما يعلي من عرفانية سعدي وعقله الحصيف معا تركيزه الدائم على الجوهر واهمال القشور واحتقاره للماديات وانكاره ان تكون مصدرا للتفوق البشري او علو المكانة في المجتمع فالثروة لا قيمة لها ان لم تكن عند من يرتقي فوق الطبيعة البهيمية وله في ذلك قول يجدر بنا أن نتأمله جيدا في عصر الماديات وتدفق الثروات الذي يترافق مع مفاهيم مغلوطة كثيرة تجعل المال والملكية أساسا في النظرة والتقييم ولهؤلاء يقول سعدي في مواعظه ساخرا :
" قد تمتلك مال قارون لكن الكلب يظل كلبا ولو وضعت حول عنقه قلادة من ذهب "
وتعكس هذه التأملات في الطبيعة البشرية والموقف من الأنا والآخر عن روح غاية في الثراء وعن تجربة في غاية العمق والنزاهة راكمها عبقري لا بالقراءة والثقافة وحدها بل بالاحتكاك بالناس ودراسة طبائعهم عن قرب بحيادية العالم وعمق نظرة الفيلسوف وفي خلفية ذلك الموقف الذي اغتنى بالتجارب والسفر ثقافة اسلامية غنية تفرق بين التسامح والتساهل وتعترف للآخر بكل ما له من حقوق الى أن يتجاوز حده ويعتدي على حقوق الآخرين وعنده لا يترك مجالا لوقف عدوانه الا بالاحتكام الى السلاح وهذا ما جعل هذا المتصوف المتسامح القادم من شيراز والدارس في بغداد يتحول الى مقاتل لصد الحملات الصليبية على العالم الاسلامي في عصره الذي تكالبت فيه علينا الامم وما تزال تتكالب الى يومنا هذا .
لقد كان سعدي نتاجا خالصا مصفى للمدرسة النظامية في بغداد التي كانت تعتبر في عصرها من أرقى جامعات العالم وابنا بارا لثقافة اسلامية عميقة لم تتعالى على البشر ولم يزعم حملة راياتها أنهم يمتلكون الحقيقة وحدهم بل كان أبرزهم و- سعدي من هذه القلة البارزة – لا يخجلون من الحديث عن الحيرة والقلق الوجودي أمام كون غامض يعج بالافكار والثقافات والقوميات والتجارب والرؤى والنظريات المتوافقة والمتناحرة وفي ذلك الموقف لا يملك العاقل الا أن يعترف بالقصور البشري وانفتاح المعرفة دوما على أفق جديد لا يغلق ما قبله بل يضيف اليه وهذا ما يميز البشر عن البقر كما يستخلص من من نص جميل سطره سعدي الشيرازي في المجلس الخامس من مجالسه الزاخرة بالافكار الثاقبة :
" ايها الفتى يسير المتقون والمخلصون منازل ويتركونها لكن العارفين لا ينزلون بأي منزل بل ان منزلهم هو دائرة الحيرة...، جمل التاجر يطوي المنازل بالليل والنهار ويقطع الطرق لكن بقرة العصار تمشي الليل والنهار وتلف بعينين معصوبتين وتفكر في نفسها هل قطعت عدة منازل ؟وفي المساء حين يزاح عن عينيها النقاب وتنظر تجد نفسها في نفس الموضع الذي كانت فيه...."
هذا هو سعدي الذي عاشت تجربته وكتاباته ، واخترقت حجب العصور لأنه يعترف بالقصور البشري، ويعلي من شأن الرحلة روحيا وبدنيا ، ويدعو للتأمل في شؤن كون كلما أكتشفنا منه جزءا وشهدنا من مسرحياته فصلا تكشفت غياهبه عن مجهولات تغري بالاكتشاف وتحتاج الى مغامرين شجعان من عينة سعدي الشيرازي الذي نحتفي به اليوم ممثلا حقيقيا لثقافة اسلامية قدمت للثقافة الانسانية عباقرة في الفكر والعلم وما تزال تمتلك القدرة على تقديم الكثير حين تنفض عن نفسها كما فعل سعدي وصحبه غبار أفكار تقليدية وممارسات متخلفة شلت قدرتها على العطاء والتجدد
انها روح مصلح الدين بن شرف الدين التي ترفرف في سماء الدوحة حاملة معها من شيراز القريبة منا جغرافيا وثقافيا إرث ذلك الشاعر والمصلح الإجتماعي الكبير الذي لا يضيره أن ابدأ الحديث عنه بمقتطف من مواطنه ،وجاره حافظ الشيرازي فذلك الثنائي ومعهما عبد الرحمن الجامي ومحيي الدين بن عربي يشكلون أصل شجرة التسامح الإسلامية التي ازدهرت في أوج تفتح تلك الحضارة التي ازدهرت شرقا ،وغربا في العصر الوسيط وقدمت للثقافة الإنسانية أبرز رموز التعايش.. يقول حافظ في بيت شهير :
راحة العالمين تفسير هذين الكلمين
مرؤة مع الأصدقاء وتسامح مع الأعداء
وقد كان سعدي الشيرازي رغم العصر المضطرب والعنيف الذي عاش فيه نموذجا للتسامح الذي لا يفرط بحقوق التراب والعقيدة فسيرته الذاتية توضح كيف سار بشجاعة ليخوض الحرب ضد الحملات الصليبية ،وكيف وقع في الأسر الى أن افتداه تاجر دمشقي ليعود وقد أغتنت تجربته بمعرفة الآخر ،فالعدو في حالته لم يكن عدوا نظريا مجردا ولكنه مقاتل من لحم ودم تم توظيفه في صراع الارادات لصالح سياسات ارتدت ،وما تزال لبوس الدين والعقيدة لذا نرى أن تسامح سعدي في أفكاره ومواقفه اللاحقة لم يكن معزولا عن معرفته بالطبيعة البشرية فهو القائل :
" جميعهم من أبناء آدم لكنهم كانوا من حيث التعطش للدماء ذئابا حادة المخالب "
ولعله مما يعلي من شأن معرفة سعدي بالطبيعة الانسانية معرفته لها عن قرب بمختلف أجناسها وتركيزه الدائم على جوهرها فقد جال ذلك الشاعروالمتصوف الكبير في بلاد الله ثلاثين عاما ،وما بين الشام واليمن والهند وبلاد الروم تشكلت رؤاه ولم يعد بالامكان خداعه ،وصار يعرف ان لسمو الروح البشرية حدودا وضوابط يؤطرها مجتمع وثقافة وذوق ومطالب اجتماعية ونفسية أوليس هو القائل في مواعظه :
" لا تطلب بياضا يزيد عن الحد فانه يكره كراهية السواد "
ولا يعتمد سعدي في معرفة الآخر على التحليل النفسي وحده إنما على أحكام المنطق وبوصلة العقل وتلك مسألة ألتبست على بعض دارسي الجانب العرفاني في الثقافة الاسلامية الذين ظنوا أن تلميذ شهاب الدين السهروردي والجنيد ،واحد أحفاد عبد القادر الجيلاني إنما يصدر في أحكامه ورؤاه عن فيض روحاني خالص لا يقيم للعقل كبير وزن ولو دقق هؤلاء في سيرة سعدي وكلامه لوجدوه يحتكم في كل أمر ملتبس الى العقل الذي لا ينافي من وجهة نظره الفطرة الانسانية وثوابتها المترسخة عبر تجارب القرون :
"...وان كان الملحد جائعا والدار خالية والطعام موجودا فلا يصدق العقل انه سوف يفكر في رمضان "
ولعل مما يعلي من عرفانية سعدي وعقله الحصيف معا تركيزه الدائم على الجوهر واهمال القشور واحتقاره للماديات وانكاره ان تكون مصدرا للتفوق البشري او علو المكانة في المجتمع فالثروة لا قيمة لها ان لم تكن عند من يرتقي فوق الطبيعة البهيمية وله في ذلك قول يجدر بنا أن نتأمله جيدا في عصر الماديات وتدفق الثروات الذي يترافق مع مفاهيم مغلوطة كثيرة تجعل المال والملكية أساسا في النظرة والتقييم ولهؤلاء يقول سعدي في مواعظه ساخرا :
" قد تمتلك مال قارون لكن الكلب يظل كلبا ولو وضعت حول عنقه قلادة من ذهب "
وتعكس هذه التأملات في الطبيعة البشرية والموقف من الأنا والآخر عن روح غاية في الثراء وعن تجربة في غاية العمق والنزاهة راكمها عبقري لا بالقراءة والثقافة وحدها بل بالاحتكاك بالناس ودراسة طبائعهم عن قرب بحيادية العالم وعمق نظرة الفيلسوف وفي خلفية ذلك الموقف الذي اغتنى بالتجارب والسفر ثقافة اسلامية غنية تفرق بين التسامح والتساهل وتعترف للآخر بكل ما له من حقوق الى أن يتجاوز حده ويعتدي على حقوق الآخرين وعنده لا يترك مجالا لوقف عدوانه الا بالاحتكام الى السلاح وهذا ما جعل هذا المتصوف المتسامح القادم من شيراز والدارس في بغداد يتحول الى مقاتل لصد الحملات الصليبية على العالم الاسلامي في عصره الذي تكالبت فيه علينا الامم وما تزال تتكالب الى يومنا هذا .
لقد كان سعدي نتاجا خالصا مصفى للمدرسة النظامية في بغداد التي كانت تعتبر في عصرها من أرقى جامعات العالم وابنا بارا لثقافة اسلامية عميقة لم تتعالى على البشر ولم يزعم حملة راياتها أنهم يمتلكون الحقيقة وحدهم بل كان أبرزهم و- سعدي من هذه القلة البارزة – لا يخجلون من الحديث عن الحيرة والقلق الوجودي أمام كون غامض يعج بالافكار والثقافات والقوميات والتجارب والرؤى والنظريات المتوافقة والمتناحرة وفي ذلك الموقف لا يملك العاقل الا أن يعترف بالقصور البشري وانفتاح المعرفة دوما على أفق جديد لا يغلق ما قبله بل يضيف اليه وهذا ما يميز البشر عن البقر كما يستخلص من من نص جميل سطره سعدي الشيرازي في المجلس الخامس من مجالسه الزاخرة بالافكار الثاقبة :
" ايها الفتى يسير المتقون والمخلصون منازل ويتركونها لكن العارفين لا ينزلون بأي منزل بل ان منزلهم هو دائرة الحيرة...، جمل التاجر يطوي المنازل بالليل والنهار ويقطع الطرق لكن بقرة العصار تمشي الليل والنهار وتلف بعينين معصوبتين وتفكر في نفسها هل قطعت عدة منازل ؟وفي المساء حين يزاح عن عينيها النقاب وتنظر تجد نفسها في نفس الموضع الذي كانت فيه...."
هذا هو سعدي الذي عاشت تجربته وكتاباته ، واخترقت حجب العصور لأنه يعترف بالقصور البشري، ويعلي من شأن الرحلة روحيا وبدنيا ، ويدعو للتأمل في شؤن كون كلما أكتشفنا منه جزءا وشهدنا من مسرحياته فصلا تكشفت غياهبه عن مجهولات تغري بالاكتشاف وتحتاج الى مغامرين شجعان من عينة سعدي الشيرازي الذي نحتفي به اليوم ممثلا حقيقيا لثقافة اسلامية قدمت للثقافة الانسانية عباقرة في الفكر والعلم وما تزال تمتلك القدرة على تقديم الكثير حين تنفض عن نفسها كما فعل سعدي وصحبه غبار أفكار تقليدية وممارسات متخلفة شلت قدرتها على العطاء والتجدد


الصفحات
سياسة








