ظل منينديز (هافانا 1970) يكتب لسنوات طويلة مقالات حول رحلاته في العديد من المطبوعات الشهيرة، ومنها ملحق السفر بجريدة الباييس الإسبانية، ولكن "الزيتون الأحمر" تعد المرة الأولى التي يصدر فيها كتابا عن هذه التجربة. يشار إلى أن أدب الرحلات ظل أيضا لسنوات طويلة بعيدا عن التقدير والاحترام، "لأن كثيرين كتبوا عن الرحلات والسفر وهو لا يحسنون الكتابة"، هذا هو السبب من وجهة نظر الكاتب الكوبي، مشيرا إلى أنه "بالنسبة لكاتب يعشق السفر فقد كانت غواية لا يمكن مقاومتها أبدا"، يوضح منينديز في مقابلة أجرتها معه وكالة الأنباء الألمانية ( د ب أ ) في مدريد.
وهكذا وضع الكوبي نصب عينيه نماذج كلاسيكية من هذا الجنس الأدبي مثل "رحلات عبر أفريقيا" لكابوزينسكي وبرتون، و"عبور الباسفيكي لمارك توين و"رحلة إلى اليابان" لروديارد كيبلينج، لينسج للقارئ مسار جولة مليئة بالطرائف والنوادر أحيانا شديدة المرح وأحيانا بالغة الكآبة، استهله من كوبا، ومنها تابع إلى فنزويلا ثم بوليفيا، لينطلق إلى تشيلي، ليتوقف (ترانزيت) في ريو دي جانيرو، قبل التوجه إلى فيتنام، ومنها إلى لاوس ثم كمبوديا، لينتهي به المطاف في تايلاند التي لم تدم إقامته بها طويلا.
يحكي هذا الشخص ضئيل الحجم صاحب العينين الزرقاوين العميقتين أنه ظل لفترة طويلة يفكر في القيام برحلة عميقة، وقد ساهمت الأزمة المالية التي تعيشها إسبانيا منذ عدة سنوات حيث يقيم، في منحه الدفعة الحاسمة لاتخاذ قراره النهائي. كان من الطبيعي أن يبدأ رحلته مع شريكة حياته من مسقط رأسه في كوبا.
يقول منينديز إن "الخروج من كوبا كان بالنسبة لي بمثابة عودة مؤقتة للجذور"، يوضح الكاتب، ولكن عند تسجيل التجربة شعر بثقل الأساليب النمطية التي اتسم بها الكتاب الكوبيوين، الذين يتنافسون فيما بينهم للاستفادة فقط من فكرة معاداة نظام كاسترو، دون التركيز على أي جوانب أخرى"، مضيفا "كنت أريد التخلص من كل هذا، ليس لمجرد أني مع أو ضد هذه التوجهات، ولكن لأنه من السهل جدا أن أحقق رواجا لمجرد أني من معارضي النظام الكوبي".
لهذا كان هدفه الإبقاء على الجانب النقدي، ولكن بدون السقوط في فخ الابتذال، ونجح في ذلك من خلال سرد المواقف اليومية الطريفة التي تشكل ما أطلق عليه "الواقعية السحرية الاشتراكية": من خلال واقع لا ينتمي إلى ما هو شائع، بل يطرح "حيرة وعبثية"، مع الاحتفاظ بالنكهة الجمالية الفجائية الموروثة من الحقبة الماركسية.
يعتبر الكاتب الكوبي أن رياح التغيير التي تهب على الجزيرة، والتي أتاحت على سبيل المثال أن يكون للمواطن الحق في القيام بمشروعه الخاص، والتي أدت إلى ازدهار الأعمال الخاصة الصغيرة، أنها "تغيير سطحي تماما"، مشيرا إلى أنها ليست نتاج مبادرة ذاتية من السلطة المركزية، ولكن "لأنه لم يعد هناك سبيل آخر سوى تخفيف القبضة الحديدية وإبداء بعض المرونة لكي ينتعش الاقتصاد". كما يؤكد أنه "إذا كانت كوبا تسعى للتغيير، وأنا اعتقد أن الأمر سيكون كذلك، فإنه سيكون عملية بطيئة أكثر بكثير مما يتصور الناس، قد يستغرق الأمر جيلا كاملا على الأقل".
بصفته كوبي مقيم في مدريد، بجانب عمله مع العديد من وسائل الإعلام، يشارك أيضا في إعطاء دورات لتدريس الأدب وفنون الإبداع الأدبي، يرى منينديز أن "من هذا الجانب من الأطلنطي يتناءى حلم في مكان آخر، ولكن ليس لدى أحد أي استعداد لقبول التفاصيل الكابوسية التي يتضمنها هذا الحلم. هناك على سبيل المثل مصادرة الصحف وتأميم الملكيات العامة، التي يؤيدها الكثيرون، بحجة أن هذا يتم في كوبا وبوليفيا وفنزويلا في إطار محاربة الإمبريالية لأمريكية، ولكنهم في الحقيقية لا يؤمنون بهذه القيم، ولا يستطيعون حتى أن يعيشوا في كوبا تحت سيطرتها".
ويضيف الكاتب الكوبي أنه "من ناحية أخرى، يحدث أيضا نقيض ذلك، حيث توجد هناك ردود فعل رافضة بصورة قطعية من جانب اليمين لكل المبادرات التي تتجاوز الأيديولوجية الشعبوية، والتي قد تكون مفيدة للمجتمع".
كما يؤكد "صحيح أن هناك مشروعات يسارية شعبوية الغرض منها تبرير البقاء في السلطة، على غرار ما حدث في كوبا وفنزويلا، ولكن هناك نماذج يسارية أخرى جديرة بالاحترام مثل التجربة البرازيلية أو الإكوادورية".
طوال تلك الرحلة، والتي يعتبرها الأديب الكوبي "تجربة اكتشاف للمشاعر" وليس مجرد كتاب سياسي نقدي، يوضح صاحب أعمال مثل "نهر كيبو" وهي من نوعية الرواية البوليسية، والمجموعة القصصية "أغطية للتضامن والصحبة"، أن علاقته بأي بلد تبدأ من خلال رائحته التي يستنشقها. "الرائحة التي تقدمها لي أي مدينة هي بداية التواصل التي تحفز باقي حواسي، لذلك أحرص على التجوال بين الأسواق والحانات لأرى كيف يعيش الناس. ما لم أفعله بكل تأكيد هو أن أصل إلى بلد ما لأبادر بسؤال الناس: حسنا، وكيف حال الشيوعية معكم الآن؟ بل أول ما أسأل عنه يكون: أين يمكن احتسي كوبا من الجعة؟".
خرج من الإجابات المتنوعة التي حصل عليها عن هذا السؤال، الذي يعتبره جوهريا، بعدة استنتاجات منها: أن التطور والتنمية
في جنوب شرق آسيا كان ناجحا للغاية، وأنه يقوم على العمل والقيمة المضافة للجهد الفردي، أن الناس تعمل كثيرا وبكد واجتهاد لتضيف قيمة إلى ذاتها، مشيرا إلى أن "هذه التجارب طورت مفهوم الرأسمالية في آسيا، القائمة على العمل والادخار، على عكس المجتمعات في أمريكا اللاتينية التى استوعبت المفهوم من منطلق الاستهلاك والكسل، حيث لم يأخذوا من الثقافة الأمريكية إلا أسوأ عيوبها".
يقول الكاتب "علاوة على ذلك وجدت أن تطبيق مفهوم اليوتوبيا الشيوعية مختلف في كل واحد من الأماكن التي زرتها، وتوصلت في النهاية إلى أنه مفهوم لا يمكن تطبيقه كنموذج لإدارة مجتمع، بل كمفهوم غيري وفردي عن فكرة العدالة الاجتماعية "، مشيرا إلى أن أهم شيء تعلمه في رحلته كلها عن الشيوعية كان "البشر .. فكرة التعايش المباشر مع بشر من لحم ودم".
وهكذا وضع الكوبي نصب عينيه نماذج كلاسيكية من هذا الجنس الأدبي مثل "رحلات عبر أفريقيا" لكابوزينسكي وبرتون، و"عبور الباسفيكي لمارك توين و"رحلة إلى اليابان" لروديارد كيبلينج، لينسج للقارئ مسار جولة مليئة بالطرائف والنوادر أحيانا شديدة المرح وأحيانا بالغة الكآبة، استهله من كوبا، ومنها تابع إلى فنزويلا ثم بوليفيا، لينطلق إلى تشيلي، ليتوقف (ترانزيت) في ريو دي جانيرو، قبل التوجه إلى فيتنام، ومنها إلى لاوس ثم كمبوديا، لينتهي به المطاف في تايلاند التي لم تدم إقامته بها طويلا.
يحكي هذا الشخص ضئيل الحجم صاحب العينين الزرقاوين العميقتين أنه ظل لفترة طويلة يفكر في القيام برحلة عميقة، وقد ساهمت الأزمة المالية التي تعيشها إسبانيا منذ عدة سنوات حيث يقيم، في منحه الدفعة الحاسمة لاتخاذ قراره النهائي. كان من الطبيعي أن يبدأ رحلته مع شريكة حياته من مسقط رأسه في كوبا.
يقول منينديز إن "الخروج من كوبا كان بالنسبة لي بمثابة عودة مؤقتة للجذور"، يوضح الكاتب، ولكن عند تسجيل التجربة شعر بثقل الأساليب النمطية التي اتسم بها الكتاب الكوبيوين، الذين يتنافسون فيما بينهم للاستفادة فقط من فكرة معاداة نظام كاسترو، دون التركيز على أي جوانب أخرى"، مضيفا "كنت أريد التخلص من كل هذا، ليس لمجرد أني مع أو ضد هذه التوجهات، ولكن لأنه من السهل جدا أن أحقق رواجا لمجرد أني من معارضي النظام الكوبي".
لهذا كان هدفه الإبقاء على الجانب النقدي، ولكن بدون السقوط في فخ الابتذال، ونجح في ذلك من خلال سرد المواقف اليومية الطريفة التي تشكل ما أطلق عليه "الواقعية السحرية الاشتراكية": من خلال واقع لا ينتمي إلى ما هو شائع، بل يطرح "حيرة وعبثية"، مع الاحتفاظ بالنكهة الجمالية الفجائية الموروثة من الحقبة الماركسية.
يعتبر الكاتب الكوبي أن رياح التغيير التي تهب على الجزيرة، والتي أتاحت على سبيل المثال أن يكون للمواطن الحق في القيام بمشروعه الخاص، والتي أدت إلى ازدهار الأعمال الخاصة الصغيرة، أنها "تغيير سطحي تماما"، مشيرا إلى أنها ليست نتاج مبادرة ذاتية من السلطة المركزية، ولكن "لأنه لم يعد هناك سبيل آخر سوى تخفيف القبضة الحديدية وإبداء بعض المرونة لكي ينتعش الاقتصاد". كما يؤكد أنه "إذا كانت كوبا تسعى للتغيير، وأنا اعتقد أن الأمر سيكون كذلك، فإنه سيكون عملية بطيئة أكثر بكثير مما يتصور الناس، قد يستغرق الأمر جيلا كاملا على الأقل".
بصفته كوبي مقيم في مدريد، بجانب عمله مع العديد من وسائل الإعلام، يشارك أيضا في إعطاء دورات لتدريس الأدب وفنون الإبداع الأدبي، يرى منينديز أن "من هذا الجانب من الأطلنطي يتناءى حلم في مكان آخر، ولكن ليس لدى أحد أي استعداد لقبول التفاصيل الكابوسية التي يتضمنها هذا الحلم. هناك على سبيل المثل مصادرة الصحف وتأميم الملكيات العامة، التي يؤيدها الكثيرون، بحجة أن هذا يتم في كوبا وبوليفيا وفنزويلا في إطار محاربة الإمبريالية لأمريكية، ولكنهم في الحقيقية لا يؤمنون بهذه القيم، ولا يستطيعون حتى أن يعيشوا في كوبا تحت سيطرتها".
ويضيف الكاتب الكوبي أنه "من ناحية أخرى، يحدث أيضا نقيض ذلك، حيث توجد هناك ردود فعل رافضة بصورة قطعية من جانب اليمين لكل المبادرات التي تتجاوز الأيديولوجية الشعبوية، والتي قد تكون مفيدة للمجتمع".
كما يؤكد "صحيح أن هناك مشروعات يسارية شعبوية الغرض منها تبرير البقاء في السلطة، على غرار ما حدث في كوبا وفنزويلا، ولكن هناك نماذج يسارية أخرى جديرة بالاحترام مثل التجربة البرازيلية أو الإكوادورية".
طوال تلك الرحلة، والتي يعتبرها الأديب الكوبي "تجربة اكتشاف للمشاعر" وليس مجرد كتاب سياسي نقدي، يوضح صاحب أعمال مثل "نهر كيبو" وهي من نوعية الرواية البوليسية، والمجموعة القصصية "أغطية للتضامن والصحبة"، أن علاقته بأي بلد تبدأ من خلال رائحته التي يستنشقها. "الرائحة التي تقدمها لي أي مدينة هي بداية التواصل التي تحفز باقي حواسي، لذلك أحرص على التجوال بين الأسواق والحانات لأرى كيف يعيش الناس. ما لم أفعله بكل تأكيد هو أن أصل إلى بلد ما لأبادر بسؤال الناس: حسنا، وكيف حال الشيوعية معكم الآن؟ بل أول ما أسأل عنه يكون: أين يمكن احتسي كوبا من الجعة؟".
خرج من الإجابات المتنوعة التي حصل عليها عن هذا السؤال، الذي يعتبره جوهريا، بعدة استنتاجات منها: أن التطور والتنمية
في جنوب شرق آسيا كان ناجحا للغاية، وأنه يقوم على العمل والقيمة المضافة للجهد الفردي، أن الناس تعمل كثيرا وبكد واجتهاد لتضيف قيمة إلى ذاتها، مشيرا إلى أن "هذه التجارب طورت مفهوم الرأسمالية في آسيا، القائمة على العمل والادخار، على عكس المجتمعات في أمريكا اللاتينية التى استوعبت المفهوم من منطلق الاستهلاك والكسل، حيث لم يأخذوا من الثقافة الأمريكية إلا أسوأ عيوبها".
يقول الكاتب "علاوة على ذلك وجدت أن تطبيق مفهوم اليوتوبيا الشيوعية مختلف في كل واحد من الأماكن التي زرتها، وتوصلت في النهاية إلى أنه مفهوم لا يمكن تطبيقه كنموذج لإدارة مجتمع، بل كمفهوم غيري وفردي عن فكرة العدالة الاجتماعية "، مشيرا إلى أن أهم شيء تعلمه في رحلته كلها عن الشيوعية كان "البشر .. فكرة التعايش المباشر مع بشر من لحم ودم".