تم إيقاف أقسام اللغات الأجنبية مؤقتا على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

طبالون ومكيودون وحائرون

07/11/2025 - ياسين الحاج صالح

"المتلحف بالخارج... عريان"

07/11/2025 - مزوان قبلان

كيف ساعد الهجري و"قسد" سلطة الشرع؟

07/11/2025 - حسين عبد العزيز

” قسد “.. ومتلازمة انتهاء الصلاحيّة

07/11/2025 - رئيس تحرير صحيفة الرأي

مفتاح الشَّرع الذَّهبي

06/11/2025 - د. مهنا بلال الرشيد

هل يعرف السوريون بعضهم بعضا؟

29/10/2025 - فارس الذهبي

كلمة للفائزين بعضوية مجلس الشعب السوري

26/10/2025 - ياسر محمد القادري


الجهاديون الملحدون .... مراجعة لأفكار شعبوية تربط بين العمليات الاستشهادية والإسلام




أمستردام - محمد عبد الحميد عبد الرحمن - ذهل الملايين في كافة أنحاء العالم خلال العقدين الماضيين برؤية الأشرطة المسجلة للاستشهاديين – أو الانتحاريين- وهم يتحدثون أمام الكاميرات بثقة للانتصار لقضيتهم، قبل الإقدام على العمليات الانتحارية أو الاستشهادية التي أودت بحياة الآلاف


تلاقت رؤى الجهاديين مع العلمانيين والمسيحيين واليابانيين
تلاقت رؤى الجهاديين مع العلمانيين والمسيحيين واليابانيين
ما الذي يدفع البعض للتخلي عن حياتهم نفسها والتضحية بها؟ هل ثم هدف أغلى من الحياة نفسها؟ كيف يصنع الانتحاري وما هي البيئة التي تنتجهم؟ وكيف انتقل الاستشهاد كمفهوم من الحقل الديني إلى سياقات علمانية صرفة ليعود مرة أخرى في لبوس المتدينين من أعضاء الجماعات الجهادية؟

الباحث العراقي الهولندي مه ريوان قانع حصل مؤخراً على شهادة الدكتوراه من جامعة أمستردام في العلوم السياسية الأسبوع الماضي بأطروحة تناول فيها بالتحليل ظاهرة الاستشهاد في سياقيها العلماني والديني.

لم يكن مه ريوان شخصيا طارئا على موضوع بحثه، فقد انضم لحركة مقاومة كردية ضد نظام صدام قبل أن يبلغ العشرين من عمره وعرف معنى التضحية عن قرب شديد.

الدولة القومية
ويرى الباحث أن ظاهرة الاستشهاد وما استتبعها من هجمات انتحارية ليست بالجديدة على أية حال ولا يمكن أن نطمئن أبدا إلى أنها ظاهرة تستمد عنفوانها من العقائد الدينية، وخاصة الإسلام فحسب.

"قبل وقت طويل جدا من الهجمات الاستشهادية/ الانتحارية الإسلامية التي انطلقت مع انتصار الثورة الإسلامية في إيران، تأسست الدولة القومية الأوربية الحديثة على مبدأ خلق المواطن المستعد للتضحية من أجل الوطن أو القومية، التضحية إلى حد بذل النفس فداء في سبيل الدولة القومية ذلك الكيان الذي أنتجه الحداثة الأوربية (...) يمكن أن نقتفى آثار مثل هذه الأفكار بسهولة في كتابات أساطين فلسفة الدولة القومية الأوربية مثل هوبز وجان جاك روسو وهيغل".

حسب مه ريوان قانع، الذي يخلص من ذلك إلى ضرورة مراجعة الفكرة الشعبوية الشائعة التي تربط الهجمات الانتحارية أو الاستشهادية بالجماعات الجهادية الإسلامية التي ظهرت في الربع الأخير من القرن الماضي، وأمسكت بأنفاس العالم بهجمات الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 على مركز التجارة الدولي في نيويورك.

التراث العلماني
يرى الباحث أن فكرة التضحية بالذات قد أعيدت صياغتها بالكامل في كنف الدولة القومية الأوربية كفكرة علمانية خالصة ويقول: "حتى الجماعات الجهادية الإسلامية الحديثة لم تعد إلى أصل ديني سابق للفكرة، بل تبنت تراث الاستشهاد العلماني الأوربي الذي أنتج خلال القرنين الماضيين وأسست عليه خطابها الذي يعتبر خطابا سياسيا بالدرجة الأولى."

لكن ماذا عن الدوافع بالنسبة للانتحاريين الجهاديين، ألا تشكل الوعود بحياة أخرى أبدية في الجنة حافزا لا يتوفر للعلمانيين؟

لا ينكر قانع أثر هذه الوعود لكنه يرى أن هذه الوعود ليست الدافع الحاسم للتضحية بالذات، خاصة وأن الفقه الإسلامي التقليدي يستنكر ويحرم الانتحار وطلب الموت لأي سبب كان، كما أن الشهادة في الإسلام التقليدي إطار واسع جدا ويشمل حالات لا علاقة لها بالتضحية بالذات مثل الغرق والحريق والدفاع عن المال والعرض.

"هنالك دراسات ومقابلات أجريت مع استشهاديين فشلوا في تنفيذ عمليات انتحارية، تثبت أن الحور العين وغيرها من وعود الحياة الأخرى لم تكن هي الحافز الأساسي."

الإستشهادي الملحد
الرغبة في التضحية بالذات تتولد من ظروف حياتية معينة تتميز بانسداد الأفق والشعور بالمهانة والعجز، ويستوي في ذلك المؤمن والملحد والذي لا يعبأ بالدين. تصاحب تلك الظروف تعبئة قوية وشديدة التأثير في جماعة صغيرة كانت أو كبيرة تعلي من قيمة الفداء والتضحية وتعد الشهداء بالخلود وسيان في الجنة كان أو في أفئدة الناس ومسيرة التاريخ الصاعدة.

ومما عزز هذا الاتجاه، حسب مه ريوان قانع، أن الوعود بالحياة الأبدية للشهداء في الحياة الأخرى ظلت قائمة منذ بزوغ الأديان التوحيدية، لكن ظاهرة الإستشهاديين لم تتوطد إلا بعد ظهور الدول القومية بوقت طويل. الهجمات الانتحارية، إذا ليست حكرا على الحركات الجهادية الإسلامية ولا هي التي ابتدعتها.

"خبر العالم المعاصر الهجمات الانتحارية بطياري الكاميكازي اليابانيين إبان الحرب العالمية الثانية، عمليات نمور التاميل في سيريلانكا ثم انتحاريي حزب العمال الكردستاني والمنظمات الفلسطينية العلمانية بل وحتى الحزب الشيوعي اللبناني وبعض الانتحاريين اللبنانيين كانوا مسيحيين."

الخلود الأرضي
هؤلاء الشهداء/ الانتحاريون لم يدفعهم وعد سماوي بل توق للخلود على الأرض، بين الناس وفي ذاكرتهم.

ومن الملاحظات الفارقة التي طرحتها دراسة مه ريوان قانع أن التنظيمات الجهادية الإسلامية التي اختطفت الأضواء خلال العقدين الماضيين قد اقتفت أثر الحركات العلمانية والماركسية في تمجيد الشهادة دون أن تبلغ شأوها.

أنتج اليساريون الشيوعيون في الشرق الأوسط أدبا وشعرا وغناء كثيفا ومديدا لشهدائهم وأطلقوا مراثي وبكائيات لا نهاية لها للذين سقطوا منهم، فيما يقبع الجهاديون خلفهم بفراسخ في هذا المجال، مما يؤكد مرة أخرى أن فكرة التضحية والشهادة لا زالت ذات طعم يساري في منطقتنا.

يستعد مه ريوان الآن لمرحلة جديدة مع التدريس الجامعي والبحث الأكاديمي والكتابة، وينظر لماضية الشخصي بأعين جديدة ووعي مغاير خلص إلى طرح كافة أشكال العنف جانبا كأداة للتغيير السياسي مهما كانت الظروف والدواعي، والتوسل بالعمل السلمي لتحقيق أي هدف كان

محمد عبد الحميد عبد الرحمن - إذاعة هولندا العالمية
الاربعاء 29 سبتمبر 2010