نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

(سوريا بين حرب أهلية ومشاريع تقسيم؟)

05/05/2025 - عبدالوهاب بدرخان

دلالات التصعيد الإسرائيلي في سوريا

04/05/2025 - العميد المتقاعد مصطفى الشيخ

السياسة المزدوجة

25/04/2025 - لمى قنوت

نظرة في الإعلان الدستوري

26/03/2025 - لمى قنوت


توثيق السيرة الذاتية في الأدب العربي ...كتاب "كلمة" الجديد عن الأسلاف والمخفي من حياتهم




ابوظبي - يحكي أحدث كتاب مترجم للعربية عن الاسلاف العرب وطريقة تناولهم لسيرهم الذاتية كما يبين اختلاف ذلك الفن عن مثيله الغربي حيث يعترف الاجانب باخطائهم بينما يحاول العرب ان يرسخوا انفسهم كقدوة وقد صدر حديثا عن مشروع كلمة للترجمة بهيئة أبوظبي للثقافة والتراث كتاب جديد بعنوان "ترجمة النفس السيرة الذاتية في الأدب العربي"، والكتاب يعنى بالترجمة الذاتية في الأدب العربي القديم ما قبل طه حسين، وهو من تأليف مجموعة من أساتذة الأدب في أمريكا، وتحرير دويت راينولدز، ترجمه إلى العربية سعيد الغانمي.


غلاف الكتاب
غلاف الكتاب
وعلى العكس من القراءات العربية المتأثرة بالمنظور الاستشراقي، يبدأ مؤلفو هذا الكتاب من كلمة للسيوطي يقول فيها: "ما زالت العلماء قديماً وحديثاً يكتبون لأنفسهم تراجم"، وفي تصور المؤلفين، فإن هذه الكلمة لا تدل على وجود صنف أو نوع أدبي هو نوع "ترجمة النفس" أو "السيرة الذاتية" وحسب، بل على استقرار هذا النوع، ورسوخ أعرافه في التقليد الأدبي عند العرب طوال امتداد زمني يزيد على عشرة قرون. وفضلاً عن ذلك، فإن استخدام مصطلح "ترجمة النفس" كان يتطلب دائماً ترك مسافة بين الذات والآخر، فإذ يوحي مصطلح "الترجمة"، بمعانيه المتعددة في التأويل وإعطاء عنوان وعمل دليل محتويات والنقل من لغة إلى أخرى، أنه فعل تفسيري لنص مغاير، فإن ترجمة النفس تحيلنا إلى الذات باعتبارها آخر.

في رأي مؤلفي هذا الكتاب أن الدافع الغربي في كتابة السيرة الذاتية يكمن في أن مؤلف السيرة الذاتية ينصح قراءه بتحاشي السقوط في أخطاء المؤلف، في حين أن الدافع لدى كاتب السيرة الذاتية العربية يكمن في دعوة القارئ إلى الاقتداء بسيرته في تبيان نعم الله عليه. وفي خلفية الدافعين تكمن تجربة ثقافية ورؤية حضارية، فإذ يقول كاتب السيرة الذاتية العربية: "تلك هي نعم الله عليَّ، فاقتدِ بي"، يقول مؤلف السيرة الذاتية الغربية: "تلك هي الأخطاء التي ارتكبتها، فتحاشَ السقوط فيها". يقول الكتاب في توضيح دوافع كتابة السيرة الذاتية العربية بوصفها شكراً لله على نعمه، بالمقارنة مع صيغة "الاعترافات" في الثقافة الغربية ما نصه: "يبرز هذان الدافعان في تقديم حياة المرء – أي كفعل من أفعال الشكر لله ودعوة الآخرين للاقتداء به- في تناقض جلي مع النمط الاعترافي في بعض السير الذاتية الأوربية في العصور الوسطى وعصور ما قبل الحداثة التي تركز على الإقرار العام الصريح ("الاعترافات") بأخطاء المرء وخطاياه وتقصيراته كتابياً أمام الملأ. يبدو أحد التقليدين مؤطراً بإطلاق الحكم التالي: "تلك هي الطرق التي تمتعت فيها بحياة أخلاقية وإنتاجية – فقلِّدْني بها"،

في حين أن الآخر يقول: "تلك هي الطرق التي قصرت بها وكنت على خطأ – فاحذر من سقطاتها". وقد أنتج كل إطار من هذين الإطارين توتراته الأخلاقية وهواجس تمثيله، وكذلك إستراتيجياته الأدبية لحل هذه القضايا. وبرغم أن هذه المقارنة مفرطة الاتساع، وأن هذه التوجهات العامة لم تفرض تماماً بالتأكيد محتوى السير الذاتية في أي من السياقين، فإنها تنفع كأساس تُقرأ على خلفيته السير الذاتية المتزامنة من المجتمعات الأوربية والإسلامية في الحقب القديمة".

في الفصل الأول من الكتاب، يُعنى المؤلفون بتبديد المغالطة التي شاعت في الثقافة الغربية حول كون السيرة الذاتية نوعاً غربياً خالصاً، لم تعرفه، وربما لا يمكن أن تعرفه، الثقافات الأخرى. والسبب في ذلك أن الثقافة الغربية الحديثة ظلت تعامل الذات دائماً باعتبارها منقسمة بين "النفس الخارجية" المعلنة، و"النفس الداخلية" المضمرة. ووظيفة الكتابة عن الذات تكمن في إشهار المضمر وإعلان المكتوم، ومحاولة المطابقة الصريحة بين الذات الداخلية والذات الخارجية على الملأ. يجد المؤلفون أن هذه الثنائية ليست ضرورية ولا مطلقة، بل هي نتيجة للثنائية الفرويدية بين الوعي واللاوعي، أو الشعور واللاشعور، وهي ثنائية لم تتبلور في الثقافة الغربية إلا في القرن التاسع عشر، حين ارتفع الجنس إلى مرتبة العنصر التكويني في الذات. غير أن الحال لم تكن كذلك في الثقافة العربية.

وفي الأمثلة الكثيرة التي يختارها المؤلفون من السير الذاتية العربية، ترد وقائع كثيرة ندرجها الآن تحت مفهوم "النفس الداخلية" الغربي، لكنها لم تكن كذلك عند أبطالها أبداً. وهذا ما يعني بالتالي أن التصنيف إلى ذات داخلية وخارجية ليس بالتصنيف المطلق في جميع العصور وجميع الثقافات. وبعد أن يبدد المؤلفون أسطورة السيرة الذاتية الغربية بوصفها المرجع الوحيد، يناقشون تاريخ دراسة السيرة الذاتية العربية، ويلاحظون الفقر الواضح في المراجع التي تهتم بها. إذ تكاد تنحصر المصادر في كتابات تقل عن أصابع اليد الواحدة.

وكان يُنظر دائماً إلى السيرة الذاتية العربية باعتبارها نوعاً نادراً في الأدب العربي. بل إن السير الذاتية العربية القليلة التي اشتهرت في الغرب، مثل سير ابن سينا والغزالي وابن خلدون، عوملت بوصفها حالات عارضة وشاذة وخالية من الأصالة، ولم تعامل أبداً بوصفها نوعاً أدبياً مستقلاً بأعرافه وتقاليده. ولسوء الحظ، فقد انتقل هذا الفهم – بتأثير من روزنثال- من الثقافة الغربية إلى الثقافة العربية، حتى صار يصعب تبديده.

في الفصل الرابع من الكتاب، يدرس المؤلفون السيرة الذاتية العربية دراسة نصية، باختيار نماذج تطبيقية من بعضها. فيتناول البحث دوافع كتاب السير الذاتية في إبراز خصوصية الذات، بمعنى متابعة نمو الشخصية من الطفولة حتى النضج، وتبيان تاريخية نمو الذات، برواية القصص الخاصة بالطفولة وما يتخللها من هفوات ساذجة واختلالات بريئة، واستكشاف أهمية الأحلام والهواتف والرؤى، والتنويع بين النثر والشعر، حيث يبرز الشعر باعتبباره معبراً لتصوير الانفعالات وتهريبها بأسلوب فني، يغني عن المراءاة والغرور. ويجد المؤلفون في هذا الفصل أن السير الذاتية العربية كانت تزهد في تصوير الانفعال، وتميل إلى الفعل، أو تصوير انفعالات الآخرين، وليس انفعالات الذات.

وفي القسم الثاني من الكتاب، يترجم المؤلفون ثلاث عشرة سيرة ذاتية عربية إلى اللغة الإنكليزية، مع إدراج مقدمة تعريفية لكل منها. وقد أعاد المترجم هذه النصوص في النسخة العربية من الكتاب إلى أصولها العربية، بجهاز تحقيقي جديد


ويختتم المؤلفون الكتاب بتقديم كشاف إحصائي للسير الذاتية العربية يضم ما يزيد على مائة وأربعين سيرة ذاتية عُثر على نصوصها أو توجد أخبار متداولة في الكتب عنها. وقد أضاف المترجم إليها عدداً قليلاً من السير الأخرى التي لم يشر إليها المؤلفون. وقد قام بترجمة الكتاب سعيد الغانمي، وهو كاتب ومترجم عراقي يقيم في أستراليا، وله أكثر من أربعين كتابا ما بين مؤلف ومترجم.

ابوظبي - الهدهد
الاربعاء 18 غشت 2010