قوات هولندية في محافظة المثنى بالعراق
ولعل الأكثر لفتاً للانتباه في الكتاب، الخلاصة التي توصل إليها الباحث بأن القادة العسكريين الهولنديين في العراق تجاهلوا في بعض الأحيان التوجيهات السياسية التي كانت تأتيهم من لاهاي
يشير الباحث إلى أن لاهاي قد اتفقت بشكل واضح مع الحكومتين البريطانية والأمريكية على أن تتبع القوات الهولندية في العراق سياسات متميزة بما يجعلها لا تبدو "قوة احتلال"، وإنما "قوة لحفظ السلام"، رغم أنه لم يكن هناك أي خطة دولية لنشر قوات لحفظ السلام آنذاك.
عصيان أم براغماتية؟
لكن الباحث يستنتج من خلال دراسته أن القادة الميدانيين تجاهلوا هذا الاتفاق، وتصرفوا وفقاً لما تمليه عليهم الأوضاع على الأرض، أي أنهم باختصار لم ينفذوا أوامر القيادة السياسية. لكن الباحث تن كاته لا يذهب إلى حد وصف سلوك القادة العسكريين الهولنديين في العراق بأنه "عصيان"، بل يصفه بـ "النهج البراغماتي".
حاولت الحكومة الهولندية في عام 2003، بقيادة المسيحي الديمقراطي يان بيتر بالكيننده، أن تشارك في المهام العسكرية في العراق، وفي الوقت نفسه أن تنأى بنفسها عن الارتباط بسلطة الإئتلاف المؤقتة. وهي السلطة التي كان يقودها الأمريكي باول بريمر، والتي منحها قرار لمجلس الأمن سلطة إدارة شؤون البلاد في العراق. وتضمن القرار الدولي الذي صدر في 22 مايو- أيار 2003، أن إدارة العراق المحتل هي من مسؤولية الدولتين اللتين قادتا الغزو، الولايات المتحدة وبريطانيا.
سلطة إدارية
لكن الواقع على الأرض يختلف عن نوايا السياسيين. انتشرت القوات الهولندية في محافظة المثنى في جنوب غرب العراق، واتضح سريعاً أن مهام تلك القوات لن تتحقق بدون وجود سلطة إدارية تملأ الفراغ الذي تركه سقوط نظام صدام حسين، وتنهي الفوضى التي أعقبت السقوط في مختلف أنحاء العراق. لذلك، وعلى عكس التوجيهات العامة القادمة من لاهاي، شكل القادة العسكريون في محافظة المثنى إدارة محلية، بإشراف مستشار سياسي يعمل بمعية قائد القوات الهولندية ديك زوايخمان.
كان وزير الدفاع الهولندي آنذاك، هينك كامب، يميل إلى مقاربة هولندية خاصة، حتى في التعامل مع الجريمة، مثل التهريب، والنهب، وسرقة السيارات، لأنه يرى أن مكافحة هذه الجرائم تدخل ضمن مسؤوليات قوات الاحتلال. ويشير ذلك إلى رغبة ملحة لدى هولندا، بتمييز نفسها، عن قوات الاحتلال، خاصة وأنها لم تكن مشاركة في الغزو العسكري الذي أدى إلى الاحتلال. لكن القائد العسكري الهولندي تجاهل رأي وزير الدفاع، وأصدر أوامر لجنوده لمراقبة ومنع تهريب السلاح أو المتاجرة به، في مدينة السماوة، مركز محافظة المثنى، لمنع وصول الأسلحة إلى الجماعات المتمردة، مثل أنصار الزعيم الشيعي، مقتدى الصدر.
تفنيد المقاربة الهولندية
عبر المؤرخ تن كاته عن أفكاره هذه، في كلمة ألقاها في المؤتمر الدولي السادس والثلاثين للتاريخ العسكري في أمستردام، قبل أيام، وذلك قبل أسبوع من صدور الكتاب "مهمة في المثنى.. القوات الهولندية في العراق 2003-2005"، الذي ألفه بالمشاركة مع زميله المؤرخ تايس بروكادس.
الخلاصة التي توصل إليها الباحثان، بعد دراسة تحليلية للمهمة العسكرية، هي أن نوايا السياسيين في لاهاي ومدى معرفتهم بالأوضاع في العراق، لم تكن تتناسب مع الواقع على الأرض. كذلك فـنـّـد الباحثان وجود ما عـُرف في الأوساط الإعلامية والسياسية في هولندا بـ "المقاربة الهولندية" التي أشيع أنها ميزت الوجود العسكري الهولندي في كل من العراق وأفغانستان عن القوات الأجنبية الأخرى، والأمريكية خصوصاً.
وتسعى "المقاربة الهولندية" إلى تحقيق الأمن في المناطق الواقعة تحت السيطرة الهولندية، من خلال تمتين العلاقات مع الحكومة المحلية، والأهالي والوجهاء، وكسب الثقة، والظهور بمظهر غير عدائي، عبر وسائل مثل التخلي عن ارتداء الخوذات العسكرية أثناء الدوريات. وفقاً للباحث ارثر تن كاته، فإن النجاح النسبي للهولنديين في المثنى، كان بفضل تعاون شيوخ القبائل المحليين الذين كانوا يسعون إلى تحقيق السلام في مناطقهم، وعدم وجود أعداد كبيرة الشباب العاطل عن العمل، الذي يسهل تجنيده من قبل الجماعات المسلحة.
الدولارات.. اللمسة السحرية
يقول الباحث تن كاته: "المقاربة الهولندية ليست وصفة جاهزة يمكن تطبيقها في كل مكان. لقد حاول البريطانيون أيضاً تطبيق مقاربة مشابهة في المناطق الواقعة تحت سيطرتهم في جنوب العراق (محافظة البصرة)، لكنهم لم ينجحوا في ذلك، لأن الظروف والتحديات هناك كانت أصعب بكثير."
في المثنى، التي كانت تحت سيطرة الهولنديين، حتى مارس- آذار 2005، تحولت المقاربة الهولندية في واقع الأمر، إلى "نسخة مخففة" من الحرب ضد العصابات، مع كثير من الارتجال والقرارات الآنية المبنية على التطورات على الأرض. وعلى حد وصف الباحث: ’ربما كان من الأفضل استخدام تعبير "اللمسة الهولندية . الحقائب المملوءة بالدولارات كان لها أيضا دور حاسم في إنجاح تلك "اللمسة"‘.
يشير الباحث إلى أن لاهاي قد اتفقت بشكل واضح مع الحكومتين البريطانية والأمريكية على أن تتبع القوات الهولندية في العراق سياسات متميزة بما يجعلها لا تبدو "قوة احتلال"، وإنما "قوة لحفظ السلام"، رغم أنه لم يكن هناك أي خطة دولية لنشر قوات لحفظ السلام آنذاك.
عصيان أم براغماتية؟
لكن الباحث يستنتج من خلال دراسته أن القادة الميدانيين تجاهلوا هذا الاتفاق، وتصرفوا وفقاً لما تمليه عليهم الأوضاع على الأرض، أي أنهم باختصار لم ينفذوا أوامر القيادة السياسية. لكن الباحث تن كاته لا يذهب إلى حد وصف سلوك القادة العسكريين الهولنديين في العراق بأنه "عصيان"، بل يصفه بـ "النهج البراغماتي".
حاولت الحكومة الهولندية في عام 2003، بقيادة المسيحي الديمقراطي يان بيتر بالكيننده، أن تشارك في المهام العسكرية في العراق، وفي الوقت نفسه أن تنأى بنفسها عن الارتباط بسلطة الإئتلاف المؤقتة. وهي السلطة التي كان يقودها الأمريكي باول بريمر، والتي منحها قرار لمجلس الأمن سلطة إدارة شؤون البلاد في العراق. وتضمن القرار الدولي الذي صدر في 22 مايو- أيار 2003، أن إدارة العراق المحتل هي من مسؤولية الدولتين اللتين قادتا الغزو، الولايات المتحدة وبريطانيا.
سلطة إدارية
لكن الواقع على الأرض يختلف عن نوايا السياسيين. انتشرت القوات الهولندية في محافظة المثنى في جنوب غرب العراق، واتضح سريعاً أن مهام تلك القوات لن تتحقق بدون وجود سلطة إدارية تملأ الفراغ الذي تركه سقوط نظام صدام حسين، وتنهي الفوضى التي أعقبت السقوط في مختلف أنحاء العراق. لذلك، وعلى عكس التوجيهات العامة القادمة من لاهاي، شكل القادة العسكريون في محافظة المثنى إدارة محلية، بإشراف مستشار سياسي يعمل بمعية قائد القوات الهولندية ديك زوايخمان.
كان وزير الدفاع الهولندي آنذاك، هينك كامب، يميل إلى مقاربة هولندية خاصة، حتى في التعامل مع الجريمة، مثل التهريب، والنهب، وسرقة السيارات، لأنه يرى أن مكافحة هذه الجرائم تدخل ضمن مسؤوليات قوات الاحتلال. ويشير ذلك إلى رغبة ملحة لدى هولندا، بتمييز نفسها، عن قوات الاحتلال، خاصة وأنها لم تكن مشاركة في الغزو العسكري الذي أدى إلى الاحتلال. لكن القائد العسكري الهولندي تجاهل رأي وزير الدفاع، وأصدر أوامر لجنوده لمراقبة ومنع تهريب السلاح أو المتاجرة به، في مدينة السماوة، مركز محافظة المثنى، لمنع وصول الأسلحة إلى الجماعات المتمردة، مثل أنصار الزعيم الشيعي، مقتدى الصدر.
تفنيد المقاربة الهولندية
عبر المؤرخ تن كاته عن أفكاره هذه، في كلمة ألقاها في المؤتمر الدولي السادس والثلاثين للتاريخ العسكري في أمستردام، قبل أيام، وذلك قبل أسبوع من صدور الكتاب "مهمة في المثنى.. القوات الهولندية في العراق 2003-2005"، الذي ألفه بالمشاركة مع زميله المؤرخ تايس بروكادس.
الخلاصة التي توصل إليها الباحثان، بعد دراسة تحليلية للمهمة العسكرية، هي أن نوايا السياسيين في لاهاي ومدى معرفتهم بالأوضاع في العراق، لم تكن تتناسب مع الواقع على الأرض. كذلك فـنـّـد الباحثان وجود ما عـُرف في الأوساط الإعلامية والسياسية في هولندا بـ "المقاربة الهولندية" التي أشيع أنها ميزت الوجود العسكري الهولندي في كل من العراق وأفغانستان عن القوات الأجنبية الأخرى، والأمريكية خصوصاً.
وتسعى "المقاربة الهولندية" إلى تحقيق الأمن في المناطق الواقعة تحت السيطرة الهولندية، من خلال تمتين العلاقات مع الحكومة المحلية، والأهالي والوجهاء، وكسب الثقة، والظهور بمظهر غير عدائي، عبر وسائل مثل التخلي عن ارتداء الخوذات العسكرية أثناء الدوريات. وفقاً للباحث ارثر تن كاته، فإن النجاح النسبي للهولنديين في المثنى، كان بفضل تعاون شيوخ القبائل المحليين الذين كانوا يسعون إلى تحقيق السلام في مناطقهم، وعدم وجود أعداد كبيرة الشباب العاطل عن العمل، الذي يسهل تجنيده من قبل الجماعات المسلحة.
الدولارات.. اللمسة السحرية
يقول الباحث تن كاته: "المقاربة الهولندية ليست وصفة جاهزة يمكن تطبيقها في كل مكان. لقد حاول البريطانيون أيضاً تطبيق مقاربة مشابهة في المناطق الواقعة تحت سيطرتهم في جنوب العراق (محافظة البصرة)، لكنهم لم ينجحوا في ذلك، لأن الظروف والتحديات هناك كانت أصعب بكثير."
في المثنى، التي كانت تحت سيطرة الهولنديين، حتى مارس- آذار 2005، تحولت المقاربة الهولندية في واقع الأمر، إلى "نسخة مخففة" من الحرب ضد العصابات، مع كثير من الارتجال والقرارات الآنية المبنية على التطورات على الأرض. وعلى حد وصف الباحث: ’ربما كان من الأفضل استخدام تعبير "اللمسة الهولندية . الحقائب المملوءة بالدولارات كان لها أيضا دور حاسم في إنجاح تلك "اللمسة"‘.


الصفحات
سياسة








