تم إيقاف أقسام اللغات الأجنبية مؤقتا على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
Rss
Facebook
Twitter
App Store
Mobile



عيون المقالات

طبالون ومكيودون وحائرون

07/11/2025 - ياسين الحاج صالح

"المتلحف بالخارج... عريان"

07/11/2025 - مزوان قبلان

كيف ساعد الهجري و"قسد" سلطة الشرع؟

07/11/2025 - حسين عبد العزيز

” قسد “.. ومتلازمة انتهاء الصلاحيّة

07/11/2025 - رئيس تحرير صحيفة الرأي

مفتاح الشَّرع الذَّهبي

06/11/2025 - د. مهنا بلال الرشيد

هل يعرف السوريون بعضهم بعضا؟

29/10/2025 - فارس الذهبي

كلمة للفائزين بعضوية مجلس الشعب السوري

26/10/2025 - ياسر محمد القادري


هدوء كصمت القبور يسود جنبات المتحف العراقي وسط مخاوف من تكرار عمليات السلب والنهب





بغداد - آن بياتريس كلاسمن - من يصدق أن صمت القبور يسود جنبات المتحف الوطني العراقي الذي يضم في صالاته المختلفة حضارات عريقة لبلاد ما بين النهرين ، وفي صالة الآثار الآشورية لا يكاد يسمع سوى طنين وحدات الإضاءة ولا يرى سوى ابتسامة متهكمة للملوك الآشوريين وتماثيل الآلهة التي نقشت ذقونها ببراعة شديدة


تضم صالات المتحف العراقي المختلفة حضارات عريقة لبلاد ما بين النهرين
تضم صالات المتحف العراقي المختلفة حضارات عريقة لبلاد ما بين النهرين
وتظل ابتسامة التماثيل هي الشاهد الوحيد على الحياة بين جدران الصالة التي ساهمت إيطاليا في إعادة افتتاحها بعد عمليات السلب التي تعرض لها المتحف في نيسان/أبريل من عام 2003 .

الآن وبعد مرور عام على الاحتفالية الرائعة بإعادة افتتاح المتحف أصبح الزائرون عملة نادرة في زمن أصبح الشخص يسأل نفسه آلاف المرات قبل أن يقدم على زيارة المتحف في ظل تلك الظروف الأمنية السيئة.

وكيف يمكن للإنسان أن يزور متحفا أحاطته السلطات بأسوار خرسانية عالية خوفا من الهجمات الإرهابية التي قد يتعرض لها.

أما موظفو المتحف فليس لديهم ما يدعوهم للضحك أو الابتسام بعد أن استنزفت أحداث السنوات الماضية أعصابهم وبعضهم عايش حقبة الرئيس السابق صدام حسين ومنهم خبراء في الحضارات الآسيوية القديمة يصعب عليهم في الوقت الحالي أن يتقبلوا قرارات مجموعة الموظفين المنتفعين القادمين من الأحزاب السياسية الجديدة.

ويرى أصحاب الخبرة أن الموظفين الجدد يهتمون فحسب بالتاريخ الإسلامي للعراق ويتجاهلون الحضارات العريقة السامرية والبابلية والآشورية والكلدانية.

ووسط الهدوء يظهر الحاج عبيد /79 عاما/ في ملابس الفنيين الزرقاء وعليها علامة "فولفو" على الرغم من أنه ليس من الفنيين المتخصصين في السيارات ، وترتسم على وجهه ابتسامة تنم عن اعتدال حالته المزاجية وسعادته بوجود بعض الزائرين ليحكي لهم قصته مع المتحف العراقي منذ أن عمل به وعمره لم يتجاوز 14 عاما ليصبح أحد شهود التاريخ على حقبة طويلة عاش فيها بين جنبات المتحف وصافح بيديه رؤساء حكومات ووزراء من جميع أنحاء العالم.

ويتذكر الحاج عبيد بأسى الزيارة المفاجئة لوزير الإعلام محمد سعيد الصحاف في عهد الرئيس السابق صدام حسين وكيف أصبح هذا الوزير مدعاة للسخرية في أنحاء العالم وهو يتحدث في نيسان/أبريل 2003 عن الانتصارات المدوية للجيش العراقي وأنه سيدحر قوات الغزو الأجنبية ، بينما جنود الجيش الأمريكي أصبحوا على مشارف العاصمة بغداد.

غير أن الوزير السابق الصحاف لم يكن ساذجا مثل توقعاته التي ذهبت أدراج الرياح بعد أن حطمت طلائع الجنود الأمريكيين مع العراقيين تمثال الرئيس صدام حسين ، و توجه الصحاف بعد بيانه الأخير إلى المتحف الوطني وطلب من المسئولين منحه مفاتيح سيارات المتحف للفرار من البلد ولكن حارس المكان رفض تسليمه المفاتيح إلا بعد توقيع الوزير وهنا انتابت الصحاف نوبة غضب عارمة وهدد الحارس بالقتل وصاح فيه "كيف تطلب مني التوقيع على ورقة بينما البلد تنهار؟".

في ذلك اليوم أثناء استيلاء الجيش الأمريكي على العاصمة كان المدير السابق للمتحف دوني جورج فى منزله وعندما أراد العودة للمتحف تأكد أن مجموعة من السارقين المحترفين استغلت الموقف أثناء الحرب واستولت على كميات لا تحصى من الآثار والكنوز القديمة ومنها الأواني والمجوهرات والتماثيل والأقنعة والأختام الملكية وغيرها من التحف التي لا تقدر بثمن.

ويقول دوني جورج إن بعض هؤلاء كانوا من الخبراء الذين يعرفون قيمة الآثار المادية والتاريخية والبعض الآخر كان من المتشوقين للاستيلاء على كل شيء أيا كان حجمه أو قيمته وأسفرت عمليات النهب عن سرقة نصف محتويات المتحف تقريبا.

ونجت بعض الآثار الغالية من كنوز نمرود وبعض القطع التي تشير إلى حضارة عمرها سبعة آلاف عام من السرقة قبل الغزو ، نظرا لأنها كانت مخبأة كإجراء وقائي أسفل أروقة.

وأظهرت عملية جرد لمقتنيات المتحف سرقة نحو 15 ألف قطعة أثرية في أعقاب الغزو عام 2003 وعاد منها نحو 4200 قطعة بعضها رجع بسبب خوف اللصوص من العقاب بعد الضجة الكبيرة التي أثيرت حول هذه الكارثة التاريخية ، أما البعض الآخر فقد اكتشفته سلطات مكافحة التهريب خارج البلاد.

ويقول دوني جورج إنه شاهد بعينه في صالة مزاد "كريستي" في نيويورك أقراط أذن يرجع تاريخها لحضارة بابل وتمكن من إعادتها للمتحف.

الخوف من عودة السلب والنهب
وخصص المتحف صالة خاصة لجميع الآثار المنهوبة التي عادت من الخارج وكتب على كل نافذة عرض اسم الدولة التي تم استرجاع الأثر منها مثل "عادت من الإمارات العربية المتحدة" أو "عادت من إيطاليا" وغيرها من دول العالم.

ومن نماذج الآثار العائدة الأختام الملكية واللمبات الزيتية والأواني والصحون وتحفة منحوتة موضوعة على حلقة معدنية تهتز فور مرور عربة مجنزرة ثقيلة خارج نطاق المتحف.

وتقول مارجرت فان اس من معهد الآثار الألماني التي كانت تقود قبل الغزو الأمريكي بعثة التنقيب عن الآثار في مدينة أورك السومرية التاريخية "كان من الأفضل عدم افتتاح المتحف".

وكانت بعثات التنقيب الأجنبية عن الآثار في العراق قد اضطرت لسحب أعضائها خوفا من الأوضاع الأمنية غير المستقرة بعد الغزو ولم تعد الآن سوى بعض البعثات في منطقة الحكم الذاتي الكردي التي تتمتع بأمان نسبي شمالي العراق.

ويشارك دوني جورج المدير السابق للمتحف خبيرة الآثار الألمانية الرأي في عدم افتتاح المتحف من جديد وأوضح قائلا "لو كنت مكان رئيس الوزراء نوري المالكي لما افتتحت المتحف في شباط/فبراير 2009 ، فقد اقتحمت قبلها بشهر مجموعة مسلحة من وزارة السياحة المتحف واتهمت الموظفين بالكسل وبعدها بأربعة أسابيع تم افتتاح المتحف على غير رغبة الخبراء " وأضاف جورج أن الهدف وراء افتتاح المتحف كان تجسيد "العراق الجديد" واثبات نجاح استراتيجية الحكومة في مكافحة الإرهاب.

ويشير توني جورج الأستاذ الزائر حاليا في جامعة ستوني بروك بنيويورك إلى تلقيه العديد من خطابات التهديد بالقتل من التيار الصدري في عام 2006 وجاءت أوامر التيار صريحة في عدم تولي مسيحي قيادة متحف الآثار وهنا اضطر توني لتقديم طلب لإحالته إلى التقاعد وغادر البلاد على وجه السرعة.

ويؤكد توني أنه كان سيتعرض للاغتيال لو استمر أسبوعين على الأكثر داخل العراق ليلقى مصير أحد زملائه الذي قتل مع ابنه داخل منزله.

نقوش صغيرة تشير إلى البريطانية التي أسست المتحف العراقي
كلمات صغيرة منقوشة تحمل اسم مؤسسة المتحف العراقي وهي عالمة الشرقيات البريطانية جيترود بيل التي كانت تعمل مستشارة لإدارة الانتداب الانجليزي في العراق والتي ساعدت أيضا في رسم الحدود العراقية وحصلت على جزء من كنوز بعثة الآثار لخبير الآثار ليونارد ووللي في مدينة سامراء ، بينما ذهب جزء آخر إلى الولايات المتحدة وبريطانيا وتم استخدام آثار مدينة أور السومرية بجنوب العراق النواة الحقيقية للمتحف وتوفيت العالمة البريطانية في تموز/يوليو من عام 1926 بعد تناولها جرعة زائدة من الحبوب المنومة.

ونجح توني جورج في تدوين اسم العالمة البريطانية على لافتة خشبية تضم أسماء مديري المتحف منذ تأسيسه وكتب اسم جيترود بيل باللغة العربية بوصفها أول مديرة للمتحف في الفترة بين 1924 و 1926 .

نسخ من الجبس بدلا من القطع الأصلية
وتعرب لوما ياس مديرة قسم التربية بالمتحف عن سعادتها بالحفاظ على قطع وتحف غالية وصغيرة كان من الممكن سرقتها لخفة وزنها وتشير إلى النسخ الموجودة مثل تمثال من الجبس لأحد الكهنة وآخر أسود اللون لأحد الكتبة القدامى وتؤكد أن القطع الأصلية ستعود عندما تتحسن الأوضاع الأمنية.

ويرفض الخبراء في الوقت الحالي إعادة عرض قطع كنوز نمرود ويكتفون في المقابل بعرض بعض الآثار المستخرجة حديثا بالقرب من مدينة النجف الدينية ويشاهدها الساسة والزوار من الدبلوماسيين والعسكريين والصحفيين ، بالإضافة إلى تمثال امرأة هي الآلهة الأم في لونها الرمادي والتي تعد أحد أقدم معروضات المتحف ويرجع تاريخها إلى سبعة آلاف عام.

من الديكتاتورية إلى القومية
ويعد تمثال رئيس الوزراء العراقي الأسبق عبد الكريم قاسم أحدث مجموعات العرض بالمتحف ليجسد الرجل الذي اسقط الملكية في عام 1958 وأسس الجمهورية العراقية وبعدها أسقطه أنصار حزب البعث العراقي ومنهم صدام حسين وقاموا بإعدامه في عام 1963 وهنا يقول أحد العاملين بالمتحف "هكذا الأيام للحكام في العراق ، فمن كان يطلق عليه في الماضي لفظ الديكتاتور أصبح الآن من القوميين ومن يدري فقد نضطر يوما إلى وضع تمثال لتخليد صدام حسين

آن بياتريس كلاسمن
الاربعاء 31 مارس 2010