نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

وقاحة استراتيجية مذهلة

21/04/2024 - راغدة درغام

التعميم بوصفه "تخبيصة" العقل الأولى

18/04/2024 - مصطفى تاج الدين الموسى

رسائل النيران بين إيران وإسرائيل

15/04/2024 - محمد مختار الشَنقيطي

جنوب لبنان.. بعد غزة

06/04/2024 - عبد الوهاب بدرخان

غزة والأخلاق العابرة للحدود والأرباح

06/04/2024 - عدنان عبد الرزاق

نزار قباني وتلاميذ غزة

06/04/2024 - صبحي حديدي

حرب لإخراج إيران من سوريا

06/04/2024 - محمد قواص

على هامش رواية ياسر عبد ربه

04/04/2024 - حازم صاغية


تجرع كأس السم مرة أخرى(2)




في الجزء الأول من هذه المادة، تم تسليط الضوء على جذر العلاقة الأسدية-الخمينية، وحِرْص الأسد الأب على تكافُئِيّتها، بحيث لا يبتلع مشروع إيران سوريا، والمهمات الأساسية التي كُلِّفَا بها دولياً، ومنهجيتهما التضليلية في "المقاومة والممانعة"؛ وصولاً إلى انطلاق الثورة السورية التي وجدت فيها إيران فرصتها للسيطرة على سوريا ومَن يحكمها لإنجاز مشروعها.


 

مع انطلاقة "الربيع العربي"، كانت العبارة التي أطلقها إعلام إيران على هذا الحراك: "The Islamic Rise/النهوض الإسلامي"؛ ولكن لحظة انتقاله إلى سوريا بالذات، تحول الخطاب الإيراني إلى وصفه بالإرهاب والمؤامرة الكونية على سوريا "المقاومة الممانعة"؛ لتبدأ حقبة جديدة بين البلدين.

انفردت إيران بالساحة، وزجت بمستشاريها وبقوات ميدانية وميليشيات من حزب الله والعراق في المعركة مباشرة؛ وليس بعد ستة أشهر من بدء الحراك في سوريا، كما أُشيع

في الأسبوع الأول لاندلاع الحراك في درعا، أتى (جليلي)، المسؤول الإيراني في "الحرس الثوري الإيراني" وموفد الخامينائي، حاملاً خطة (الستار الحديدي) ووضعها بين يدي بشار الأسد الذي كان مربكاً جداً. مباشرة دخلت مفردات "المؤامرة" و"الطائفية" و"الإرهاب" في المعادلة؛ وبدأ الضرب بيد من حديد لكل صوت يخرج. عبر اعتماد خطة "الستار الحديدي" تم إلغاء أي رأي عاقل أو نصيحة عربية أو إقليمية. حتى "خلية الأزمة"، التي كانت تبحث عن حل من نوع ما، تمت تصفيتها. انفردت إيران بالساحة، وزجت بمستشاريها وبقوات ميدانية وميليشيات من حزب الله والعراق في المعركة مباشرة؛ وليس بعد ستة أشهر من بدء الحراك في سوريا، كما أُشيع.

كل قرار أو رأي أو خطوة أو إجراء تم اتخاذه، كانت يد إيران فيه هي الطولى. كان أهم ما أججته إيران في سوريا هو الحالة الطائفية مستخدمة ماكينات إعلامية خبيرة أخذت زمام الرسالة الإعلامية من الأيدي المحلية المربكة المهزومة، واستقدمت أبواقاً لبنانية مدربة ومستعدة لهذه اللحظة منذ زمن. وعندما فشل كل ذلك في سحق ثورة السوريين، أقنعت منظومة الاستبداد الأسدية، وسعت معها لاستجلاب التدخل الروسي؛ حتى ولو زاحمها على النفوذ في سوريا. تسلَّم حرسها الثوري الأرض، وتكفل بوتين والبراميل بالسماء السورية.

وكي تدعم مشروعها الخبيث في المنطقة، ولتعزيز كذبة "المقاومة والممانعة"، كان الجنوب السوري يعني إيران أكثر من أي جغرافية سورية لقربه من الجولان السوري المحتل والحدود مع الكيان الصهيوني؛ وهكذا تقول لإسرائيل: "ها نحن على حدودكم؛ لا بد لمشروعنا النووي أن يُفكر به بطريقة مختلفة". إسرائيل من جانبها وجدت تبريراً لاستهداف الأرض السورية، وإيران شرعنت "مقاوماتها"؛ وهي بحقيقة الأمر، لم ترد بطلقة واحدة على أفعال إسرائيل، ولكن المهم أن يكون شعار "المقاومة والممانعة" بخير.

والآن ماذا يفعل "المقاومون الممانعون" في سوريا؟ إنهم يكملون مسرحيتهم بالوجود الجغرافي بالقرب من الكيان الصهيوني؛ وهم بالحقيقة ليسوا أكثر من حراس لحدودها، يأخذون منه وجودهم فيها معبراً لتهديد الأردن أمنياً وبالمخدرات؛ ويحوّلونها إلى ممر نحو الخليج العربي ليكتمل "الهلال" المشؤوم. وبطريقهم يضعون يدهم على موارد سوريا ويغلقون مستقبلها مستغلين الحاجة الاقتصادية لسوريا وأهلها، فيشترون بيوتهم وأرضهم، وإن تمنّعوا أحرقوا ممتلكاتهم.

والآن، وعلى ضوء كثافة الاستهدافات المتكررة إسرائيلياً لإيران في سوريا، واستهداف نفوذها المشوّش في العراق، وتصنيفها العالمي كدولة مارقة، وفي ضوء دروس التاريخ التي تقول إن "دولة فارس" مهما اشتدت لا تسود؛ أليس الانحسار والهزيمة الشاملة، وربما الزوال لهذا التمدد السرطاني هو المآل الطبيعي لمشروع الخامينائي؟!

إن مجرد التعامل بشيء من "التواضع" و"الواقعية" من قبل أذرع إيران- وعلى رأسها حزب الله في لبنان- وتعبير إيران العلني عن رغبة إيران "تقيّةً" في عودة نظام دمشق إلى الجامعة العربية، وفشل ذلك رغم الجهود الروسية، ليست إلا مؤشرات على الفشل، وبداية الانحسار، وتتزامن مع مفاوضات معقدة حول إحياء الاتفاق النووي الأميركي - الإيراني، أقل ما فيها أنها توحي بقرب انحسار موجة التوسع الإيراني في العالم العربي. 

قرّرت إيران استفزاز الوجود الأميركي في سوريا، فكان الرد الأميركي الذي لم تتوقعه إيران، والذي ستشهد منه الكثير في قادم الأيام

رغم أن منظومة الأسد تشكل برأي الملالي ومشروعهم واسطة العقد، فإن تيقّن إيران من بهلوانية منظومة الأسد يجعل واسطة العقد هذه عبئاً ومصدر قلق مصيرها تقويض مشروع الملالي؛ ببساطة لأن منظومة الأسد بلا عهد أو قيم وهاجسها البقاء حتى ولو تدمّر الكون. وعندما يكون الشرط السعودي-الأميركي-الإسرائيلي الخفي لاتفاق إيران النووي الوجود الإيراني في سوريا حجر الأساس في مشروعها؛ الأمر الذي يعاكس الاعتقاد السائد بأن أحد جوائز الترضية في الاتفاق النووي- كما كان الحال في اتفاق 2015 - ستكون سوريا؛ فهذا أيضا مؤشر انهيار مؤكد في المشروع. أليس الانحسار في سوريا مقدمة مرعبة لسلسلة استهدافات أمرو-إسرائيلية وحتى عربية ستمتد إلى اليمن والعراق وحتى قطاع غزة الذي تتغلغل به إيران.

ويبقى التطور الأهم والأخطر على الوجود الإيراني في سوريا دخول جهة إضافية تستهدف هذا الوجود؛ والذي صنعته إيران بيدها، ولم يرسمه المستهدِف؛ حيث قرّرت إيران استفزاز الوجود الأميركي في سوريا، فكان الرد الأميركي الذي لم تتوقعه إيران، والذي ستشهد منه الكثير في قادم الأيام، وخاصة استشعار الأميركيين بأن إيران تلعب مع روسيا بخبث شديد لتقويض الجهود الأميركية في محاصرة بوتين عالمياً. الأيام القادمة حبلى بما لم يكن في حسبان الملالي؛ وخاصة إذا كان للصوت والفعل الوطني السوري الحقيقي حضورٌ قويٌّ وازن. عندئذ يكون تجرع كأس السم ثانية.
----------
تلفزيون سوريا


يحيى العريضي
الثلاثاء 20 سبتمبر 2022