مشهد من النخيل الجريح
الفيلم يفتح صفحة من تاريخ تونس ظل الخوض في شأنها، خصوصا خلال فترة حكم الرئيس بورقيبة التي استمرت أزيد من ثلاثين عاما، أمرا معقدا ومستحيلا.
عبد اللطيف بن عمار المخرج الهادئ باغت الجمهور بأحداث حرب بنزرت في مطلع الستينات من القرن الماضي، وخاض في تفاصيلها الدامية ولكن بهدوء شديد، وقال ليكن للتاريخ دوره في التدوين والتصحيح والمساءلة والمحاسبة.
في بنزرت وما أدراك ما مدينة بنزرت، حسمت معركة استقلال تونس مع الاستعمار الفرنسي، بعد معركة دامت أربعة أيام من 19 إلى 22 يوليو 1961 مخلفة مجزرة رهيبة في صفوف التونسيين، حيث سقط 6000 شهيد في صفوف الجيش التونسي المدعوم من قبل متطوعين هبوا من كل أنحاء تونس سلاحهم حماسهم الوطني.
ومازال نخيل بنزرت الشهيدة الشاهدة، جريحا داميا نازفا ودامعا لمن استشهد دون أن يشهد، ولمن غاب ومن تم تغييبه ولمن زيف التاريخ و تنتظره محاسبة الزمن الصعب.
في بيت كوليت الذي استولى على جدرانه وأثاثه بمن فيهم الخادمة الجزائرية، قالت له أنا ابنة الشهيد الشاهد على يوم 19 يوليو 1961، لكن الهاشمي عباس رد على شامة بأنه لا يعرف والدها النقابي العامل بالسكك الحديدية وأحد آلاف المتطوعين الذين ماتوا في الحرب، وحين أصرت شامة على نبش ماضي والدها سحب منها الهاشمي عباس مخطوط كتابه عن حرب بنزرت ودفع لها أتعابها مقابل عملية الرقن وطردها .
تختفي شامة من أمام عباس الذي يصر أن الكاتب هو من يصنع التاريخ، لتعود إليه في نهاية الفيلم بحقيقة أن التاريخ هو ذلك النهر المتدفق من الأزل إلى الأبد فيه تنتظم أفعال البشر، وتلقنه درسا بأن التاريخ مرآة لنزاهة الكتاب والمؤرخين وان كلمة "التاريخ" تعني ماضي الإنسانية، وفي بنزرت لا مجال لمن يحاول القفز فوق الأحداث ولا سبيل لطمس أعمال الرجال، فالنخيل المصطف على جنبات الشارع الرئيسي المحاذي لشاطئ بنزرت ما تزال تحمل آثار رصاص المستعمر إلى اليوم وفي كل خدش شهادة، لأن تدوين التاريخ أو كتابته هي عملية إنسانية بحتة، يسجل بها البشر أخبارهم ويعيدون عن طريقها تذكرهم لما يسمى بـالماضي.
ليلى واز أو شامة بطلة العمل أخرجت والدها وكل من غفل عنهم المؤرخون ورفضت أن يتملق الكاتب الانتهازي على حساب والدها الشهيد الذي رفض مساعدته وتركه يموت على باب بيته أو بالأحرى بيت الفرنسية التي احتل مكانها
شامة فضحت كل الانتهازيين والوصوليين المتسلقين وكل من استغل الأوضاع وصنع لنفسه تاريخا مزيفا وأعطت درسا لا ينسى.
المخرج وكاتب السيناريو عبد اللطيف بن عمار طرح قضية تاريخية عميقة مليئة بالانزلاقات الوعرة، استوجبت منه شجاعة وجرأة وقد نجح في التلميح وأقنع التونسيين بأن حرب بنزرت كانت خطأ فادحا ارتكبه بورقيبة بعد أن أخمد الفتنة اليوسفية، نسبة لصالح بن يوسف الذي عارض قبول بورقيبة بصيغة الاستقلال الداخلي معتبرا إياها خيانة للنضال الوطني، ويبدو أن خوف الزعيم الحبيب بورقيبة من خصمه صالح بن يوسف المدعوم من قبل الرئيس المصري عبد الناصر ومن قبل الوطنيين الجزائريين بزعامة احمد بن بله كان وراء ارتكابه لذلك الخطأ المريع.
,قد وردت في الفيلم صورة صامتة للزعيم الحبيب بورقيبة وهو يخطب مطالبا القوات الفرنسية بالجلاء عن مدينة بنزرت، متخليا عن سياسة الحوار التي كان ينادي بها دوما فاندلعت الحرب دون تخطيط .
نخيل عبد اللطيف بن عمار كان حزينا دامعا ولكنه كان أيضا في غاية الجمال والروعة والسحر فقد جعله يرقص على الأنغام التونسية الجزائرية ودفء العلاقات بين الشعبين المتجاورين.
فالمخرج سلط الكاميرا أيضا على الجانب الاجتماعي في بنزرت والاندماج الكلي بين العائلات التونسية والجزائرية، كما لم يهمل الجانب الفني فحضرت الموسيقي فضلا عن الصور الطبيعية الجميلة بنزرت بين البحر والخضرة والتضاريس والأزقة وبيوت المدينة العتيقة للخروج من الملل وسط تواتر الأحداث المحزنة وهي إسقاطات موظفة بشكل جيد.
عملية إدماج فقرة موسيقية لا تتجاوز الدقيقتين أبطالها مجموعة من المثقفين التونسيين التقدميين أثارات الإعجاب، فاجتماع الشاعر الصغير أولاد أحمد والمخرج السينمائي النوري بوزيد والصحفي خالد الطبربي والمسرحي الأسعد بن عبد الله والتشكيلي نجا المهداوي والرسام حمادي بن سعد مع بطل الفيلم الجزائري حسان كشاش كان من أروع المشاهد وأكثرها عمقا فهؤلاء عزفوا على وتر آلام الحياة الثقافية.
كما أن التناغم بين الممثلين التونسيين والجزائريين كان واضحا بل أضفت جانبا من الواقعية على أحداث الفيلم إلى جانب باقي الأحداث.
وللعلم فالفيلم لم يعجب مهرجان كان السينمائي الذي رأى في أحداثه عدم تطابق مع هدف المهرجان، وهكذا يكون ثاني الأفلام "المرفوضة" في طرحها بعد فيلم "خارجون عن القانون" للجزائري رشيد بوشارب .
عبد اللطيف بن عمار المخرج الهادئ باغت الجمهور بأحداث حرب بنزرت في مطلع الستينات من القرن الماضي، وخاض في تفاصيلها الدامية ولكن بهدوء شديد، وقال ليكن للتاريخ دوره في التدوين والتصحيح والمساءلة والمحاسبة.
في بنزرت وما أدراك ما مدينة بنزرت، حسمت معركة استقلال تونس مع الاستعمار الفرنسي، بعد معركة دامت أربعة أيام من 19 إلى 22 يوليو 1961 مخلفة مجزرة رهيبة في صفوف التونسيين، حيث سقط 6000 شهيد في صفوف الجيش التونسي المدعوم من قبل متطوعين هبوا من كل أنحاء تونس سلاحهم حماسهم الوطني.
ومازال نخيل بنزرت الشهيدة الشاهدة، جريحا داميا نازفا ودامعا لمن استشهد دون أن يشهد، ولمن غاب ومن تم تغييبه ولمن زيف التاريخ و تنتظره محاسبة الزمن الصعب.
في بيت كوليت الذي استولى على جدرانه وأثاثه بمن فيهم الخادمة الجزائرية، قالت له أنا ابنة الشهيد الشاهد على يوم 19 يوليو 1961، لكن الهاشمي عباس رد على شامة بأنه لا يعرف والدها النقابي العامل بالسكك الحديدية وأحد آلاف المتطوعين الذين ماتوا في الحرب، وحين أصرت شامة على نبش ماضي والدها سحب منها الهاشمي عباس مخطوط كتابه عن حرب بنزرت ودفع لها أتعابها مقابل عملية الرقن وطردها .
تختفي شامة من أمام عباس الذي يصر أن الكاتب هو من يصنع التاريخ، لتعود إليه في نهاية الفيلم بحقيقة أن التاريخ هو ذلك النهر المتدفق من الأزل إلى الأبد فيه تنتظم أفعال البشر، وتلقنه درسا بأن التاريخ مرآة لنزاهة الكتاب والمؤرخين وان كلمة "التاريخ" تعني ماضي الإنسانية، وفي بنزرت لا مجال لمن يحاول القفز فوق الأحداث ولا سبيل لطمس أعمال الرجال، فالنخيل المصطف على جنبات الشارع الرئيسي المحاذي لشاطئ بنزرت ما تزال تحمل آثار رصاص المستعمر إلى اليوم وفي كل خدش شهادة، لأن تدوين التاريخ أو كتابته هي عملية إنسانية بحتة، يسجل بها البشر أخبارهم ويعيدون عن طريقها تذكرهم لما يسمى بـالماضي.
ليلى واز أو شامة بطلة العمل أخرجت والدها وكل من غفل عنهم المؤرخون ورفضت أن يتملق الكاتب الانتهازي على حساب والدها الشهيد الذي رفض مساعدته وتركه يموت على باب بيته أو بالأحرى بيت الفرنسية التي احتل مكانها
شامة فضحت كل الانتهازيين والوصوليين المتسلقين وكل من استغل الأوضاع وصنع لنفسه تاريخا مزيفا وأعطت درسا لا ينسى.
المخرج وكاتب السيناريو عبد اللطيف بن عمار طرح قضية تاريخية عميقة مليئة بالانزلاقات الوعرة، استوجبت منه شجاعة وجرأة وقد نجح في التلميح وأقنع التونسيين بأن حرب بنزرت كانت خطأ فادحا ارتكبه بورقيبة بعد أن أخمد الفتنة اليوسفية، نسبة لصالح بن يوسف الذي عارض قبول بورقيبة بصيغة الاستقلال الداخلي معتبرا إياها خيانة للنضال الوطني، ويبدو أن خوف الزعيم الحبيب بورقيبة من خصمه صالح بن يوسف المدعوم من قبل الرئيس المصري عبد الناصر ومن قبل الوطنيين الجزائريين بزعامة احمد بن بله كان وراء ارتكابه لذلك الخطأ المريع.
,قد وردت في الفيلم صورة صامتة للزعيم الحبيب بورقيبة وهو يخطب مطالبا القوات الفرنسية بالجلاء عن مدينة بنزرت، متخليا عن سياسة الحوار التي كان ينادي بها دوما فاندلعت الحرب دون تخطيط .
نخيل عبد اللطيف بن عمار كان حزينا دامعا ولكنه كان أيضا في غاية الجمال والروعة والسحر فقد جعله يرقص على الأنغام التونسية الجزائرية ودفء العلاقات بين الشعبين المتجاورين.
فالمخرج سلط الكاميرا أيضا على الجانب الاجتماعي في بنزرت والاندماج الكلي بين العائلات التونسية والجزائرية، كما لم يهمل الجانب الفني فحضرت الموسيقي فضلا عن الصور الطبيعية الجميلة بنزرت بين البحر والخضرة والتضاريس والأزقة وبيوت المدينة العتيقة للخروج من الملل وسط تواتر الأحداث المحزنة وهي إسقاطات موظفة بشكل جيد.
عملية إدماج فقرة موسيقية لا تتجاوز الدقيقتين أبطالها مجموعة من المثقفين التونسيين التقدميين أثارات الإعجاب، فاجتماع الشاعر الصغير أولاد أحمد والمخرج السينمائي النوري بوزيد والصحفي خالد الطبربي والمسرحي الأسعد بن عبد الله والتشكيلي نجا المهداوي والرسام حمادي بن سعد مع بطل الفيلم الجزائري حسان كشاش كان من أروع المشاهد وأكثرها عمقا فهؤلاء عزفوا على وتر آلام الحياة الثقافية.
كما أن التناغم بين الممثلين التونسيين والجزائريين كان واضحا بل أضفت جانبا من الواقعية على أحداث الفيلم إلى جانب باقي الأحداث.
وللعلم فالفيلم لم يعجب مهرجان كان السينمائي الذي رأى في أحداثه عدم تطابق مع هدف المهرجان، وهكذا يكون ثاني الأفلام "المرفوضة" في طرحها بعد فيلم "خارجون عن القانون" للجزائري رشيد بوشارب .


الصفحات
سياسة








