نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
Rss
Facebook
Twitter
App Store
Mobile



عيون المقالات

عن روسيا وإيران شرق المتوسّط

08/05/2024 - موفق نيربية

( في نقد السّياسة )

05/05/2024 - عبد الاله بلقزيز*

أردوغان.. هل سيسقطه الإسلاميون؟

03/05/2024 - إسماعيل ياشا

" دمشق التي عايشتها " الغوطة

28/04/2024 - يوسف سامي اليوسف

( أيهما أخطر؟ )

24/04/2024 - محمد الرميحي*

إيران.. من يزرع الريح يحصد العاصفة

23/04/2024 - نظام مير محمدي

وقاحة استراتيجية مذهلة

21/04/2024 - راغدة درغام


محاكاة تاريخية .... السفينة فينيقيا تعود إلى أرواد بعد رحلة شراعية بين حوض المتوسط وأفريقيا





طرطوس - جوني عبو - بسارية عملاقة وشراع شاخ من عناق الرياح بلونيه الأبيض والبنفسجي الفاتح وصفارة بدأ صوتها يعلو كلما اقتربت وألواح خشبية تعاند عباب البحر الهادئ ، وكأنها رجل مشاكس أتعبه الزمن المليء بالصعاب ترسو سفينة فينيقيا على شاطئ جزيرة أرواد السورية – قبالة ميناء طرطوس المتوسطي - معلنة انتهاء رحلة دامت سنتين وشهرين قطعت فيها أكثر من 20 ميلا بحريا جامعة بين شواطئ المتوسط وسواحل أفريقيا في رحالة تقترب كثيرا من الخيال وتحاكي تاريخا فينيقيا منذ آلاف السنين


السفينة فينيقيا ترسو على شاطئ جزيرة أرواد السورية قبالة ميناء طرطوس المتوسطي
السفينة فينيقيا ترسو على شاطئ جزيرة أرواد السورية قبالة ميناء طرطوس المتوسطي
ويبدو إن عودة " فينيقيا " إلى ميناء جزيرة أرواد أواخر تشرين أول/ اكتوبر الماضي شكلت " انتصارا رمزيا " على أهمية قدرة الإنسان وأرادته فيما يريد الوصول إليه حتى أن السفينة الشراعية التي جرى تصنيعها يدويا من أخشاب الصنوبر والسنديان والزيتون والخالية من المسامير ، التي كانت انطلقت في آب/ أغسطس عام 2008 قد حققت الرحلة التاريخية للشعب الفينيقي – السوري القديم - الذي كان يجوب شواطئ العالم القديم بسفن شراعية .

وكانت " فينيقيا " رست في أرواد وسط أهازيج وأفراح الأهالي الذين رفعوا الأعلام السورية ولافتات الترحاب بها وببحارتها الثلاثة عشر ومن بينهم ثلاثة سوريين ، يقودهم القبطان البريطاني فيليب بيل .

يقول القبطان بيل لوكالة الأنباء الألمانية(د.ب.أ) وهو يتصبب عرقا فور رسو السفينة ونزوله منها " لقد كانت رحلة مفيدة وممتعة في آن واحد ، لم تخلو من صعوبات أو تعب أو حتى مغامرات ، خاصة عندما تعرضنا لبعض العواصف وتمزق الشراع على السواحل الأفريقية ، قطعنا أكثر من 20 ألف ميلا بحريا ، أود أن اشكر زملائي الذين كانوا معي في الرحلة على الشجاعة التي أبدوها ، الجميع كان متعاونا ، لقد تعايشنا مع التاريخ ، اعتمدنا على الطرق القديمة في الملاحة كنجمة القطب واتجاه السارية ... السفينة من حيث التجهيزات كما ترون هي نوعا ما بدائية ،أردناها على طبيعتها ، أقصد كما كانت تاريخيا ... المكان في داخل السفينة أيضا لم يكن واسعا ، كنا نتزود بالطعام الضروري ، ونحمل معنا الحاجات الضرورية فقط ، نحن سعداء بعودتنا إلى جزيرة أرواد المكان الذي تم فيه صناعة " فينيقيا "والذي انطلقنا منه قبل نحو عامين ، لا بد أن أشكر أيضا السيدة العظيمة أسماء الأسد لأنها كانت تقف خلف كل هذا المشروع ، وكذلك الجمعية السورية البريطانية ، وكل من ساهم وساعد في عودة التاريخ وإحيائه للأجيال الجديدة ليتعرفوا على أهمية التواصل بين الشعوب " .

ويضيف صاحب الفكرة الأساسية لتصنيع فينيقيا وخطة إبحارها وقائد البعثة إن قراءته للتاريخ وتحديداً للمؤرخ الإغريقي هيرودوس أبي التاريخ جعلته يدرك أصالة الحضارة الفينيقية وضرورة إعادة سبر أغوارها لمعرفة المزيد عنها مبينا أن الفينيقيين أول من اكتشفوا النجم القطبي والأبجدية ونظام التأمينات وأول من اهتدوا بالنجوم في عرض البحر.

ويبدي محمد عثمان ابتسامة مليئة بالفرح لنجاح التجربة لأنه كان المشرف عليها منذ البدء بتصنيعها حتى عودتها من الرحلة ، ويقول عثمان لـ ( د. ب. أ ) " اليوم اكتملت فرحتنا لقد عادت فينيقيا بعد إحيائها عبر هذه الرحلة الرمزية ، آلاف السنين من التاريخ السوري ، لقد كان مقررا أن تستغرق الرحلة لهذه السفينة الشراعية حوالي 3ثلاث سنوات إلا أن الأمور سارت بشكل أسرع مما توقعنا ، نحن نعتبر أننا نجحنا بتفوق في انجازنا لسفينة فينيقيا ، لقد أثبتنا أن أجدادنا الفينيقيين كانوا بحارة ماهرين وتجارا يجوبون العالم غير آبهين بالمخاطر ، طلبا للعلم والعمل " .

أما البحار السوري المتطوع هشام عبد الرزاق الذي قضى نحو ثلاثة أشهر على متن " فينيقيا " وعاد معها إلى طرطوس ، فهو يرى أن " بعض مقاطع الرحلة كانت محفوفة بكثير من المخاطر ، ولكن كل شيء مر بسلامة أخيرا ، وقد سرنا وفق نجمة القطب خاصة من أرواد إلى ميناء بور سعيد المصري.. كنا نضع النجمة فوق سارية السفينة حتى نحصل على الاتجاه الصحيح الذي نريد أن نقصده ، شاركت في هذه المقطع البحري وغيره ، لعلنا من خلال " فينيقيا " أردنا إيصال رسالة أن السوريين هم أبناء المنطقة الأصليين منذ آلاف السنيين وأنهم دعاة سلام ويريدون أن يبقى المتوسط بحرا للسلام ، ولذلك نريد أن نقول لأجيالنا عليكم أن تتذكروا التراث السوري ، لأن فيه أمجاد الأجداد وقيمهم النبيلة ".

وقامت سفينة " فينيقيا " برحلتها بدافع ودعم قوي من عقيلة الرئيس السوري السيدة أسماء الأسد والتي تحمل الجنسيتين البريطانية والسورية ، كما هو معروف ، وكذلك بدعم من الجمعية الجغرافية الملكية البريطانية والمتحف البريطاني وعدد من المستكشفين وعلماء الآثار من أنحاء العالم ، حيث كانت الفكرة هي قيام " فينيقيا " بتكرار ما يعتقد أنه أول دوران حول إفريقيا قام به بحارة فينيقيون في عام 600 قبل الميلاد.

وتشير المعلومات إلى انه من المقرر أن تعود السفينة برحلة أخرى إلى بريطانيا حيث سيتم عرضها في المتحف البريطاني بعد أن أنهت الغاية التي وجدت من أجلها.

وكان ينظر إلى الفينيقيين في عصرهم على أنهم "سادة البحار" وامتدت أنشطتهم التجارية إلى أقصى الغرب حتى كور نوول في بريطانيا وأقصى الشرق حتى الهند والصين.

ورحلة فينيقيا التي بدأت من جزيرة أرواد السورية وصلت إلى قناة السويس ثم إلى الشاطئين الغربي والشرقي لإفريقيا ومن ثم إلى انجلترا قبل أن تعود إلى أرواد بشراع واحد ومجاديف خشبية عملاقة ، مصنوعة بأيادي مهنيين سوريين

وأوضح خالد حمود أحد صانعي السفينة والذي أغرورقت عيناه بدموع الفرح لوكالة الأنباء الألمانية حينما كانت موسيقى الاحتفال الرسمي والشعبي تصدح على أرصفة أرواد "السفينة أنجزت عام 2007 بفترة قياسيه ووضع بها نحو 16000 ألف وتد و8000 إسفين بالألواح الخشبية وشراع كبير بعشرات الأمتار ، وتم تأمين الألواح والأخشاب اللازم للسفينة من الخشب المحلي ، وبلغ طولها 24ر15 مترا ".

وبدت حالة السفينة من الداخل مترهلة بعض الشيء وعلق احد صيادي أرواد قائلا " من الصعب أن تصمد " فينيقيا " كثيرا إذا أرادوا لها أن تبحر من جديد ، يجب أجراء صيانة دورية ، هي الآن بحاجة إليها ، نحن أبناء البحر ونعرف حاجة السفن قبل أن ندخلها ، مجرد أن ننظر لها نعرفها ".

وحسب بعض الكتب التاريخية فان " فينيقيا " ترمز بجولتها التي قامت بها إلى إعادة إحياء أول رحلة بحرية قام بها السوريون الفينيقيون القدماء حول القارة الإفريقية عام 600 قبل الميلاد وعادت إلى المكان الذي صنعت فيه في جزيرة أرواد وعلى متنها 13 بحاراً من جنسيات إنجليزية واندونيسية وأميركية بينهم أربع نساء واحدة أميركية وثلاث إنجليزيات ، و أكد بعضهم لـ ( د.ب.أ ) أن أصعب الأيام في الرحلة كانت في كيب تاون حينما أنشطر شراعها الرئيسي إلى قسمين في الرابع من آذار/ مارس الماضي .

ويذهب البعض إلى القول أن هناك من أراد التأكيد على أن الفينيقيين كانوا سباقين على المكتشف والبحار الأوروبي بارتو لوميو دياز بالدوران حول رأس الرجاء الصالح ، بحيث قاموا بالإبحار حول قارة إفريقيا فعلاً.

ويروي علي النجار رئيس بلدية أرواد لـ( د. ب. أ) كيف أن أحدا من أهالي الجزيرة لم يكن يصدق في البداية بأن الحلم سيصبح حقيقة " الجميع كانوا يتساءلون وربما أنا من بينهم أيضا كيف السبيل إلى نجاح تجربة سفينة صغيرة نسبيا ووديعة ، أن تقوم بهذه الجولة العملاقة ، لكن الحلم تحقق والرحلة نجحت وفينيقيا فازت بالتحدي والرهان الذي كان منوطا بها ، ولعل رسالتها الحضارية إلى جانب التذكير بها تاريخيا ، هي تبادل المعلومات الثقافية ونشر المعرفة والتعارف بين الشعوب ، وهذه كانت أهدافا أساسية إلى جانب الهدف التجاري للفينيقيين القدماء ، لذلك نحن فخورين بان فينيقيا كسبت الرهان" .

وكما تم واقعيا فان " فينيقيا " قامت برحلتها وعادت ، معلنة " عودة الفينيقيين الرمزية " ، لكن هذه المرة بقيادة قبطان بريطاني

جوني عبو
الاحد 31 أكتوبر 2010