نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

رسائل النيران بين إيران وإسرائيل

15/04/2024 - محمد مختار الشَنقيطي

جنوب لبنان.. بعد غزة

06/04/2024 - عبد الوهاب بدرخان

غزة والأخلاق العابرة للحدود والأرباح

06/04/2024 - عدنان عبد الرزاق

نزار قباني وتلاميذ غزة

06/04/2024 - صبحي حديدي

حرب لإخراج إيران من سوريا

06/04/2024 - محمد قواص

على هامش رواية ياسر عبد ربه

04/04/2024 - حازم صاغية


مدونون سوريون يثقفون المرتشين بالكوميديا




أتساقا مع سياسة صحيفة الهدهد الدولية الرامية الى تكريس الشفافية عبر تشجيع الاعلام الحر طلبنا من مكاتبنا في العالم العربي أن يقوم كل منهم بدراسة لسلبيات وايجابيات المدونات في بلده ولم نفاجأ بانها مقروءة ومقصودة أنما كانت المفاجأة أنها معروفة على نطاق واسع أكثر من منابر اعلامية تعمل علنا في الساحة منذ عشرات السنين وسوف ننشر تباعا عدة فصول من واقع المدونات العربية بادئين اليوم من سورية حيث طرافة التناول تبلغ مداها في مدونة الكوميديا الألهية التي لا يحتج صاحبها على الرشوات بمقدار ما يزعجه غباء المرتشين فينصحهم رأفة بسمعة المهنة بالاستفادة من تجربة لصوص دجاج صغار في الريف السوري


مدونون سوريون يثقفون المرتشين بالكوميديا
في بلد فيه الكثير من أنصاف الحقائق مترافقة مع ترسبات سياسية وثقافية واجتماعية إضافة إلى مناخ اعلامي لا يمكن أن يوصف بالصحي فهو يزخر بالخطابيات والادعاء بامتلاك الحقائق ويُسخّر أدواته الإعلامية لترويج ما يصعب ترويجه في الظروف العادية
في هذا الجو الضبابي يحاول جيل من المدونين السوريين الشباب تلمّس طريقه إلى الحرية والشفافية بعد عقود من احتكار المنابر ،استفاد هؤلاء المدونون من الشبكة العنكبوتية وما تمنحه بعض المواقع من خدمة مجانية للمدونات التي تتكون أساساً من صفحات ويب تفاعلية تسبح في فضاء الانترنيت الحر .
دخل الانترنيت إلى سورية في العام 2001م وكان هنالك أربعة مدونات فقط حتى العام 2004م ولايزال عددها محدوداً مقارنة بمثيلاتها في منطقة الشرق الأوسط إذ تقدر الآن ببضع مئات من المدونات ،وقد انطلق قطار المدونات السورية من الغرب بداية وباللغة الإنكليزية مع بعض الشباب المغتربين ،ولم يمض وقت طويل حتى تغيرت اللغة إلى العربية وأخذت المدونات تُنشأ من داخل سورية وخارجها ،بدأت المدونات كنوع من الخواطر واليوميات أو لمجرد طرح الأفكار وإشباع رغبة الحوار مع الآخر المفتقدة والمُغيبة في لغة التخاطب اليومي والإعلامي والسياسي وهي ذات طابع شخصي مرتبط لحد ما بميول صاحب المدونة وخلفيته المعرفية والثقافية كمدونة فتوشة التي تعرف نفسها بأنها أنثى من مطر وتدون خواطرها ويومياتها بأسلوب أدبي ومفردات بسيطة وفي مرحلة تالية ظهرت مدونات متخصصة تُعنى بقضايا عامة كقضايا البيئة أو تصف مواقع الرحلات والتخييم كمدونة عمرو فحام وهي متوقفة الآن وقد تعلل صاحبها بخوفه من مساءلة الرقابة ،كما تجد المدونات ذات الطابع الديني المسيحي والإسلامي كمدونة خربشات ذات الصبغة المسيحية والمدونات النسائية كفتوشة ورزانيات .
مستر بلوند
تناقش المدونات السورية موضوعات متنوعة ذات أبعاد متعددة إنسانية واجتماعية وسياسية وذاتية فتقرأ فيها عن الزواج والطلاق والحب والمطر كما تقرأ عن الفساد المالي والإداري والرغبة في التغيير،ولكل أسلوبه ومفرداته
ففي مدونة {الكوميديا الإلهية} التي تخلط المرارة بالطرافة وتحاول ساخرة تثقيف المرتشين تقرأعن طفلين من قريتين متجاورتين كانا يسرقان الدجاج ثم يتبادلانه حتى لايتعرف أهل كل قرية على دجاجاتهم المسروقة ويشير كاتب المدونة بعد ذلك إلى المسؤوليين الذين باتوا يسرقون الناس علناً ويتلقون الرشاوي والهدايا في وضح النهار وأمام عيون الناس وكان الأجدر بهم أن يتعلموا من هذين الطفلين ،أمّا مدونة {رايح ومش راجع }فتصور لنا في مقال طريف احتفالية الجامعة العربية بذكرى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ولك أن تتخيل ،ويروي لنا مستر بلوند بأسلوب ساخر في مدونته رحلة معاناته اليومية في الميكروباص واضطراره للاستماع إلى إذاعة دمشق ومتابعته لبرنامج صباحي في الإذاعة يتناول شكاوى المواطنين وطبعاً هذا البرنامج لا يقدّم ولا يؤخر وهو عبارة عن حكي فاضي برأيه ،إنما يتخذه منطلقاً للسخرية من واقع التزييف والضحك على الذقون والعقول .
مثل هذه الأفكار الجريئة ما كانت لتجد لها مكاناً في الإعلام الرسمي ،وقد دفعت بأحد صحافيي جريدة تشرين السورية إلى كتابة مقال يصف فيه هذه المدونات بأنها لا تستحق سوى الرمي في سلة المهملات لأنها برأيه لا تحوي عمقاً معرفياً ولاتؤسس علماً أوتوضح رأياً وكأنه وجريدته الغرّاء التي لا يقرأها أحد يفعلون ذلك ....!!
أمّا نايثن جوزف وهو مدون استرالي يملك مدونة شهيرة باللغة العربية وقد أطلق مبادرة تهدف لإشراك المدونين في فعاليات دمشق عاصمة للثقافة العربية تحت عنوان{لندون من أجل دمشق 2008} ولاقت مبادرته القبول والنجاح فغصّت المدونات السورية بالموضوعات التي تتغزل بدمشق وتروي تاريخها وتنشر أجمل ما كتب عنها من قصائد وقصص بالإضافة إلى التعريف بالمعالم الأثرية والمسجد الأموي ،في حين حاول التنسيق مع أمانة دمشق عاصمة للثقافة العربية لكنه لم يتلق ردّاً أو استجابة ،وهو يرى بأن أصحاب المدونات قادرون على الاجتماع حول مسلمات لا خلاف فيها ودعم قضية ما رغم اختلاف أفكارهم ومشاربهم .وهذا ما نشهده حالياً في أسبوع التدوين عن الجولان .
المدونات تطرح أفكاراً منقولة عن واقع يومي مُعاش يمكن تصنيف موضوعاتها تحت عنوان واحد كبير هموم الوطن والمواطن الباحث عن حلول لمشاكله المتراكمة والعالقة أو على الأقل التعبير عن هذه الهموم بحرية وبعيداً عن سيف الرقابة إنها محاولة ورغبة بتغيير شيء ما في هذا الواقع وهرب من رتابة الخطابات والشعارات إلى عالم أرحب وأكثر صدقاً وإنسانية .
شرارة مضيئة
أسئلة كثيرة تُطرح حول المدونات ،ما سلبياتها وإيجابياتها ،هل عكست الواقع السوري ،طبعاً هي كلمات كبيرة وتساؤلات غير دقيقة لأننا نتحدث عن مدونات لا عن صحافة وإعلام ،وللمدون المصري وائل عباس صاحب مدونة الوعي المصري التي نشرت صوراً للتعذيب في أقسام الشرطة المصرية رأي بشأن التدوين فهو يقول :
{المدونات لن تكون بديلاً عن الصحافة والإعلام والمجتمع المدني والأحزاب ،إنها شرارة إشعال تمكننا من رفع سقف الحريات والتكلم في مواضيع لم يتطرق إليها أحد من قبل وتعتبر محرمات مثل التعذيب والتحرش الجنسي في الشارع وغيرها}.
كما يجب ألا ننسى الصعوبات التي تمر بها المدونات في بلدان تنظر بريبة الى الاعلام ،فقد قطعت السلطات السورية في كانون الأول 2007خطوط الانترنيت عن أكثر من مئة موقع بما فيها منصة المدونات{بلوغ سبوت}وخدمة البريد الالكتروني وغيرها إضافة لاعتقال بعض المدونين ،ولاتزال المدونات نخبوية مرتبطة بالواقع المادي للأفراد ولا تلاقي اهتماماً من وسائل الإعلام مما يُضعف ثقافة التدوين غير المنتشرة أساساً في المجتمع ،لكنها تبقى خطوات أولية في درب الإعلام الحر،وبقي أن نذكر أن للمدونات مستبدّيها فقد قرأنا مقالاً في إحدى المدونات يدعو لاختراق مدونات بعينها وما عليك سوى أن تتصل به ليحدد لك ما يجب اختراقه

دمشق -الهدهد
الاحد 15 فبراير 2009