اليوم الرابع من الأسبوع الثقافي اللبناني النروجي .. مناقشات حول صلاح الدين
"المجهول صلاح الدين"
البداية كان يفترض أن تكون مع الكاتب النروجي تورفالد ستين، الذي تحمّس ككثر من المثقفين النروجيين للسلام في الشرق الاوسط بعد مؤتمر اوسلو ويعتبر من المناصرين للحقوق الفلسطينية، والذي يعتبر صلاح الدين رمزاً لتعايش الأديان. لكن تعذّر حضور الأخير بسبب رحلة يقوم بها الى اسطمبول التي ستشهد قريباً عرضاً لمسرحية عن صلاح الدين، من تأليفه. القى كلمة ستين المفكر النروجي وليد الكبيسي الذي وصفته الكاتبة النروجية الفلسطينية حنان بكير بأنه "عنده خاصية أساسية لا تتوفر في الكتاب العرب في المهجر"، وهي خاصية دعمه وتشجيعه المهاجرين على الكتابة بالنروجية او بلغتهم الأم.
في نص تحت عنوان "المجهول صلاح الدين"، يروي ستين تعرفه على اسم صلاح الدين للمرّة الأولى عام 1992، عندما كان في رام الله يتحدّث الى عزّت غزاوي، رئيس اتحاد كتاب فلسطين. وفي إجابته عن سؤال عن كيفية تعزيز التواصل بين الكتاب الفلسطينيين والاسرائيليين، أجابه غزاوي إجابة ذكر فيها ضرورة العفو ورمزية صلاح الدين.
يشير ستين الى ان صلاح الدين كان يذكر باحترام بين المسيحيين خلال القرون الوسطى، فقد وضعه دانتي اليغييري بين "أصحاب النفوس الكبيرة" من غير المسيحيين الى جانب الشاعر الاغريقي هوميروس وغيره. كما ذكر أن المؤرخين المعاصرين يؤكدون على كرمه وسخائه وشهامته حتى في تعامله مع "الكفرة".
يرى الكاتب النروجي في شخصية صلاح الدين رمزاً للتسامح، مستنداً الى وقائع تحالفه مع "الفرنجة" الذين يريدون التعايش كالأمير رايمون، أمير طرابلس في عهده. كذلك، فبعد معركة حطّين الشهيرة، التي انتصر فيها على الصليبيين، اطلق سراح أمير طرابلس المذكور، وامير اورشليم، مكتفياً بإعدام راينولد دي شاتريون، الذي سبب تنكيله بحجاج بيت المقدس سبب تلك الحرب.
وللدلالة على رمزيته كرجل تعايش الأديان، يذكر ستين دخول صلاح الدين الى القدس بصحبة صديقه اليهودي المفكّر إبن ميمون، وسماحه للفرنجة بالبقاء فيها وتعيينه حراساً على المواقع الدينية غير الإسلامية لحمايتها من الاعتداءات، ودعوته الأسر اليهودية المطرودة الى العودة اليها. كما يذكر رشّه مبنى المسجد الأقصى بماء الورد بعد إعادة تحويله من كنيسة الى مسجد. فقد كان صلاح الدين يقول أن سبب تسامحه هو أن "المسيحيين سيتذكرون أعمال الخير".
وبعد قراءته لورقة ستين، وضع الكبيسي الملاحظات التالية عليها: أولاً، إن ستين ينطلق من فكرة أن التصادم بين الثقافات واقع، وأنه يجب محاربة هذا الواقع إنطلاقاً من استعادة أمثلة تشير الى إمكان تصالح الثقافات. ثانياً، إن فكرة الصراع بين الحضارات هي وهم، إذ هناك تنوّع داخل الدول، فالمشكلة ليست بين الأصوليين والغرب بل بينهم وبين العلمانيين. ثالثاً، إن نص ستين يعرّف الناس بصفاتهم الطائفية بينما "أجدادنا" لم يسمّوا جيوش اوروبا بالجيوش المسيحية بل سمّوهم الفرنجة، دلالة على أنهم قاوموا الغزاة لا لدينهم بل لكونهم غزاة.
بطل الإسلام في أدبيات الغرب
من ناحية أخرى، عرض الدكتور ابراهيم بيضون تحت عنوان: صلاح الدين "بطل الإسلام" في أدبيات "الغرب المسيحي"، لبعض الايضاحات حول أفكار شائعة عن صلاح الدين.
فذكر أن فكرة توحيده العرب ليست دقيقة، لأن قادة جيوشه وعناصرها كانوا ينتمون في الأغلب الى العناصر التركية، كما أن الوحدة، بمعناها الإسلامي، لم تصبح حقيقة بعد انتصاره في حطين إذ تفككت الدولة الأيوبية بعد سنوات قليلة من وفاته.
وأشار الى أنه ما عدا وقعة حطّين، لم تجر معارك ملحمية أدّت الى اندحار الصليبيين فقد احتفظ هؤلاء بمواقع مهمة على الساحل كمدينة صور، ولذلك فإن "القول بأنه رمى الصليبيين خارج الأرض العربية هو قول إنشائي".
بيضون الذي اعتبر أنه "ينبغي التأكيد على أن قراءة البطل في الموروث الشعبي لا تتفق مع قراءة المؤرخ"، مستعيداً القول بأن "الروايات تزداد إيجابية كلّما ابتعد ناقاها عن الجيل الأوّل"، لفت الى أن كتب التاريخ العربية التي تتحدّث عن صلاح الدين كتبها مقرّبون اليه كالأصفهاني وإبن شدّاد وغيرهم من المتعاطفين معه.
ورأى بيضون أن الدولة الأيوبية تأسست على "مصادرة تراث الزنكيين" بعد ظهور النزوع الى السلطة عند صلاح الدين. واعتبر أن معركة حطّين هي "المعركة الأولى في أهميتها بعد معارك الفتوح الكبرى في الإسلام" وهذا ما أكسبه "هالته" بعد استعادته للقدس التي احتلها الصليبيون حوالي القرن.
وشرّح بيضون ما يعتبر إتفاقية سلام وقّعها صلاح الدين مع الصليبيين في مقرّ ملك بريطانيا في الرملة، معتبراً أنها كانت في الواقع هدنة ذات أفق زمني هو ثلاث سنوات وثمانية أشهر، ومفادها أخذ صلاح الدين للقدس مقابل بقاء الفرنجة في المدن الساحلية. وقرأ فيها إنجازاً حقق فيه ملك بريطانيا ريتشارد قلب الأسد بالسلم ما عجز عن تحقيقه في الحرب، "فالقائد الأيوبي اكتفى بنصف انتصار بتنازله عن الساحل الفلسطيني".
واعتبر بيضون أن "الصلح أخّر جلاء الفرنجة لقرون" على عكس استراتيجية المماليك لاحقاً، الذين اكملوا هجومهم بعد انتصارهم في معركة عين جالوت وطردوا الصليبيين نهائياً.
وتعجّب بيضون من مبالغة "الأعداء" في تكريم شخص، فـ"صورة صلاح الدين بدت أكثر سطوعاً في الأدبيات الغربية من صورته في أدبيات الشرق الإسلامي". ورأى أن السلطان الأيوبي يكاد، في ملحمة غروسييه، يختصر حضارة الإسلام.
في التحليل، أفاد بيضون الى أن غروسييه حاول إظهار المماليك "أدنى أخلاقياً من صلاح الدين"، وذلك ناتج عن كره سياسات هؤلاء "المتفوّقة التي أجلت الفرنجة". إذ يظهر صلاح الدين كبطل ويخفت بريق قطز المملوكي الذي انتصر في عين جالوت، كما يصوّر القادة بيبرس والأشرف خليل كبرابرة.
وخلص بيضون الى أن "صلح الرملة أنقذ الوجود الصليبي من الزوال"، فتمّ الإعتراف به "كياناً شبه مكرّس مقرّه عكّا، وله نفوذ واسع على الشاطئ الشامي". ونبّه الى أن كلام غروسييه جاء بعد هذا الصلح لا قبله.
ولكنّه أشار في المقابل الى أن نتائج انتصار حطّين لا يمكن تجاهلها، فقد نجم عنها فشل الحملة الصليبية الثالثة، "أعظم حملات الغرب"، كما انه "اشاع الخوف من المواجهات المباشرة مع المسلمين ما أثّر على الحملة الصليبية الرابعة التي توقفت في القسطنطينية على عكس رغبة البابوية".
البداية كان يفترض أن تكون مع الكاتب النروجي تورفالد ستين، الذي تحمّس ككثر من المثقفين النروجيين للسلام في الشرق الاوسط بعد مؤتمر اوسلو ويعتبر من المناصرين للحقوق الفلسطينية، والذي يعتبر صلاح الدين رمزاً لتعايش الأديان. لكن تعذّر حضور الأخير بسبب رحلة يقوم بها الى اسطمبول التي ستشهد قريباً عرضاً لمسرحية عن صلاح الدين، من تأليفه. القى كلمة ستين المفكر النروجي وليد الكبيسي الذي وصفته الكاتبة النروجية الفلسطينية حنان بكير بأنه "عنده خاصية أساسية لا تتوفر في الكتاب العرب في المهجر"، وهي خاصية دعمه وتشجيعه المهاجرين على الكتابة بالنروجية او بلغتهم الأم.
في نص تحت عنوان "المجهول صلاح الدين"، يروي ستين تعرفه على اسم صلاح الدين للمرّة الأولى عام 1992، عندما كان في رام الله يتحدّث الى عزّت غزاوي، رئيس اتحاد كتاب فلسطين. وفي إجابته عن سؤال عن كيفية تعزيز التواصل بين الكتاب الفلسطينيين والاسرائيليين، أجابه غزاوي إجابة ذكر فيها ضرورة العفو ورمزية صلاح الدين.
يشير ستين الى ان صلاح الدين كان يذكر باحترام بين المسيحيين خلال القرون الوسطى، فقد وضعه دانتي اليغييري بين "أصحاب النفوس الكبيرة" من غير المسيحيين الى جانب الشاعر الاغريقي هوميروس وغيره. كما ذكر أن المؤرخين المعاصرين يؤكدون على كرمه وسخائه وشهامته حتى في تعامله مع "الكفرة".
يرى الكاتب النروجي في شخصية صلاح الدين رمزاً للتسامح، مستنداً الى وقائع تحالفه مع "الفرنجة" الذين يريدون التعايش كالأمير رايمون، أمير طرابلس في عهده. كذلك، فبعد معركة حطّين الشهيرة، التي انتصر فيها على الصليبيين، اطلق سراح أمير طرابلس المذكور، وامير اورشليم، مكتفياً بإعدام راينولد دي شاتريون، الذي سبب تنكيله بحجاج بيت المقدس سبب تلك الحرب.
وللدلالة على رمزيته كرجل تعايش الأديان، يذكر ستين دخول صلاح الدين الى القدس بصحبة صديقه اليهودي المفكّر إبن ميمون، وسماحه للفرنجة بالبقاء فيها وتعيينه حراساً على المواقع الدينية غير الإسلامية لحمايتها من الاعتداءات، ودعوته الأسر اليهودية المطرودة الى العودة اليها. كما يذكر رشّه مبنى المسجد الأقصى بماء الورد بعد إعادة تحويله من كنيسة الى مسجد. فقد كان صلاح الدين يقول أن سبب تسامحه هو أن "المسيحيين سيتذكرون أعمال الخير".
وبعد قراءته لورقة ستين، وضع الكبيسي الملاحظات التالية عليها: أولاً، إن ستين ينطلق من فكرة أن التصادم بين الثقافات واقع، وأنه يجب محاربة هذا الواقع إنطلاقاً من استعادة أمثلة تشير الى إمكان تصالح الثقافات. ثانياً، إن فكرة الصراع بين الحضارات هي وهم، إذ هناك تنوّع داخل الدول، فالمشكلة ليست بين الأصوليين والغرب بل بينهم وبين العلمانيين. ثالثاً، إن نص ستين يعرّف الناس بصفاتهم الطائفية بينما "أجدادنا" لم يسمّوا جيوش اوروبا بالجيوش المسيحية بل سمّوهم الفرنجة، دلالة على أنهم قاوموا الغزاة لا لدينهم بل لكونهم غزاة.
بطل الإسلام في أدبيات الغرب
من ناحية أخرى، عرض الدكتور ابراهيم بيضون تحت عنوان: صلاح الدين "بطل الإسلام" في أدبيات "الغرب المسيحي"، لبعض الايضاحات حول أفكار شائعة عن صلاح الدين.
فذكر أن فكرة توحيده العرب ليست دقيقة، لأن قادة جيوشه وعناصرها كانوا ينتمون في الأغلب الى العناصر التركية، كما أن الوحدة، بمعناها الإسلامي، لم تصبح حقيقة بعد انتصاره في حطين إذ تفككت الدولة الأيوبية بعد سنوات قليلة من وفاته.
وأشار الى أنه ما عدا وقعة حطّين، لم تجر معارك ملحمية أدّت الى اندحار الصليبيين فقد احتفظ هؤلاء بمواقع مهمة على الساحل كمدينة صور، ولذلك فإن "القول بأنه رمى الصليبيين خارج الأرض العربية هو قول إنشائي".
بيضون الذي اعتبر أنه "ينبغي التأكيد على أن قراءة البطل في الموروث الشعبي لا تتفق مع قراءة المؤرخ"، مستعيداً القول بأن "الروايات تزداد إيجابية كلّما ابتعد ناقاها عن الجيل الأوّل"، لفت الى أن كتب التاريخ العربية التي تتحدّث عن صلاح الدين كتبها مقرّبون اليه كالأصفهاني وإبن شدّاد وغيرهم من المتعاطفين معه.
ورأى بيضون أن الدولة الأيوبية تأسست على "مصادرة تراث الزنكيين" بعد ظهور النزوع الى السلطة عند صلاح الدين. واعتبر أن معركة حطّين هي "المعركة الأولى في أهميتها بعد معارك الفتوح الكبرى في الإسلام" وهذا ما أكسبه "هالته" بعد استعادته للقدس التي احتلها الصليبيون حوالي القرن.
وشرّح بيضون ما يعتبر إتفاقية سلام وقّعها صلاح الدين مع الصليبيين في مقرّ ملك بريطانيا في الرملة، معتبراً أنها كانت في الواقع هدنة ذات أفق زمني هو ثلاث سنوات وثمانية أشهر، ومفادها أخذ صلاح الدين للقدس مقابل بقاء الفرنجة في المدن الساحلية. وقرأ فيها إنجازاً حقق فيه ملك بريطانيا ريتشارد قلب الأسد بالسلم ما عجز عن تحقيقه في الحرب، "فالقائد الأيوبي اكتفى بنصف انتصار بتنازله عن الساحل الفلسطيني".
واعتبر بيضون أن "الصلح أخّر جلاء الفرنجة لقرون" على عكس استراتيجية المماليك لاحقاً، الذين اكملوا هجومهم بعد انتصارهم في معركة عين جالوت وطردوا الصليبيين نهائياً.
وتعجّب بيضون من مبالغة "الأعداء" في تكريم شخص، فـ"صورة صلاح الدين بدت أكثر سطوعاً في الأدبيات الغربية من صورته في أدبيات الشرق الإسلامي". ورأى أن السلطان الأيوبي يكاد، في ملحمة غروسييه، يختصر حضارة الإسلام.
في التحليل، أفاد بيضون الى أن غروسييه حاول إظهار المماليك "أدنى أخلاقياً من صلاح الدين"، وذلك ناتج عن كره سياسات هؤلاء "المتفوّقة التي أجلت الفرنجة". إذ يظهر صلاح الدين كبطل ويخفت بريق قطز المملوكي الذي انتصر في عين جالوت، كما يصوّر القادة بيبرس والأشرف خليل كبرابرة.
وخلص بيضون الى أن "صلح الرملة أنقذ الوجود الصليبي من الزوال"، فتمّ الإعتراف به "كياناً شبه مكرّس مقرّه عكّا، وله نفوذ واسع على الشاطئ الشامي". ونبّه الى أن كلام غروسييه جاء بعد هذا الصلح لا قبله.
ولكنّه أشار في المقابل الى أن نتائج انتصار حطّين لا يمكن تجاهلها، فقد نجم عنها فشل الحملة الصليبية الثالثة، "أعظم حملات الغرب"، كما انه "اشاع الخوف من المواجهات المباشرة مع المسلمين ما أثّر على الحملة الصليبية الرابعة التي توقفت في القسطنطينية على عكس رغبة البابوية".


الصفحات
سياسة








