نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
Rss
Facebook
Twitter
App Store
Mobile



عيون المقالات

" دمشق التي عايشتها " الغوطة

28/04/2024 - يوسف سامي اليوسف

( أيهما أخطر؟ )

24/04/2024 - محمد الرميحي*

إيران.. من يزرع الريح يحصد العاصفة

23/04/2024 - نظام مير محمدي

وقاحة استراتيجية مذهلة

21/04/2024 - راغدة درغام

التعميم بوصفه "تخبيصة" العقل الأولى

18/04/2024 - مصطفى تاج الدين الموسى

رسائل النيران بين إيران وإسرائيل

15/04/2024 - محمد مختار الشَنقيطي

جنوب لبنان.. بعد غزة

06/04/2024 - عبد الوهاب بدرخان

غزة والأخلاق العابرة للحدود والأرباح

06/04/2024 - عدنان عبد الرزاق

نزار قباني وتلاميذ غزة

06/04/2024 - صبحي حديدي


ياسر الأطرش في برنامج (ضمائر متصلة) هل يسير على هدي ضميره الثقافي





ليس في تلفزيون (سوريا) المعارض الذي يبثّ من إسطنبول، الكثير من البرامج التي تستحق المشاهدة، إمّا بسبب سطحية المحتوى، أو بسبب ضعف المقدّمين والمذيعين، ناهيك عن الحالة السائدة في هذا التلفزيون وسواه من التلفزيونات العربية التي تعتبر الدفاع عن المنتج حالة عصبية، ووظيفية يجب أن تتصدى لأيّ نقد يُوجّه لها، لا أن تتحاور معه، أو تستفيد منه، أو تستمع إليه بعقل، بعيداً عن تحليل النوايا ومحاولة تدوير الزوايا.



ولهذا ربما كان برنامج (ضمائر متصلة) الذي يعدّه منذ سنوات، الشاعر والصحفي السوري ياسر الأطرش استثناء، ضمن القليل الذي يمكن أن يُشاهد، أو يستحق أن يُشاهد، خارج الإطار السياسي، بطبيعة الحال الذي له معايير أخرى… ربما كانت أكثر كارثية، وربما سيكون لها مقالات أخرى!  
البرنامج الذي انطلقت أولى حلقاته في شهر نيسان من عام 2019 يواصل موسمه الرابع بثقة. هو برنامج ثقافي في زمن اعتبرت فيه الثقافة وجبة عسيرة الهضم على الشاشات التلفزيونية، وهي كذلك بالفعل ليس لأنّ الجمهور جاهل، ويبحث عن المتعة والتسلية، كما يطيب لمُنتجي البرامج الثقافية الفاشلة أن يردّدوا، بل لأنّ الصيغ الفنية التي يُقدَّم من خلالها هذا المحتوى الثقافي غالباً ما تكون قاصرة عن الإمتاع، والقدرة على النهوض بالمحتوى الثقيل بطبيعة الحال، وتحويله إلى مادة تلفزيونية تراعي سمات المشاهدة ومتطلباتها، سواء كانت مشاهدة جماعية على شاشة التلفزيون التي يتضاءل حضورها في البيوت والتجمعات، أو مشاهدة فردية على شاشة الموبايل الموصولة بالسماعات، في وسائل النقل الجماعي، أو المكاتب، أو الغرف المغلقة. لقد وعى الشاعر ياسر الأطرش في صياغته لبرنامجه، كلّ هذه الإشكاليات، واتكأ على تمكنه اللافت من اللغة العربية التي حاولوا مرّة أن يمتحنوه بها، فقدم استقالته ومضى، وعلى حسّه الصحفي، وغير الأكاديمي في اختيار الموضوعات التي تُحاكي اهتمام الناس، وعلى رغبته في إثبات نفسه في أول تجربة إعداد، وتقديم تلفزيوني يخوضها في حياته، وعلى الاستفادة من سطحية ما يقدم؛ من أجل تقديم ما لا يُشبه هذا السطحي السائد… مدفوعاً بهاجسَي التجويد والتحدي، فكانت النتيجة برنامجاً يستحقّ المشاهدة والاحترام، ويحاول أن يصنع محتواه الثقافي برشاقة ونباهة، بعيداً عن العته، والبلادة الذهنية السائدة في الوسط التلفزيوني اليوم، والمجبولة بأطنان من الغرور، والسرور والرضا الأبله عن الذات!
اقترب ياسر الأطرش من موضوعات حارّة تحاكي اهتمامات الناس، ورغبتهم في المعرفة، وطرح موضوعات إشكالية، مثل مواضيع برامج الأطفال، وترويج الشذوذ، والتكوين الثقافي للمراهقات، والأبوية الرقمية في عصر صارت منصات التواصل الاجتماعي أمّاً وأباً، والتطبيع مع العنف، وسوى ذلك من الموضوعات الثقافية ذات البعد التربوي، كما تطرق لأشكال الأدب الجديد التي وُلدت في عصر الإنترنت، مثل التغريدة الشِّعرية التي تُكتَب؛ من أجل أن تكون منشوراً قصيراً يتواصل مع جمهور أعرض كلية عن الشعر أو كاد… كما تطرق لموضوعات ذات بُعد اجتماعي وديني، مثل قضايا الإلحاد والمثلية، وعبادة الذات.. ولم يفت ياسر الشاعر أن يجعل من برنامجه، ديواناً له ينثر فيه – في مناسبات قليلة – تغريداته الشعرية، كما حين هجا عام 2020، أو أن يواكب أحداثاً فنية، مثل رحيل حاتم علي، ومواسم دراما رمضان.. ومن الواضح أن أداء ياسر يختلف اختلافاً واضحاً، حين يتناول موضوعات ثقافية، أو شِعرية بتمكن، عن تناول الموضوعات الفنية التي لا يبدو ضليعاً فيها.  
استفاد ياسر الأطرش من الكمّ الهائل من المعلومات التي تقدّمه الشبكة العنكبوتية للباحث عنها، فلم يبخل في البحث… وسعى لإبهار متابع البرنامج بسعة المعلومات المقدَّمة، حول الكثير من الموضوعات، ولم يترك هذه المعلومات نهباً للاستعراض الفجّ، كما نرى في برامج أخرى في تلفزيون سوريا وسواه، بل سعى لربطها برؤى نقدية تلائم رؤيته الشخصية للموضوع، وسعيه للتعبير عن الموقف الذاتي، حتى ليمكن القول: إن برنامج ضمائر متصلة يتصل بضمير معده ومقدمه الثقافي (تكوينه)، ويسير على هديه… وهو أمر شكّل عنصر جذب، في زمن يتوخى الكثيرون فيه إخفاء مواقفهم الذاتية، لا في السياسة وحدها، بل في الثقافة والفن أيضاً. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل التعبير عن الموقف الذاتي لصنّاع البرنامج أمر مصيب، وديمقراطي ومستحبّ في الإعلام وفي قضايا جدلية واجتماعية شائكة، لا ينجح ياسر من التجرّد في الحكم عليها وفق ثقافته ورؤاه؟!
يمكن للقارئ أن يجيب ويمكنني أن أجيب أيضاً، لأضيء جانباً من طبيعة البرنامج، فـ”ضمائر متصلة” لا يخلو من بُعد توجيهي… إنه يريد أن يقدم للناس ما يعتقد أنه الثقافة الأمثل لمواجهة “عصر التفاهة”، وهي عبارة تستخدم في البرنامج وعناوينه بكثرة، وهو لأنه يهدف لفرض وجهة نظره، فإن مقدِّمه يسعى للتعبير الصريح عن الموقف، وهو يختار ضيوفاً نادراً جداً ما يختلف معهم في الرؤى والأفكار، كما أن طريقته الكلاسيكية الدمثة في التقديم، نادراً ما تجعلهم يتجرّأون على إعلان اختلافهم معه، دون التمهيد لذلك بالثناء عليه! بالمحصلة برنامج (ضمائر متصلة) هو جهد ذاتي يحلّق بعيداً عن سرب المؤسسة، وأنا أقول هذا ليس بناء على أي معرفة بالكواليس بل بناء على مقارنة محتواه مع باقي ما يظهر على الشاشة، وهو جهد يبحث عن المثير والمفيد في آن معاً، أمّا الإشكالي فإن ياسر يجرده من إشكاليته، حين يحصر عيوبه أو مزاياه في زاوية واحدة، فلا يترك لضيوفه مجال الاختلاف معه، أو رؤية الموضوع من زوايا أخرى.
في كل الأحوال، يبقى (ضمائر متصلة) تجربة ناجحة، صِيغت بعفوية ودأب واحترام لذهنية المشاهد الذي يمكن أن يبحث عن مستوى مختلف. وأقصد بالعفوية تلك الشجاعة التي خاض بها ياسر الأطرش تجربته التلفزيونية الأولى بعيداً عن المرجعيات الأكاديمية أو الصيغ الجاهزة، ولهذا صنع نموذجاً لا يمكن أن نقول إنه كان جديداً للغاية، ولا هو نسخة مُستنسخَة عن سواه… إنه نموذج يلتزم بتقاليد العرض التلفزيوني لكنه يسير بإحساس وثقافة صانعه، ورغبته المهنية في التفاعل مع محيطه، سواء من خلال ما تقدّمه وسائل السوشال ميديا من إشارات وموضوعات، أو ما يقدّمه محيطه من الأصدقاء والمعارف الذين يتفاعل مع ما يطرحونه… وحسنة المؤسسة أنها تركته على هواه، وأعطته الحرية في اختيار الموضوعات، وصياغة هذا الشكل المنحاز لثقافة المُقدِّم، وسعيه للتعبير عن ذاته بمستوى ثقافي يستحق التوقف عنده، ناهيك بالطبع عن الصورة الكلاسيكية المنضبطة في الإخراج، والغرافيك والديكور، وباقي العناصر الفنية.

محمد منصور - العربي القديم
السبت 27 يناير 2024