*
مع انتهاء العهد الملكي في مصر بقيام ثورة يوليو.. أمر أحد مسؤولي الإذاعة المصرية بعدم بث أغنيات أم كلثوم، وعندما سأل الزعيم جمال عبد الناصر عن السبب قيل له: لأنها كانت تغني أيام العهد البائد.. لكن عبد الناصر رد بغضب: طب ما الشمس كانت بتطلع أيام العهد البائد.. نلغيها؟
أسس جورجي زيدان مجلة (الهلال) في مصر في عهد الدولة العثمانية سنة 1892 وصدر عددها الأول في 1 سبتمبر من العام نفسه، تفككت الإمبراطورية العثمانية، وذهبت مصر إلى العهد الملكي، ثم سقطت الملكية وأصبحت مصر جمهورية… وبقيت (الهلال) شاهدا ثقافيا وتاريخيا وسياسيا، في عهد محمد نجيب، ثم جمال عبد الناصر، ثم أنور السادات فحسني مبارك، وواكبت المجلة ثورة يناير عام 2011 ومازالت تصدر إلى اليوم، حاملة معها سمات كل العهود بخيرها وشرها.
في عام 1925 أسست ممثلة مسرحية اسمها (روز اليوسف) مجلة حملت اسمها، ودعت كبار الكتاب للكتابة فيها، فوبخها الكاتب الساخر المازني في مقال نشرته في عددها الأول: انت ممثلة ما هي علاقتك بالصحافة كي تنشئي مجلة؟ واستمرت المجلة حاملة لواء التنوير ثم في عهد تأميم الصحافة في الستينات، تحولت إلى مؤسسة صحفية خرجت أجيالا من الكتاب والنقاد ولاتزال.

مجلة (الهلال) صدرت في العهد العثماني في مصر عام 1892 وهي مستمرة في الصدور رغم تعاقب العهود السياسية
حين جاء حزب البعث، ألغى بجرة قلم 17 صحيفة يومية كانت تصدر في سوريا، وبعد سنوات قليلة أجبر سمير كحالة على إغلاق الصرح العظيم الذي أسسه والده حبيب كحالة، ومازال علامة فارقة في تاريخ الصحافة الساخرة ونعني بها مجلة “المضحك المبكي” ثم فر إلى باريس هربا من القمع الأسدي بعد حل حافظ الأسد للنقابات عام 1980 ترى لو كانت (المضحك المبكي) مستمرة إلى اليوم في الصدور كم جيل من الصحفيين والكتاب الساخرين كانت قد خرجت؟!
في اجتماع المكتب التنفيذي الأخير لاتحاد الكتاب العرب، تم اتخاذ قرار بإلغاء كل المجلات الثقافية التي كان يصدرها الاتحاد (الموقف الأدبي/ التراث العربي/ الآداب الأجنبية/ الأسبوع الأدبي) واستبدالها بمجلة واحدة وموقع إلكتروني. القرار اتخذ بموافقة ثلاثة أعضاء، إضافة إلى رئيس الاتحاد، ومعارضة عضوين، كاتب هذه السطور أحدهما، وتغيب ثلاثة أعضاء… أي بموافقة 4 أعضاء من أصل 9 وهو دون الإجماع الذي يستلزم صدور القرارات، ومع ذلك تم تصديره باسم المكتب التنفيذي.
مجلة (الموقف الأدبي) التي صدر العدد الأول في أيار عام 1971 أسسها كبار مثقفي سوريا أمثال جلال فاروق الشريف وزكريا تامر وغسان الرفاعي وصدقي إسماعيل ومحيي الدين صبحي، تتم اليوم عامها الخامس والخمسين… ورغم الانحدار الذي عانته خلال سنوات الثورة فقد كانت على الأقل خلال ثلاثة عقود من عمرها ديوان الحركة الأدبية السورية. أصغر مطبوعات الاتحاد (الأسبوع الأدبي) التي أسسها الأديب عبد النبي حجازي، تتم بعد شهر ونيف عامها الأربعين… فهل نضحي بكل هذا الإرث لمجرد القول إننا حدثنا ووضعنا بصمتنا الجديدة؟ أليس التحديث هو في صناعة المحتوى وتغيير الخطاب… ورمي قيم النفاق والاستزلام للسلطة التي أبعدت الجريدة عن جمهورها في السنوات الأخيرة؟

صدقي إسماعيل وجلال فاروق الشريف وزكريا تامر: أدباء سوريون كبار أسسوا (الموقف الأدبي) التي صدر عددها الأول في أيار 1971 قبل 55 عاما
قبل أيام زارنا الأديب الأردني محمود الريماوي في الاتحاد مباركا لسوريا بالتحرير… وهمس في أذني: أتمنى عليكم أن تحافظوا على الإرث الثقافي للاتحاد وتعملوا على تطويره… هناك مجلات تربينا عليها لا تفرطوا بها.
من المؤسف أن يأتي مؤرخ ليكتب بعد عشر سنوات، وقد ابتدأ عهد التحرير بإلغاء المجلات التي كان يصدرها الاتحاد ودمجها في مجلة واحدة… في رسالة تخلي عن الثقافة التخصصية التي كانت المؤسسات الثقافية معنية بإيصالها للناس ودعمها… في زمن كانت تلتزم الدول بدعم الثقافة بدل الشكوى من تكاليفها. يا لفداحة ما سيقوله التاريخ عنا. ______________________________________
*عضو المكتب التنفيذي في اتحاد الكتاب العرب


الصفحات
سياسة









