محافظة تعز- التي توصف دائماً بـ "عاصمة الثقافة والحضارة والسلام"- كانت تعيش أوضاعاً شبه مستقرة إلى ما قبل تاريخ 21 آذار/مارس، ولكن كل شيء تغير بعد وصول تعزيزات عسكرية من جنود قوات الأمن الخاصة (الأمن المركزي سابقاً) التي تسيطر عليها جماعة أنصار الله الحوثية، بالإضافة إلى عشرات المسلحين الحوثيين، حيث يعم المحافظة هدوء حذر في المساء، فيما تشهد فوضى وعنف منذ بزوغ أشعة شمس الصباح.
رفض ابناء محافظة تعز لتواجد المسلحين الحوثيين في محافظتهم دفعهم إلى الخروج في مظاهرات حاشدة شبه يومية يشارك فيها مئات الألاف من الرجال والنساء، وعادة ما تنتهي هذه المظاهرات بسقوط عدد من القتلى وعشرات الجرحى نتيجة استخدام المسلحين الرصاص الحي لتفريق المظاهرات.
ويخشى ابناء محافظة تعز من تحويل محافظتهم إلى ساحة للعنف والصراع بين الجماعات المسلحة في المحافظة واستمرار استهداف ابنائها، بعد ان كانت تمثل أرضية للتعايش المجتمعي، لاسيما مع إصرار ابناء المحافظة على المُضي قدماً في مسيراتهم الرافضة لتواجد المسلحين.
وتقول أمل العبسي، ناشطة شبابية في محافظة تعز، إن "تعز عاصمة الثقافة والحضارة، ثاني أكبر المحافظات اليمنية ، لن تخضع ولن تركع ولن تستكين لأي قوة تحاول تغيير المحافظة من عاصمة الثقافة إلى عاصمة المسلحين الحوثيين".
تخرج العبسي مع العديد من نساء تعز بشكل شبه يومي لمشاركة الشباب في المظاهرات المناهضة للحوثيين والتعبير عن مطالبهم بإخراج المسلحين حتى تستقر الأوضاع وتعود تعز آمنة كما كانت.
وترى العبسي أن محافظة تعز هي منبع الثورات، فمنها اندلعت شرارة ثورة 11 شباط/فبراير التي أطاحت بنظام الرئيس السابق علي عبد الله صالح، وتقول :"ستنطلق شرارة الثورة ضد المليشيات المسلحة التي جرت البلاد إلى حافة الحرب والعنف من محافظة تعز".
وظلت مدينة تعز بعيدة عن متناول جماعة الحوثي التي أحكمت قبضتها على غالبية المحافظات اليمنية في الشمال، واستمر ابناؤها في التعبير عن مساندتهم لما يصفونه بـ "الرئيس الشرعي عبدربه منصور هادي" من خلال تنظيم المظاهرات التي تطالب باستعادة الدولة وإخراج المسلحين من العاصمة اليمنية صنعاء وبقية المدن الرئيسية، إلا ان دخول الحوثيين إليها قلب الأمور رأساً على عقب.
وتقول أم عدي، امرأة مسنة من أهالي محافظة تعز، إن تعز الثقافة والحضارة لم تعد كما كانت بعد ان انتشر الحوثيون فيها، كونهم لا يعرفون شيئا عن الثقافة حسب قولها. :"لن ننتظر حتى نرى اليوم الذي يذلنا فيه ملسحو الحوثي كما هو الحال في معظم المناطق التي سيطروا عليها، حيث يقومون بتهديد النساء وشتمهن وغير ذلك من التصرفات البذيئة".
وبالرغم من العنف الذي يوجه إلى المتظاهرين، بالإضافة إلى كونها امرأة مسنة، لم تتوان ام عدي عن الخروج مع النساء الأخريات لرفض وجود ما أسمتها "الجماعة الانقلابية" .
تقول أُم عدي لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ) "كنا نعيش في أمان، إلى أن أتى هؤلاء المسلحون الذين لا يطئون أي مكان إلا ونشروا ظلمهم وفسادهم فيه."
وئام الصوفي، ناشطة شبابية في تعز، هي الأخرى تقول لـ (د.ب.أ)، انه بعد دخول الحوثيين إلى تعز، قاموا بارتكاب مجزرة بحق مسيرات شباب الثورة، وأشارت الى أن انتفاضة تعز تعبر عن الإرادة اليمنية الرافضة للحرب، وانقلاب "المليشيات" على شرعية الدولة مهما حاول إعلام الانقلاب وحلفاؤه تشويه عظمة المطالب الوطنية التي يرفعها المواطنون في تعز.
وتقول الصوفي :"تعز هي الثورة والنخبة الأشد تحضراً وثقافة والأكثر ثورية من بين بقية المحافظات الأخرى، ولها بصمات مضيئة في الثورات اليمنية.. وما يجري فيها من أحداث هي سيطرة على أهم منابع التحضر والثقافة والفكر".
وتعتبر الصوفي أن أبناء تعز يسطرون في الوقت الراهن أروع مشاهد التضحية والإباء، حيث لا يزالون ينظمون مظاهراتهم بصدور عارية وعقول نيرة ويتصدون لطلقات الحلفاء (الحوثي، ونظام الرئيس السابق علي عبدالله صالح ) الموجهة ضدهم بسلمية تامة.
وبسبب الأوضاع غير المستقرة في المحافظة وتخوف الأهالي من الانفلات الأمني الذي تشهده تعز بعد وصول الحوثيين إليها، انتشر الخوف بين المواطنين وخلت المتنزهات والأماكن العامة والمحال التجارية من الحركة، لاسيما بعد استخدام العنف و إطلاق الرصاص الذي أصبح يستخدم بطريقة عشوائية.
محمد العزي، مالك إحدى المحال التجارية في تعز، قال لـ (د.ب.أ) ان ما تشهده المحافظة يأتي نتيجة للأعمال التي يقوم بها الحوثيون، مضيفاً أن محافظة تعز كانت مستقرة والمحال التجارية والأماكن العامة فيها تشهد حركة جيدة ولا تخلو من الناس، ولكن تغير كل شيء في الوقت الراهن.
وتابع :" اليوم بات الجميع متخوفون من هذه الجماعة ومن الهجمات التي تستهدفها بها قوات تحالف عاصفة الحزم ولكن ليس بأيدينا إلا الدعاء بأن يحفظ الله تعز واليمن ككل وينجينا من جماعة الحوثي".
أحمد الحكيمي، طالب في جامعة تعز، قال لـ (د.ب.أ)، لن نسمح بأن يدخل الحوثيون أرضنا اغتصاباً حتى لو كان ذلك على حساب رقابنا".
واضاف "سنفدي تعز بأرواحنا وأجسادنا ولن يحكمنا الحوثيون بقوة السلاح فنحن عشنا أحرارا وسنموت كذلك".
وعن الجنود المتواجدين في تعز والتابعين لجماعة الحوثي، قال الحكيمي :"سنستمر بمظاهراتنا السلمية وبأقلامنا وكلمتنا الحرة إلى أن يخرج هؤلاء المسلحون ويعودوا من حيث اتوا ".
واعتدى الجنود التابعون لجماعة الحوثيين في مقر القوات الخاصة في تعز على المتظاهرين السلميين بالرصاص الحي في الأيام الماضية، وسقط عدد من القتلى وعشرات الجرحى في صفوف أبناء المحافظة.
وكان ما يقارب من 600 من المسلحين الحوثيين، مدعومين بأكثر من 200 من عناصر قوات الأمن الخاصة التي كانت في السابق موالية للرئيس عبد ربه منصور هادي، قبل أن تعلن انضمامها للجماعة، قد بدأت بالدخول إلى مدينة تعز.
وتبعد محافظة تعز، حوالي 240 ميلاً، أي نحو 386 كيلو متراً، إلى الجنوب وتعتبر احدى بوابات المحافظات الجنوبية، وتشرف جغرافيا على مضيق باب المندب.
من جانبه قال علي القحوم، عضو المكتب السياسي لجماعة أنصار الله الحوثية، لـ (د.ب.أ) إنه من حق الدولة أن ترسل تعزيزاتها إلى أي معسكر سواء في تعز أو في أي محافظة أخرى.
وأشار إلى إن الاتهامات الموجهة إلى جماعته هي مجرد أكاذيب ملفقة تهدف إلى تشويه صورة جماعة الحوثيين، مضيفاً "لكن اليوم وبعد شن الغارات الجوية على البلاد سقطت الرهانات التي قامت بتنسيقها الأبواق الكاذبة".
واعتبر القحوم أن ما يجري الآن في محافظة تعز، هو نتيجة لما يقوم به حزب التجمع اليمني للإصلاح (الإخوان المسلمين في اليمن)، واتهمهم بتحريك "بعض المجاميع لإثارة الفوضى في تعز وهم يريدون أن يسقط مقر معسكر قوات الأمن الخاصة كما سقط في عدن ولحج بيد القاعدة" . وأكد "أن المتظاهرين يرفعون صوراً للملك السعودي، وهذا ما يؤكد بأنهم ضمن المخطط الخارجي ضد اليمن، فهم أصبحوا ضمن العملاء والخونة".
وكان ابناء تعز قد نظموا مظاهرة يوم الخميس 26 آذار/مارس عبروا فيها عن دعمهم لعملية "عاصفة الحزم" التي تشنها المملكة العربية السعودية وعدة دول خليجية وعربية ضد جماعة الحوثي. ورفع المتظاهرون صور الملك السعودي سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ولافتات كُتب عليها "شكراً عاصفة الحزم".
وقال القحوم إن أي شخص يستهدف قوات الأمن الخاصة، هو عميل للخارج، ودعا أهل تعز للوقوف صفاً واحداً لمواجهة ما أسماه العدوان الخارجي الذي أتى باسم تحالف عاصفة الحزم.
وتمكن مسلحو الحوثي، ليلة الجمعة 20 آذار/مارس ، من دخول تعز دون مقاومة، وذلك بعد وقت قليل من بيان اصدرته اللجنة الأمنية في المحافظة وحذرت فيه من استقدام أي تعزيزات عسكرية وقالت إن الجهة التي ستُعزز بتلك القوات هي من تتحمل مسؤولية أي أحداث ستنجم عنها.